
فيما تستمر الأزمة السياسية الطاحنة ومشاهد العنف والقتل في تصدرها المستمر للمشهد المصري، بدا جلياً أن خسائر العملة المصرية لن تتوقف عند هذا الحد في ظل حالة من الوهن تقوض الآمال في أي تعافى اقتصادي لأكبر بلد عربي يقطنه نحو 91 مليون نسمة وفق اخر تقرير صادر من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
ولا تبدو خارطة الطريق، التي وضعها البنك المركزي المصري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجنيه المتهالك، تسير بخطى إيجابية نحو التحكم في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار فبعد كل عطاء للعملة نجد تراجعات ملموسة في قيمة العملة المصرية وتعزيز لعودة السوق السوداء إلى الواجهة مرة أخرى في مشهد يشبه إلى حد كبير ما حدث في عام 2004 عندما قفز في السوق السوداء إلى 7.25 جنيهات قبل إطلاق آلية الانتربنك التي ساعدت في نزوله آنذاك.
السوق السوداء
لم تتأخر السوق السوداء كثيراً في الظهور خاصة مع المكاسب الضخمة التي يحققها المتعاملون فيها جراء استغلال فروق أسعار العملة، فاختفاء الدولار تسبب بطبيعة الحال في ارتفاع أسعار العملات الأخرى فمن لا يجد «سيد العملات» يتجه بكل تأكيد إلى عملة أخرى على غرار اليورو أو العملات الخليجية التي شهدت بدورها ارتفاعا مطرد لازم ارتفاع الدولار.
ويقول محمد مندور وهو مستورد مصري لأطعمة الحيوانات «لم استطع الحصول على احتياجاتي من الدولار سواء من البنوك أو أسواق الصرافة، كانت السوق السوداء هل الحل لا بديل أمامي غيرها».
واستحدث محافظ البنك المصري الجديد هشام رامز أوامر لجميع البنوك المحلية العاملة في السوق بضرورة توجيه العملة الصعبة لموردي الحاجات الأساسية كالأطعمة والدواء وعدم توجيهها لاستيراد الكماليات كأدوات الزينة وأطعمة الحيوانات وغيرها.
كما قامت الحكومة في إطار مساعيها للترشيد من استخدام الدولار بفرض رسوم جمركية مرتفعة على نحو 100 سلعة كمالية كالنظارات وأطعمة الأسماك وغيرها من السلع المختلفة وهو ما يعني أن كل المستثمرين في هذه المجالات سيلجؤون لا محالة إلى السوق السوداء مع تحمل المزيد من الخسائر.
أضاف مندور «عملي كمورد لأغذية الحيوانات يضعني في القائمة المنبوذة من الحصول على الدولار بسعر السوق الفعلي، وهو ما يجعلني أبحث عنه في السوق السوداء في مقابل يصل إلى 7.2 جنيهات للدولار الواحد».
الاقتصاد بين فكي الرحى
جولة جديدة من المتاعب تواجه الاقتصاد المصري يشعر بها القاصي والداني في الشارع المصري، إذ تعزز وتيرة التراجع الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ الإطاحة بنظام حسني مبارك في فبراير 2011 من النظرة التشاؤمية لاقتصاد البلاد الذي لا يلبث يخرج من أزمة حتى يدخل في غيرها، فأزمة الدولار التي تعيشها مصر هي الأولى في سلسة من الأزمات الطاحنة التي توالت تباعاً.