
اوضح تقرير الشال انه في أقل من ربع قرن، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2010، أصبح حجم اقتصادها في عام 2012 نحو 8.25 تريليونات دولار أمريكي -طبقاً لـIMF-، وبعد أقل من ربع قرن، سوف يتخطى حجم اقتصاد الصين الاقتصاد الأمريكي واقتصاد أوروبا الموحدة، إن قدر لأزمة الاقتصاد العالمي، الحالية، أن تحولها إلى دولة فيدرالية. ذلك لم يحدث لأن الصين ربطت مصيرها بحركة أسعار السلع في السوق العالمي، وإنما بتحولها إلى أكبر مصنع لأرخص سلع في السوق العالمي، أي إنها كانت قضية إدارة حصيفة وليس دعوات صالحة ونوايا طيبة.
ويمر الاقتصاد الصيني بمنعطفين رئيسين، فالنموذج التنموي الذي اعتمد، على مدى ربع قرن، على التصدير والاستثمار، هددته أزمة العالم المالية الأخيرة عندما ضربت أسواق الصين الخارجية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وفي مارس الفائت، قدمت الصين للعالم رؤاها حول تغيير تدريجي لنموذجها التنمــوي للاعتمــاد بشكـل متنـامٍ علـى الطلـب المحلـي -الاستهلاك الداخلي- بكل انطباقاته من رفع لمستويات المعيشة لتغذية ذلك الطلب، ولاحقاً انطباقاته السياسية. والتحدي الجديد الثاني جاء مما نشرته إحصاءاتها السكانية في 18 يناير 2013، من أن نمو السكان الصينيين في سن النشاط الاقتصادي -ما بين 15 و59 سنة- قد تقلص بنحو 3.45 ملايين نسمة، لأول مرة في عام 2012، ليبلغ عددهم نحو 937.27 مليون نسمة.
ويذكر ماجيانتانغ رئيس اللجنة المركزية للإحصاء، بأن الاتجاه الهبوطي للسكان الناشطين سوف يستمر بمعدل سنوي مماثل حتى عام 2030، وهو، في تقديرنا، نتيجة طبيعية لسياسة قديمة للتحكم في النمو السكاني، أو سياسة طفل واحد للأسرة الواحدة.
ويعتبر رئيس اللجنة المركزية للإحصاء هذا التطور مثيراً للقلق، فتحويل الصين هذا العدد الهائل من السكان من عنصر معطل إلى عنصر إمداد للنمو الاقتصادي غير المسبوق في الماضي، يبدو أنه إلى نهاية. والواقع، أن مثل هذا التطور يتناقض مع محاولة تغيير نموذج التنمية إلى غلبة أثر الاستهلاك المحلي على الاستثمار والتصدير، فالسوق الاستهلاكي الصيني، من ناحية العدد، إلى اضمحلال. ولكن العقل الصيني سوف يجد مخارج، منها، مثلاً، تعويض النقص في العدد إلى نمو أعلى في الدخل وعدالة توزيعه، أي بناء قاعدة أوسع من الطبقة الوسطى.
وجاءت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للصين، عن عام 2012، قبل نهاية الأسبوع الثالث من شهر يناير 2013، وكانت مشجعة، إذ حقق الاقتصاد نمواً حقيقياً للربع الرابع بنحو 7.9 في المئة، مرتفعاً من معدل 7.4 في المئة للربع الثالث من العام الفائت. ومعها حقق الاقتصاد الصيني معدلاً للنمو بحدود 7.8 في المئة لعام 2012، كاملاً، وخلق نحو 2.8 مليون فرصة عمل جديدة، وعليه، افترض رئيس لجنة الإحصاء أن نمواً ما بين 7-8 في المئة، سنوياً، سيكون كافياً لخلق ما يكفي من فرص عمل للداخلين الجدد إلى السوق في المناطق الحضرية وللمهاجرين من الريف، طبقاً للفاينانشال تايمز عدد 18 يناير 2013.
هذه الدقة والسرعة في نشر المعلومات في أكبر الدول سكاناً وأكثرها تعقيداً في تنوع اقتصادها، هي السمة الغالبة لاقتصادات آسيا، كلها، فالانضباط والإفادة من المعلومة في رسم السياسات، كانت نعمة محتكرة للغرب عندما ساد العالم، ومحاكاتها في الشرق مع تفوقه سكاناً، سوف تعني، حتماً، انتقال الثقل الاقتصادي إليه.
وحتى نستفيد، لابد من قياس مقارن لدقة المعلومات عن اقتصاداتنا، وسرعتها، ففي الكويت، حتى عدد السكان وليس توزيعه، تفصيلاً، إن عرف فسوف يأتي متأخراً جداً، وغير دقيق، حتى للسكان المواطنين منهم. أما إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي والتجارة الخارجية والحساب الختامي في بلد لا يصدر سوى سلعة واحدة، فالمختصون يعرفون مدى رداءة نوعيتها، متى حصلوا عليها متأخرة.