
أفاد تقرير الشال أن الكويت لم يكن بلداً مصاباً بأزمة العالم المالية في عام 2008 سوى في حالة واحدة لم تتحقق، وهي ولوج الاقتصاد العالمي في حالة من الركود العميق أو حتى كساد بانعكاساته السلبية على سوق النفط.
ولكن، ما حدث كان تعثراً مؤقتاً وطفيفاً لأداء الاقتصاد العالمي، ما جعله يحقق أول نمو سالب -0.6 في المئة- في عام 2009، ليعاود النمو الموجب في عام 2010 بنحو 5.1 في المئة ثم نمو موجب بنحو 3.8 في المئة في عام 2011، ومتوقع له نمو موجب بحدود 3.3 في المئة في عام 2012.
وتبعاً لهذه التطورات الإيجابية، حققت أسعار النفط هبوطاً من معدل 90.6 دولاراً أمريكياً لبرميل النفط الكويتي في عام 2008 إلى 60.8 دولاراً أمريكياً، في عام 2009، بهبوط بنحو -32.9 في المئة، ثم عاود ذلك المعدل الارتفاع إلى 76.5 دولاراً أمريكياً و105.7 دولارات أمريكية و108.6 دولارات أمريكية، في الأعوام 2010 و2011 و2012، على التوالي.
وبسبب أحداث الربيع العربي ثم حصار النفط الإيراني، لم تحقق الكويت علاوة على أسعار نفطها، فقط، وإنما بات إنتاجها قريباً من مستوى 3 ملايين برميل، يومياً، بينما حصتها الرسمية في أوبك 2.22 مليون برميل، يومياً. تلك التطورات الإيجابية في سوق النفط، كلها، انعكست نمواً حقيقياً موجباً للناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.5 في المئة و8.2 في المئة و6.3 في المئة، للسنوات 2010 و2011 و2012، وفوائض قياسية للحساب الجاري والموازنة العامة.
في ظل مثل هذه الظروف، وفي أي بلد في العالم، يفترض أن يكون الاقتصاد رائجاً، ومعه يفترض أن يتدفق الائتمان بمعدلات نمو موجبة، مساوية، على أقل تقدير، لمعدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي. ولكن، ما حدث لمعدل النمو الائتماني هو تحقيقه نمواً سالباً أو قريباً من الصفر لثلاث سنوات، ونمواً بحدود 5 في المئة في عام 2012 ذهب، معظمه، إلى تمويل الاستهلاك في بلد لا ينتج سلعاً وخدمات غير مدعومة، وفي جزء منه من إعادة جدولة ديون قديمة.
وفي الحالتين، أي النمو المفرط في الائتمان البالغ نحو 26.8 في المئة للسنـوات الثـلاث، 2006-2008، وفقـاً لتقريـر اتحاد المصارف وآخرين، أو غياب نمو الائتمان ما بعد عام 2008، في ظل ظروف اقتصادية مواتية، كانا خطأ، ففي القديم تسبب في تضخم غير مبرر لأسعار الأصول، ثم سقوط شركات عديدة أفرطت في الاقتراض، وفي الوقت الحاضر، يدفع الاقتصاد تكلفة غير ضرورية بتحويل حتى المليء، من الأفراد والشركات، إلى غير مليء بسبب شح السيولة.
وللوضع الائتماني الحالي مبررات عدة، بعضها يصعب التحكم به مثل مخاطر أحداث الربيع العربي أو التهديد بمواجهة مع إيران، ولكن هناك الكثير من التكاليف التي تدفع بسبب ضعف الإدارة العامة. فالإنفاق العام -السياسة المالية- يرتفع بمعدل 14 في المئة سنوياً على مدى ثلاث سنوات مالية، من دون أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي، وبآثار سلبية غير محتملة في المستقبل. ولم تتحمل الإدارة العامة جانبها من المسؤولية في فرز الغث من السمين من الشركات، بما تسبب في استمرار انحسار الثقة في قطاع الأعمال، كله، وأصبح مبدأ السلامة هو حجب الائتمان عن الكل. ولم تقم الإدارة العامة بأي جهد لموازنة العرض والطلب في أسعار بعض الأصول المهمة، وهو تدخل غير مباشر قامت به معظم دول العالم، وحققت، غالبيتها، عائداً على استثمارها. وأخيراً، أضافت الإدارة العامة بعداً سياسياً جديداً وخطراً بإقرارها قانون الضرورة للصوت الواحد، ومن المؤكد أنه سيكون من أهم عوامل تراكم حالة عدم الاستقرار الداخلي.
لذلك، من المحتمل أن تستمر حالة جمود الائتمان، باستثناء الاستهلاكي، منه والذي يتسبب، حالياً، في هجمة نيابية غير مبررة ومكلفة، بينما يستمر الاقتصاد اقتصادين، اقتصاد ظاهر رائج، يدفع تكاليف غير مبررة لإنقاذ اقتصاد كاسد.