
أطلقت وزارة المالية دورة الميزانية العامة للاتحاد للأعوام 2027–2029، في خطوة جديدة ضمن مسيرة التطوير المستمر للمنظومة المالية الحكومية في الدولة، بما يعزز الاستدامة المالية ويواكب توجهات القيادة الرشيدة نحو مستقبل أكثر مرونة وابتكاراً، لتشكّل هذه الدورة امتداداً لتطور الميزانية العامة من مجرد أداة تخطيط سنوية إلى أداة استراتيجية متقدمة تُسهِم في تمكين الجهات الاتحادية من تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية.
جاء ذلك بالتزامن مع إطلاق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، دورة التخطيط الاستراتيجي الجديدة للحكومة الاتحادية «نحو تحقيق رؤية نحن الإمارات 2031»، بما يعكس التزام الحكومة بتكامل الجهود وتعزيز التنسيق لتحقيق مستهدفات الدولة المستقبلية.
وأكد سموّ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، أن دورة الميزانية 2027–2029 تمثّل ركيزةً أساسيةً في مسيرة تطوير المالية العامة للدولة، ضمن نهج حكومي يرتكز على الاستباقية والمرونة والتكامل بين السياسات.
وأشار سموّه إلى أن وزارة المالية تعمل على إعادة صياغة دور الميزانية من كونها إطاراً لتخصيص الموارد، إلى محرك لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، بما في ذلك تعزيز التنافسية العالمية، وتسريع التحوّل الرقمي، وترسيخ مكانة الدولة كمركز مالي عالمي متقدم.
وأضاف: «إن تحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071 يتطلّب منظومة مالية قادرة على مواكبة المتغيرات المتسارعة إقليمياً ودولياً، وتوجيه الإنفاق الحكومي نحو فرص المستقبل. ولذلك، فإن الوزارة تستثمر في أدوات ذكية، ونماذج تحليلية متقدمة، تدمج بين الكفاءة المالية وجودة الأثر، وتدعم بناء قرارات قائمة على البيانات، ومبنية على أولويات الدولة التنموية والاقتصادية والمجتمعية... رؤيتنا أن تكون الميزانية الاتحادية أداةً استراتيجيةً للجاهزية المستقبلية، تعزز استدامة النمو، وترتقي بالخدمات الحكومية إلى آفاق غير مسبوقة».
أولويات وطنية طموحة
ويأتي هذا الإطلاق بعد أربع دورات استراتيجية متتالية، بلغت خلالها الميزانية الإجمالية للاتحاد نحو 900 مليار درهم، وارتكزت على أولويات وطنية طموحة، كما نجحت الوزارة خلال هذه الفترة في إرساء قواعد راسخة للحوكمة المالية، من خلال تعزيز البنية التشريعية والتنظيمية، وتوسيع الشراكات الدولية، وتطوير أنظمة مالية رقمية متقدمة، والمحافظة على مستويات مستقرة للدين العام المحلي الذي بلغ 62.1 مليار درهم فقط بنهاية يونيو 2025، إلى جانب نمو أصول الحكومة الاتحادية لتصل إلى نحو 464.4 مليار درهم بنهاية عام 2024، في دلالة واضحة على قوة الوضع المالي للدولة.
وتضع دورة الميزانية 2027–2029 في مقدمة أولوياتها القطاعات التي تمس حياة المواطنين والمقيمين بشكل مباشر، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والمنافع الاجتماعية، والخدمات الحكومية الأساسية المرتبطة بها، وتعكس هذه الدورة، رؤية متجددة ترتكز على تمكين الجهات الحكومية من تقديم خدمات عالية الجودة بكفاءة ومرونة.
ويُعد تعزيز الاستثمار في هذه القطاعات الحيوية خطوة جوهرية في مسيرة التنمية الوطنية المستدامة، ودعماً رئيسياً لتحقيق مستهدفات «مئوية الإمارات 2071»، إذ تواكب الدورة الجديدة تطلعات المجتمع وتوجهات الدولة من خلال توجيه الموارد بما يحقق أقصى أثر تنموي واجتماعي واقتصادي، مدعومة بأدوات رقمية وذكاء اصطناعي يعززان دقة التخطيط وسرعة الإنجاز وجودة الخدمات.
رفع الكفاءة المؤسسية
بدوره، أكد معالي محمد بن هادي الحسيني، وزير دولة للشؤون المالية، أن دورة الميزانية 2027–2029 تنطلق من قاعدة راسخة من الإنجازات المالية، وبرؤية أكثر مرونة ترتكز على التمكين الحكومي والتكامل بين الاستراتيجية ومؤشرات الأداء، وتُسخّر الذكاء الاصطناعي كأداة فاعلة لدعم التنمية المستدامة، موضحاً أن الوزارة تعمل على تحويل الميزانية من مجرد أداة مالية إلى أداة استراتيجية مرنة، تُمكّن الجهات الحكومية من رفع كفاءتها، وتعزز جودة الأداء الحكومي، وتدعم تحقيق رؤية «مئوية الإمارات 2071».
وأضاف معاليه: «إن التحولات النوعية التي شهدتها الوزارة في السنوات الأخيرة لم تقتصر على الجانب التشريعي والرقمي، بل شملت إعادة تصميم شاملة لتجربة إعداد الميزانية، تمثلت في تقليص خطوات الإعداد من 50 إلى 10 خطوات فقط، واختصار دورات الشراء الحكومية من 60 يوماً إلى أقل من 6 دقائق، ما يشكل قفزةً حقيقيةً في تسريع الأداء ورفع الكفاءة المؤسسية. إن وزارة المالية لم تعد جهة إشرافية فحسب، بل أصبحت جهة مُمكِّنة، تسهم في تعزيز جاهزية الجهات الاتحادية وتمكينها من أداء دورها بكفاءة وابتكار، ضمن منظومة رقمية متكاملة، تضع رضا المتعامل وجودة الإنجاز في مقدمة الأولويات».
رؤية استشرافية
تمثل دورة الميزانية الجديدة للاتحاد 2027–2029 نقلة نوعية نحو إدارة مالية ذكية، حيث تعتمد على أدوات حديثة ومنهجيات استباقية، تقوم على التكامل بين الأداء والنتائج، وتُسخّر تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم اتخاذ القرار وتخصيص الموارد بدقة أعلى، فقد أصبح التخطيط المالي اليوم أكثر من مجرد تقديرات رقمية، بل منظومة ذكية تقدم سيناريوهات تنبؤيه، ما يسهم في تسريع الإنجاز وتكامل العمليات، ويُمكِّن من الوصول إلى بيانات دقيقة وموحّدة ويدعم سرعة وكفاءة اتخاذ القرار المالي.
وبهذا التوجه، تصبح الميزانية أداة تمكينية تدعم الكفاءة التشغيلية، وتعزز الاستدامة المالية، وترسّخ مكانة دولة الإمارات كنموذج عالمي في تطوير المالية العامة.