
يعتقد لارس ساير كريستنسن، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لساكسو بنك أن المشكلة الحقيقية ليست قبرص، بل هي اليورو، كما كتب في مدونته الأخيرة على الإنترنت.
وقال: بعد أسابيع قليلة مثيرة للقلق، أودٌّ أن أختتم تعليقاتي المتعلقة بقبرص، وآمل أن أنتقل إلى قضايا أخرى في المستقبل. فمن المدهش أن عملية الإنقاذ البالغة عشرة مليار يورو يمكن أن تترك العالم مشدوها لفترة طويلة. ولكن مرة أخرى، في حين أن المبلغ ليس مذهلا، فإن بعض آثاره مثيرة.
ومضى: أن يُدَمَّرَ اقتصادٌ صغير خلال مدة تقدر بعطلة نهاية الأسبوع هو أمر في حد ذاته مخيف جدا؛ ولكن مصير قبرص كان قد حُكم عليه في الأساس عندما كشفت الترويكا النقاب عن نسختها الأولى من حزمة الإنقاذ. أن تَضُحَى النتيجةُ النهائيةُ أسوأ حتى مما كان متوقعا، فإن هذا لا ينبغي أن يبعث على استغراب أحد بعد الجهود التي بذلتها منطقة اليورو سابقا في سبيل إنقاذ مشروعها. ليس هناك خط متماسك أو تنسيق بشأن البيانات، كما أن الخطط الكبرى تحمل انطباعا بأنها مجرد خربشة مكتوبة بغير عناية على منديل ورق بعد موعد النوم بوقت طويل، وبالتالي، فإن النتائج كانت رديئة.
إذًا هل ارتكبت قبرص أشياء فظيعة جعلتها تستحق هذا المصير الشنيع؟ في الواقع هي لم تفعل شيئا من ذلك. كانت لقبرص أرقاما جيدة سواء بالنسبة للديون أو للنمو العام أو للموارد المالية – بالتأكيد مقارنة مع العديد من البلدان الأخرى في المنطقة. تمكنت قبرص بنجاح من بناء قطاع خدمات مالية قوي، ذلك لأن الجزيرة لا تمتلك إلا القليل من الصناعة أو الزراعة لتعيش منها. تتمتع قبرص بأداء جيد وقوة عاملة ناطقة بالإنجليزية، كما أنها استندت على القانون البريطاني. وبشكل عام، فإنها ليست مكانا سيئا للقيام بأعمال تجارية، فهي بذلت ما في وسعها القيام به.
كان الشيء الوحيد الذي ذهب في الاتجاه الخاطىء بالنسبة لقبرص هو توقع مصرفييها أن ساسة منطقة اليورو يمكن الوثوق بهم فيما يتعلق بسدادهم لقروضهم؛ فالإستثمار بكثافة في المستندات والأوراق المالية اليونانية لم يكن أمرا غير عادي بالنسبة لبلد شديد الصلة باليونان - ولا يختلف الأمر كثيرا عن ما تفعله البنوك الأخرى بالديون السيادية الوطنية الخاصة بها «في هذه الحالة الديون السيادية الشبه وطنية».
من خلال ما قلت سابقا بخصوص مسؤولين رفيعي المستوى في القطاع المصرفي بقبرص، كان واضحا تماما عدم وضع ضغوط سياسية لا يستهان بها على الأقل على تلك البنوك التي تعمل من اليونان لشراء السندات المحلية. قُلِّلَ بشكل واضح من مخاطر هذا التركيز أو التشديد، ولكن في الأساس، كان هناك اعتماد على منطقة اليورو لدعم أي دولة تدخل في مشاكل خطيرة، بما في ذلك اليونان. إن كنتم تتذكرون، فإنه قبل سنوات قليلة، اعتقد معظم الناس فعلا أن هذا كان جزءا لا يتجزأ من صفقة اليورو، وإلا لما حدث مثل هذا التقارب الكبير في عائدات السندات.
لذلك أنا لا أعتقد أن باستطاعة أحد أن يُبَرِّأَ القطاع المصرفي القبرصي من اللوم تماما، ولكن كل المشاكل كان من الممكن فقط أن تُضَمَّنَ في صلب النظام مع وجود ديناميات منطقة اليورو؛ وإلا، لكان عدد المستثمرين الأجانب الذين يضعون أموالهم في قبرص أقل، ولكانت ديناميات مخاطر سوق السندات السيادية الخاصة بالتعويم الحر للدراخما قد حظرت مثل هذه التعرضات وكان ذلك سيؤدي إلى تعديل أسرع للمخاطر المبنية على العلامة في مقابل السوق. اليونان نفسها ربما لم تكن لتُخِلَّ بالتزاماتها المالية المستحقة، ولكن بدلا من ذلك اعتمدت على التخفيض التنافسي لقيمة العملة كما كانت تفعل دائما في الماضي.
