
أوضح تقرير اقتصادي متخصص لـ"الوطني" أن تزايد إنتاج النفط والغاز، وارتفاع أسعار الطاقة، وتطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاحات الهيكلية على نطاق واسع، يساهم في تعزيز آفاق النمو الاقتصادي العماني. وتشير التقديرات إلى تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3.0 % في عام 2021 إلى حوالي 4.0 % في المتوسط خلال عامي 2022-2023 (الرسم البياني 1).
وعلى صعيد قطاع الطاقة، فمن المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الخام بنسبة 14 % إلى نحو 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2022 (0.97 مليون برميل يومياً في عام 2021)، فيما يعد أعلى مستويات الإنتاج منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك في ظل قيام السلطنة هذا العام بالتعاون مع أعضاء الأوبك وحلفائها الآخرين بتقليص تخفيضات الإنتاج التي تم تطبيقها أثناء الجائحة. كما تزايد إنتاج الغاز الطبيعي بدعم من انتاج المشروع التابع لشركة بي بي عمان (المربع 61) (إذ ارتفع الإنتاج بمقدار 0.5 مليار قدم مكعب يومياً ليصل إلى 1.5 مليار قدم مكعب يومياً) هذا إلى جانب مشروع حقل مبروك بوسط عمان. ومن المقرر أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الهيدروكربون بنسبة 8.6 %.
من جهة أخرى، بدأ نشاط القطاع غير النفطي في التحسن ومن المتوقع أن ينمو في المتوسط بنسبة 3 % تقريباً في عامي 2022-2023 بدعم من الإصلاحات الهيكلية التي تطبقها الحكومة ومبادرات التنويع وفقاً للخطة الخمسية الجديدة (2021-2025)، ضمن استراتيجية رؤية 2040. وتهدف الخطة إلى تعزيز مرونة سوق العمل والتوظيف في القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار. وحدد جهاز الاستثمار العماني قطاعات السياحة واللوجستيات والتصنيع والنقل والزراعة والصناعات عالية التقنية (مع التركيز بصفة خاصة على التكنولوجيا الخضراء صديقة البيئة) باعتبارها قطاعات مهيأة لاستقبال الاستثمارات. إضافة لذلك، قامت بورصة مسقط مؤخراً برفع نسبة تملك الأجانب إلى 100 %. وتستهدف السلطات وصول معدل نمو القطاع غير النفطي إلى 2.5 % سنويا على المدى الطويل، مع رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 61 % إلى 90 % بحلول عام 2040.
عوامل العرض والطلب تدفع التضخم للارتفاع
ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 1.5 %، على أساس سنوي، في عام 2021، والتي ما زالت تعتبر منخفضة، إلا انها نمت بأسرع وتيرة تشهدها منذ عام 2017، في ظل انتعاش الطلب المحلي، وقيود سلاسل التوريد، وضريبة القيمة المضافة، والتي تم فرضها في أبريل 2021 بنسبة 5 %. وقد تتسارع وتيرة التضخم في عام 2022 لتصل إلى 3.0 % على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع العالمية، فضلاً عن قوة الاستهلاك المحلي.
