
أشار تقرير أصدرته شركة «بيتك للأبحاث» التابعة لـمجموعة بيت التمويل الكويتي «بيتك» أن الضغوط التضخمية في المملكة العربية السعودية مستقرة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 لكنه توقع أن ترتفع تلك الضغوط خلال النصف الثاني من العام 2013 نظراً لمؤشرات تشير إلى حدوث المزيد من الارتفاع في أسعار الغذاء العالمية على خلفية النقص في محاصيل الذرة والحبوب والذي بدأت تشهده المملكة في ابريل ومايو 2013.
وتوقع تقرير «بيتك للأبحاث» أن تحافظ السياسة النقدية السعودية على استقرارها، وان تظل ملائمة وتستمر في دفع الطلب المحلي، حيث من المرجح أن يواصل الإقراض المصرفي نموه بوتيرة قوية.
واوضح التقرير أن مؤشر قياس تكاليف المعيشة، والذي يقيس معدل التضخم، سجل زيادة بنسبة 3.8 في المئة على أساس سنوي في مايو 2013. وهي أقل وتيرة له في خمسة أشهر، انخفاضاً من نسبة الـ 4 في المئة على أساس سنوي المسجلة في ابريل 2013 وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء. وقد انخفضت الأسعار الرئيسة مدفوعة بانخفاض الزيادة في أسعار قطاعات النقل والملابس والأحذية والمطاعم والفنادق. إلا أن هذا الانخفاض في معدل زيادة الأسعار تمت مقاصته بفعل الزيادة الهامشية في أسعار الأغذية والمشروبات والإسكان والمرافق العامة، وهما أكبر قطاعين في مؤشر سلة قياس تكاليف المعيشة حيث يمثلان 21.7 في المئة و 20.5 في المئة من السلة. وبالنسبة للأساس الشهري، تبدو الضغوط التضخمية في المملكة متضائلة نظراً لتباطؤ معدل التضخم بنسبة 0.1 في المئة على أساس شهري في مايو 2013، وهو ابطأ معدل في 16 شهراً، في أعقاب زيادة قدرها 0.2 في المئة على أساس شهري في ابريل 2013.
التضخم الأساسي، السبب الرئيسي للضغط النزولي
في الواقع، يرجع سبب انخفاض إجمالي التضخم بصورة أساسية إلى انخفاض معدل التضخم الأساسي «باستثناء قطاع الأغذية والخدمات ذات الصلة بقطاع الإسكان» في الوقت الذي زادت فيه مساهمة تضخم الإيجارات وأسعار المواد الغذائية. وتراجع معدل التضخم الأساسي على أساس سنوي إلى 2.6 في المئة في مايو 2013 من 3.4 في المئة على أساس سنوي في الشهر السابق. وجاء انخفاض الأسعار الأساسية مدفوعاً من قبل انخفاض الأسعار عبر مختلف القطاعات الرئيسية وبالتحديد قطاعات الملابس والأحذية والنقل والأثاث المنزلي والوسائل الترفيهية والثقافية والمطاعم والفنادق والتي تمثل جميعها نسبة 58 في المئة من التضخم المؤقت.
وتباطأ ارتفاع اسعار النقل والتي تشكل 10.4 في المئة من سلة قياس تكاليف المعيشة إلى 2.5 في المئة على أساس سنوي « انخفاض بمعدل 0.6 في المئة على أساس شهري» في مايو 2013 من 5.6 في المئة على أساس سنوي «انخفاض بنسبة 0.5 في المئة على أساس شهري» في ابريل 2013 نظراً لزيادة أسعار السيارات فقط بنسبة 1 في المئة على أساس سنوي خلال شهر مايو 2013 من 7 في المئة على أساس سنوي المسجلة في الشهر السابق. ومما زاد من تراجع معدل التضخم في أسعار النقل ذلك الانخفاض الحاد في أسعار تذاكر الطيران، والتي تراجعت لتسجل 19.3 في المئة في مايو من 27.5 في المئة في الشهر السابق نتيجة لعوامل موسمية قبل شهر رمضان المبارك.
واستمر التضخم في قطاع الملابس والأحذية «والذي يساهم بنسبة 8.4 في المئة من سلة مؤشر تكاليف المستهلك» في الاعتدال ليصل إلى 3 في المئة على أساس سنوي «بانخفاض بنسبة 0.2 في المئة على أساس شهري» في مايو من 3.3 في المئة على أساس سنوي «انخفاض بنسبة 0.1 في المئة على أساس شهري» في ابريل 2013 حيث ارتفعت أسعار المواد الخام من الملبوسات بوتيرة أقل عند 4 في المئة مقارنة بمعدل 9 في المئة خلال نفس الفترة من العام السابق. بينما استمرت أسعار قطاع الأحذية الفرعي في انخفاض حجم التضخم للشهر الرابع على التوالي عند 3.4 في المئة على اساس سنوي في مايو 2013 مقارنة بنسبة مرتفعة وهي 8.4 في المئة على أساس سنوي في يناير 2013. فيما انخفض قطاع تأثيث المنازل «والذي يساهم بنسبة 9.1 في المئة من سلة مؤشر تكاليف المستهلك» بصورة طفيفة بنسبة 3.3 في المئة على أساس سنوي «دون تغير على الأساس الشهري» في مايو من نسبة الـ 3.6 في المئة على أساس سنوي «بزيادة 0.8 في المئة على أساس شهري» في ابريل 2013 على خلفية الانخفاض في تضخم أسعار الأثاث والمعدات المنزلية.
أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن تزيد من حدة التضخم
وارتفعت أسعار قطاع الأغذية والمشروبات «أكبر مساهم في سلة مؤشر تكاليف المستهلك بنسبة 21.7 في المئة » بأسرع وتيرة لها في ستة أشهر لتصل إلى 6.4 في المئة على أساس سنوي في مايو 2013 من 6.2 في المئة على أساس سنوي المسجلة في ابريل 2013 حيث سجلت أسعار قطاعات فرعية مثل الخبز والحبوب واللحوم والدواجن والأسماك والأطعمة البحرية والزيوت والدهون ارتفاعاً في أسعار التضخم. وقد ذكرنا في تقريرنا عن التضخم في شهر مارس أن الخبز والحبوب قد تواجه ضغوطاً طفيفة تعمل على زيادة أسعارها خلال الأشهر المقبلة عقب ورود تقارير عن نقص في كميات الحبوب والدقيق في بعض مناطق المملكة. وقد تحقق هذا بالفعل حيث استمر القطاع في تسجيله لمستوى عال من التضخم بنسبة 9.2 في المئة في مايو مقارنة بنسبة 8.9 في المئة على أساس سنوي في ابريل.
وجاء الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في السعودية خلال الأشهر الأخيرة على خلفية الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية، وذلك وفقاً لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء العالمية. وقد قفز المؤشر بنسبة 5.1 في المئة على أساس سنوي في مايو من 1.3 في المئة في ابريل بعد أن شهد انكماشاً لمدة ثلاثة أشهر متتالية خلال الربع الأول من 2013 نتيجة لانخفاض أسعار الشحن ووجود فائض في انتاج بعض المواد وخاصة الأرز والسكر. وبالرغم من ذلك، وفي ظل التوقعات بأن يشهد السوق العالمي للمواد الغذائية المزيد من التوازن بين العرض والطلب خلال عام 2013 وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، فقد تكون أسعار المواد الغذائية مصدراً لاستمرار زيادة الضغط في الاتجاه التصاعدي على التضخم في المملكة.
وفي ذات الوقت، ارتفع أيضاً تضخم قطاع الإسكان والمرافق «والذي يساهم بنسبة 20.5 في المئة في سلة مؤشر تكاليف المستهلك» بصورة كبيرة ليصل إلى معدل 3.6 في المئة على أساس سنوي «بزيادة شهرية بنسبة 0.7 في المئة » في مايو من 3 في المئة خلال ابريل 2013. وقد ارتفعت إيجارات المساكن إلى 4.2 في المئة على أساس سنوي من 3.4 في المئة في ابريل 2013 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
ومن المتوقع أن يؤدي نقص المعروض من المساكن منخفضة التكاليف والذي كان سائداً لعدة سنوات في استمرار كون الإيجارات تمثل ضغوطاً تصاعدية على إيجارات المساكن خلال الأشهر المقبلة. وعلى الرغم من التدابير الحكومية الأخيرة الرامية إلى تطوير مساكن منخفضة التكاليف، إلا أن محدودية الطلب على المساكن في المملكة سوف يحتاج سنوات للانتهاء منها حيث إن 60 في المئة من السكان يعيشون في مساكن مؤجرة بينما قام أقل من نسبة 4 في المئة بشراء منازل بموجب الرهن.
السياسة النقدية
ونتوقع أن تحافظ السياسة النقدية السعودية على استقرارها، كما يتوقع أن تتبع أسعار الفائدة وأسعار الصرف في السعودية تحركات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. وحيث إنه من المستبعد أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة حتى عام 2015، فإننا نرجح أن تبقى مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» على سعر إعادة الشراء عند 2.00 في المئة وعلى سعر إعادة الشراء العكسي عند 0.25 في المئة لبقية عام 2013 ولعام 2014. وقد أبقت ساما على أسعار الفائدة دون تغيير منذ ديسمبر 2008 في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
ونتوقع أن تظل الأوضاع النقدية المحلية في السعودية ملائمة وأن تستمر في دفع الطلب المحلي. وظلت السيولة قوية إلا أن الإقراض المصرفي في القطاع الخاص انخفض بصورة طفيفة ليصل إلى 15.9 في المئة على أساس سنوي في ابريل 2013 بعد أن بلغ ذروته في ديسمبر 2012 مسجلاً 16.4 في المئة على أساس سنوي. ولكن في ظل محافظة نمو القروض الشخصية وقروض الشركات على صلابته فضلاً عن ازدهار أنشطة الأعمال على الصعيد المحلي، فمن المرجح أن يواصل الإقراض المصرفي نموه بوتيرة قوية. وفي الوقت نفسه، ظل نمو عرض النقود»ن 3» قوياً مسجلاً نسبة 14.1 في المئة على أساس سنوي في ابريل 2013 من 13.9 في المئة على أساس سنوي في 2012 مدفوعاً بقوة الودائع تحت الطلب والودائع شبه النقدية الأخرى. ويعد تأثير الأوضاع النقدية الملائمة على التضخم محدود نسبياً حيث تحافظ المملكة على سياسة ضبط أسعار المواد الغذائية والوقود والتي تشكل جزءا كبيرا من سلة مؤشر تكاليف المستهلك.