لا شكّ في أنّ تدفقات التجارة العالمية، وارتفاع إجمالي الناتج المحلي، ونمو الطبقة الوسطى والتكنولوجيات الجديدة كلها عوامل ستساعد المصارف المتمركزة في الأسواق الناشئة على التوسع نحو الأسواق العالمية في السنة المقبلة. ووفقاً لتقرير ديلويت الذي يحمل عنوان "الخدمات المصرفية عبر الحدود: فرص التوسع الدولي للمصارف في الأسواق الناشئة"، فإنّ هذه المصارف التي تتمتّع بخبرة عمل في أسواق متقلبة، الى جانب درايتها في الوصول إلى الأشخاص الذين لا يتعاملون مع المصارف بشكل جزئي أو كامل، تتمتع بوضعية فضلى لتحقيق توسع ناجح نحو الأسواق المتقدّمة بالإضافة إلى أسواق أخرى ناشئة.
ويقول جو الفضل، الشريك المسؤول عن قطاع الخدمات المالية في ديلويت الشرق الأوسط "إنّ الأنظمة المصرفية في العديد من الأسواق الناشئة، والتي كانت أقل تعرّضاً للمنتجات المصرفية المعقّدة والعالية المخاطر، كانت أقل تأثّراً بالأزمة المالية في العام 2008. وتشكّل المصارف في منطقة الشرق الأوسط خير مثال على ذلك، حيث أنّها استفادت من الفرص في أسواقها المحلية ووسّعت عملياتها محليّاً مما أدى بالتالي الى ميزانيات أقوى وقاعدة أوسع لرأس المال".
واستطرد قائلاً "يتيح هذا التوسع المحلي النسبي ومعه ازدياد الوسائل المتاحة لهذه المصارف أن تستثمر في فرص النمو. كذلك تدرس العديد من المصارف الكبرى في هذه الأسواق كيفية تعزيز قدراتها واستثمار خبراتها والفاعلية النسبية لنظامها التشغيلي للنظر في فرص التوسّع نحو أسواق جديدة".
ويشدّد تقرير ديلويت على الخطوات التي ستتخذها هذه المصارف بهدف التوسّع على الصعيد الدولي ومنها: الاستعداد الجيد للتوسّع، والدروس المستقاة من عمليات التوسع التي حصلت في السابق بالإضافة إلى التخطيط لمواجهة التحديات المحتملة مثل عوامل اللغة والثقافة والمواهب ورأس المال اللازم لتوسيع نطاق منتجاتها في أسواق جديدة.
ووفقاً للتقرير، اتبعت المصارف المتواجدة في الأسواق الناشئة في السنوات القليلة الماضية، مسارات مختلفة في توسيع انتشارها حول العالم. وقد نظرت العديد من المصارف إلى منطقة الشرق الأوسط كهدف وفرصة للاستثمار بالنظر إلى قربها من الأسواق الآسيوية، وقدراتها غير المستغلة، بالاضافة الى تواجد محدود للمصارف الأجنبية في المنطقة حتى هذه الحقبة.
وفي الواقع، يشير البنك الدولي إلى أنّ الاستحواذات من الأسواق الناشئة سترتفع، مع توقعات بأن تتضاعف القيمة السنوية لصفقات الدمج والاستحواذ بحلول العام 2025، فتتخطى معدّلات النمو لإجمالي الدخل المحلي للبلدان التي هي بلدان المنشأ لمؤسسات الأسواق الناشئة .
ويستطرد الفضل قائلاً: "على الرغم من أنّ المصارف في الأسواق الناشئة ما زالت تتمتع بفرص التوسّع المحلي وبالحاجات المتزايدة للأسواق إلى منتجات وخدمات مصرفية مبتكرة، فإنّها تسعى أيضاً إلى التوسع إلى خارج الحدود المحلية، مع توسّع أعمال مستهلكيها إلى أسواق جديدة وهجرة مواطنيها إلى بلدان جديدة".
أمّا حالياً، فتتقاسم الأسواق الناشئة والأسواق المتطورة إجمالي الدخل المحلي مناصفة . إلاّ أنّ التقرير يتوقّع في المستقبل أن تحقّق الأسواق الناشئة المزيد من إجمالي الدخل المحلي العالمي مقابل تراجع حصة الأسواق المتطورة. وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للائحة فورتشون 500 العالمية، فإنّ عدد مؤسسات الخدمات المالية الأميركية الشمالية والأوروبية قد تراجع على اللائحة مقابل ارتفاع عدد المؤسسات التي تتخذ مقراً لها في آسيا وأميركا الشمالية والوسطى .
ووفقاً للتقرير، تتضمن الخطوات الأساسية التي قد تتخذها مصارف الأسواق الناشئة لجهة التوسع نحو الأسواق المتقدمة والنامية والتي تقوم بتقييم جهوزيتها ضمن المسار ما يلي:
- الاستراتيجية: دراسة شرائح السوق التي يجب متابعتها وفهم احتياجاتها جيداً. ووفقاً لدراسة حديثة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، تحظى ثلاث قطاعات بأكبر فرص للنمو في الأسواق الناشئة وهي قطاعات الخدمات المالية للمستهلك، والخدمات المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والخدمات المالية للشركات.
- التنفيذ: بعد تحديد استراتيجية واضحة للتوسع الدولي، على المصارف المتمركزة في الأسواق الناشئة أن تركّز على كيفية تطبيق خططها.
- البنية التحتية: يجب على المصارف الاستحصال على أنظمة الأعمال والتكنولوجيا المناسبة لادارة اعمالها. ففي بعض الأسواق الناشئة، تكون موارد البنى التحتية شحيحة أو محدودة ولا سيما تلك البنى التحتية التي تتراوح ما بين النقليات الموثوقة وصولاً إلى مصادر الكهرباء.
- المواهب: تعتبر الموارد البشرية واحدة من أكثر الموارد أهمية التي ستحتاج إليها المصارف المتمركزة في الأسواق الناشئة عند التوسع: أي أشخاص يفهمون الثقافة واللغة وممارسات الشركات في الأسواق الناشئة. وبالفعل فإنّ المصرف الذي يتمتع بسمعة النمو والقدرة على تقديم مهمات دولية سيتمكن من استقطاب أفضل المهارات في الأسواق المحلية أيضاً.
- التشريعات: على المصارف التي تهدف الى التوسع في الخارج فهم نظم التشريعات والقوانين التي تضعها الهيئات المحلية الناظمة للقطاع وتطوير العلاقات مع هذه الهيئات، واكتساب معرفة مفصّلة للتشريعات والقوانين المحلية. ويشار إلى أنّ المصارف التي توسعت في الخارج قبل ثلاثة أو أربعة عقود لم تواجه مستوى الرقابة التنظيمية التي تواجهها المصارف اليوم.