الميزانية تتحول إلى تسجيل فائض في عام 2022تحسنت أوضاع المالية العامة بفضل ارتفاع عائدات النفط والغاز وكذلك الإيرادات غير النفطية، كضريبة القيمة المضافة. وبعد تقدير وصول العجز المالي العام الماضي إلى 5 % من الناتج المحلي الإجمالي (متراجعاً من 15.5 % في عام 2020)، نتوقع أن تحقق السلطنة أول فائض مالي منذ عام 2008 هذا العام بنسبة 8.4 % من الناتج المحلي الإجمالي. وتم تسجيل فائض تراكمي قدره 927 مليون دولار بنهاية الربع الأول من عام 2022، في تحسن ملحوظ مقارنة بالعجز البالغ 2.0 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي. وعلى الرغم من ارتفاع النفقات بنسبة 3.8 % على أساس سنوي، منذ بداية العام الحالي حتى الآن، نتوقع أن تقوم السلطات بضبط النفقات في محاولة منها للوصول إلى مستوى النفقات المسجلة في عام 2021 (على الرغم من أنه يتضمن زيادة مخصصات موازنة 2022 بقيمة 12.1 مليار ريال). وحددت موازنة 2022 زيادة بنسبة 20 % في الإنفاق الاستثماري إلى 1.1 مليار ريال (2.9 مليار دولار)، وسيتم تخصيص بعضها لمشاريع بارزة مثل مدينة يتي المستدامة ومشروع الواجهة البحرية لميناء السلطان قابوس بولاية مطرح. وتعتزم السلطات توجيه أية فوائض مالية لخفض مستويات الدين العام إلى أقل من 50 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2023 (من 80 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020).
كما تلقت الحكومة مؤخراً أول رفع لتصنيفها الائتماني السيادي منذ 11 عام، من وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد أند بورز، مما يشير إلى تحسن أوضاع المالية العامة والاقتصاد الكلي. وتعتبر تلك خطوة جيدة بالنسبة لقدرة السلطنة على الاقتراض، وهناك أنباء بالفعل عن قيام الحكومة بجمع 4 مليار دولار من أدوات الدين من مقرضين إقليميين ودوليين في أبريل لاستخدامها في تمويل وإعادة تمويل الديون السيادية. كما تتوقع وزارة المالية سداد قروض بقيمة 2.9 مليار ريال (7.4 مليار دولار) بنهاية أبريل 2022 كجزء من استراتيجيتها لإدارة الدين العام.
تحسن الاحتياطيات الأجنبية والحساب الجاري
من المقرر أن يستفيد الوضع الخارجي من تحسن شروط التجارة، الأمر الذي أصبح ممكناً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والانتقال من عجز مسجل في الحساب الجاري بنسبة 2.8 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى فائض متوقع بنسبة 9.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. كما يتوقع مواصلة الحساب الخارجي تسجيل فائض على المدى المتوسط. وسوف يساهم ذلك في تعزيز قدرة عمان على إعادة بناء احتياطاتها من النقد الأجنبي، والتي بلغت نحو 20 مليار دولار (19 % من الناتج المحلي الإجمالي) كما في فبراير 2022، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة في 5 سنوات تقريباً.
آفاق النمو الاقتصادي تبدو مشجعة رغم المخاطر
تبدو آفاق النمو الاقتصادي مشجعة بفضل ارتفاع أسعار الطاقة، وخاصة في ظل مضي عمان في تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الطموح. إلا انه على الرغم من ذلك، هناك بعض المخاطر التي تحيط بالتوقعات. وقد يؤدي التحسن الذي شهدته أوضاع المالية العامة مؤخراً إلى إبطاء وتيرة الإصلاحات، مما يتسبب في ظهور بعض جوانب الضعف إذا تراجعت أسعار النفط. وسوف يتطلب الأمر أيضاً قيام السلطات ببعض الجهود لمحاولة تحسين مرونة سوق العمل وتشجيع توظيف المواطنين في القطاع الخاص (إذ يفوق عدد الموظفين من الوافدين عدد المواطنين في سوق العمل بمعدل خمسة إلى واحد). وكما هو الحال مع مصدري النفط والغاز الآخرين، ما يزال الاقتصاد العماني مرتبطاً بأسعار الطاقة المتقلبة، ويتطلب الأمر ضرورة توسع لدور القطاع الخاص من خلال تطبيق برامج الإصلاح وزيادة الاستثمار. كما أن تزايد الضغوط التضخمية - التي قد تضغط على دخل المستهلك وترفع تكاليف أنشطة الأعمال – وإمكانية قيام البنك المركزي العماني بتشديد السياسات النقدية تعتبر أيضاً من الرياح المعاكسة التي قد يتعرض لها الاقتصاد العماني ويتعين التعامل معها.