الآن، بدلا من ذلك، كبرت المشاكل أكبر بكثير من الحد الذي كانت الأسواق الرأسمالية الحرة لتسمح به في أي وقت مضى؛ لكننا الآن –بالتالي- باتت لدينا ضوابط رأس المال والقيود الخاصة بالسحب والضرائب الفعلية على الثروة داخل منطقة اليورو، وهذا يعني أن مفهوم اليورو بات يمكنا أن نقول عنه أنه بالكاد موجود في نفس الشكل السابق الذي كان عليه. هناك على الأقل صيغتان من اليورو: اليورو المقيد في نيقوسيا واليورو الغير مقيد –على الأقل حتى الوقت الحاضر- في بقية منطقة اليورو؛ وهما ديناميتان مختلفتان تماما، وأعتقد أنها البداية لنماذج متعددة من اليورو في المستقبل. من المرجح اللجوء إلى تدابير مماثلة في حالات مماثلة، فالآن بات الناس بالفعل يتساءلون ويناقشون: أين ستكون الضربة القادمة للأزمة. سلوفينيا؟ مالطا؟ دولة أخرى، مشكلة أكبر من ذلك بكثير، بلدان؟
ذكَّرَتْنَا صحيفة فاينانشال تايمز ذلك اليوم بتحذير فريدريك حايك الذي تقشعر له الأبدان حول ضوابط وقيود رأس المال، قائلا: «لا شيء في البداية يبدو أنه يؤثر على الحياة الخاصة إلا ضبط الدولة للتعاملات بالنقد الأجنبي، ومعظم الناس سوف ينظرون إلى إدخال ذلك حيز التنفيذ بالتجاهل التام؛ إلا أن تجربة معظم البلدان القارية قد علَّمت المفكرين من الناس النظر إلى هذه الخطوة كتقدم حاسم على طريق الاستبداد وقمع الحرية الفردية. إنها في الواقع بمثابة تسليم الفرد تسليما كاملا لطغيان الدولة، وإلغاء نهائي لجميع وسائل النجاة والخلاص - وليس فقط للأغنياء بل للجميع ««الطريق إلى العبودية، 1944».
حذار من الأدوات الجديدة التي أُدخلت، فقيود رأس المال كانت أحدها؛ فما بدا يشبه إلى حد كبير توسعا في ضريبة الثروة كان في الواقع أمرا آخر.
أعتقد اعتقادا قويا أننا شهدنا تغييرا في قواعد اللعبة في الأسابيع القليلة الماضية، وأعتقد أن أي شيء وكل شيء يمكن توقعه لا بل يجب أن نتوقعه مع تفاقم أزمة اليورو وتحرك المحدلة البخارية من بلد يخضع لعملية إنقاذ إلى آخر مماثل.
هناك فقط عدد قليل لحدود ما يمكنك القيام به لفائدة الناس في التفسير الحديث للديمقراطية؛ وهو نموذج أو نسخة لا يتطلب فيها إلا حكم الأغلبية، ولكن لم يعد هناك احترام للحقوق الشخصية السلبية - كما نعرفها من الدستور الأمريكي.
الهدف الأسهل يكون دائما الأثرياء، أو حتى مجرد الناس العاملين والمدخرين الذين فعلوا الشيء الصحيح طوال حياتهم. بينما تبدأ الدول المتضخمة بالرعاية والرفاهية في الانهيار بسبب وعودها الغير مسؤولة، وكذلك الحال بالنسبة لنظم قيمها المتهالكة وخصائصها الديموغرافية التي لا يمكن تحملها أو دعمها، يصبح من السهل إقناع أكثر من 50 في المئة من الناخبين أن مصادرة وسرقة أموال الآخرين هو أمر جيد ومقبول إذا كان ذلك من أجل الصالح العام. تجدر الملاحظة أن مجموعة بوسطن الاستشارية أجرت عملية حسابية وجدت فيها أن 28 في المئة من الثروات الخاصة للعموم سوف تكون مطلوبة للوفاء فقط بالالتزامات الحالية –ليس الالتزامات المستقبلية، ولا يمكن لهذا المال أن يأتي إلا من مكان واحد...جيوبكم: فخذوا حذركم.
سارت الكثير من الأشياء في الاتجاه الخاطىء على مدى السنوات القليلة الماضية، ولكن زُرعت البذور منذ سنوات عديدة؛ ففي شكل الضغط على المزيد من الناس للحصول على «الحق» في امتلاك ممتلكاتهم حتى عند عدم وفائهم بمعايير الرهن العقاري التقليدية – يكون ذلك بالتبعية رهنا عقاريا. أما في شكل «الاستحقاقات» الهائلة ليس للفقراء فقط، ولكن أيضا الطبقة المتوسطة في دول الرعاية والرفاه – وبالنتيجة العجز والديون المتضخمة. أما في شكل اليورو، وهو مشروع سياسي ضخم لا أساس عملي له – تكون النتيجة أزمة تليها أزمة، تمتد فيها رقعة الدومينو بعيدا عبر المسافة.
من المؤكد، أن العديد من المؤسسات المالية قد استفادت من الذين تعاملوا معها؛ فهي ليست بعيدة عن كونها مذنبة ولا عن المسؤولية عن الفوضى الحالية. ولكن المشاكل الحقيقية لا تكمن في الأشخاص الذين يحاولون الاستفادة من كل الظروف التي يعملون ضمنها، بل المشكلة الحقيقية تكمن في الإطار الذي أنشأه السياسيون ومنع الأسواق الحرة من التعامل مع الفائض كما تفعل الرأسمالية دائما. إن نموذجَا حل الأزمات وتعريض أعمال الفقراء هو جزء من الرأسمالية، وذلك ليست دائما أمر جيد - إنما هي صفقة رابحة جدا أكثر كفاءة وأسرع من محاولة يائسة لإنقاذ ما هو محكوم عليه بالفشل أساسا؛ وسوف لن تسمح أبدا للمشاكل بالنمو إلى الحجم الذي نواجهه الآن.