
ولد عبد الحليم علي شبانة في قرية الحلوات التابعة لمركز الابراهيمية محافظة الشرقية وهو الابن الاصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعلية. توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة. كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمر حياته، ولقد قال مرة أنا ابن القدر، وقد أجرى خلال حياته واحدى وستين عملية جراحية وهو الابن الرابع وأكبر اخوته هو إسماعيل شبانه الذي كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية، التحق بعدما نضج قليلا في كتاب الشيخ أحمد؛ ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته. ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به.
التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948 ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا على آله الأبواه عام 1950.
تقابل مع صديق ورفيق العمر الأستاذ مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر. اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه «حافظ» بدلا من شبانة.
وفقاً لبعض المصادر فإن عبد الحليم أُجيز في الإذاعة بعد أن قدم قصيدة «لقاء» كلمات صلاح عبد الصبور، ولحن كمال الطويل عام 1951، في حين ترى مصادر أخرى أن إجازته كانت في عام 1952 بعد أن قدم أغنية «يا حلو يا اسمر» كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي، وعموماً فإن هناك اتفاقاً أنه غنى (صافيني مرة) كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي في أغسطس عام 1952 ورفضتها الجماهير من أول وهلة حيث لم يكن الناس على استعداد لتلقى هذا النوع من الغناء الجديد.
ولكنه أعاد غناء «صافيني مرة» في يونيو عام 1953، يوم إعلان الجمهورية، وحققت نجاحاً كبيراً، ثم قدم أغنية «على قد الشوق» كلمات محمد علي أحمد، وألحان كمال الطويل في يوليو عام 1954، وحققت نجاحاً ساحقاً، ثم أعاد تقديمها في فيلم «لحن الوفاء» عام 1955، ومع تعاظم نجاحه لُقب بالعندليب الأسمر.
فترة البدايات
هذه الفترة من إجازته في الإذاعة عام 1951 بعد تقديمه قصيدة «لقاء» من كلمات صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل، حتى بدء تصويره أول أفلامه «لحن الوفاء» عام 1955، ولم تكن أعراض مرض البلهارسيا قد تفاقمت لديه.
نلاحظ في هذه الفترة أن عدد كبيراً من الأغاني تحوي نبرة من التفاؤل مثل: «ذلك عيد الندى»، «أقبل الصباح»، «مركب الأحلام»، «في سكون الليل»، «فرحتنا يا هنانا»، «العيون بتناجيك»، «غني..غني»، «الليل أنوار وسمر»، «نسيم الفجرية»، «ريح دمعك»،»اصحى وقوم»، «الدنيا كلها».
كما تتحدث بعض هذه الأغاني عن الطبيعة الجميلة، مثل: «الأصيل الذهبي»، «هل الربيع»، «الأصيل». كما تتناول بعض الأغاني العاطفية ذكر الطبيعة الجميلة في إطار عشق الإنسان لكل ما هو جميل مثل «ربما»، «في سكون الليل»، «القرنفل»، «حبيبي ف عنيه»، «صحبة الورد»، «ربيع شاعر»، «الجدول»، «إنت إلهام جديد» « «هنا روض غرامنا»، «فات الربيع».
لكن مع تفاقم مرض البلهارسيا لديه بدءاً من عام 1956، نلاحظ أن نبرة التفاؤل بدأت تختفي من أغانيه تدريجياً، وتحل محلها نبرة الحزن في أغانيه.
عبد الحليم حافظ .. هل هو سعودي الأصل ؟
وقد تبدو مفاجأة حقيقية أن يقول أحد، ومن عائلة شبانة، أن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ سعودي الأصل. مفاجأة قد يرفضها بحسم الملايين من عشاقه في مصر، خاصة عندما تقفز إلى أذهانهم عشرات الأغاني الوطنية الصادقة التي ارتبطت باسمه وأرخت لعهد كامل شهد تغيرات سياسية واجتماعية وأحداثا عسكرية خطيرة.
التحقيق في أصل العندليب الأسمر الذي نشرته مجلة «روز اليوسف» المصرية بدأ عند حوار طويل مع الشاعر السعودي البارز سعود شربتلي، نشرته مجلة خليجية حكى فيه شربتلي ذكرياته مع نجوم الغناء والموسيقى في العالم العربي، وبينهم عبدالحليم حافظ، الذي التقاه سعود لأول مرة في صيف عام 1964 وكان يومها طالبا، وسافر إلى بيروت لقضاء إجازته الصيفية، وعلى أحد كافيهات بيروت كان عبدالحليم حافظ جالساً على إحدى طاولاتها، التفت سعود فرآه، ولم يصدق نفسه عندما اندفع إليه مرحباً وطالباً التقاط صورة تذكارية، مازال سعود يحتفظ بها مفتخراً.
تكرر اللقاء بين سعود وعبدالحليم في لندن، بعدها بعامين، وكان اللقاء أكثر حميمية هذه المرة، ومنحه حليم ساعات في سهرة امتدت حتى تباشير الصباح، حكى فيها حليم كثيراً، احتفظ منها سعود شربتلي بهذا الاعتراف الذي باح به العندليب في تلك الأمسية اللندنية الباردة بكلمات لا تقبل التأويل. فقد قال له حليم إنه «يعشق الغناء السعودي والإيقاعات السعودية، ويميل ذوقه إلى طلال مداح أكثر من محمد عبده، لأن طلال يغني من قلبه وبإحساس أكبر». وربما يعود إعجابه وعشقه للغناء السعودي إلى أنه - أي حليم - سعودي الأصل، وتمتد جذور أسرته إلى الجزيرة العربية.
في ثنايا كلماته وبين سطورها فرح حقيقي يطل من صوت سعود شربتلي وهو يزف إلى مواطنيه هذا الاعتراف على لسان العندليب، وكأنه يقول إن لهم نصيبا في صوته وموهبته ونجاحه الأسطوري.
عائلة العندليب تُقر بأن أصلها سعودي
المدهش أن المتحدث الرسمي باسم عائلة العندليب محمد شبانة أقر بهذا مبتسماً، وقال: «فعلاً.. ده صحيح.. عائلة شبانة أصلها سعودي.. وإن شئت الدقة من منطقة نجد والحجاز قبل تأسيس المملكة السعودية».
ثم أضاف: «الشبانية إحدى بطون قبيلة بني تميم، وهي قبيلة يرجع نسبها إلى الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء، أي أنهم من آل البيت النبوي الشريف ومن السلالة الحسينية الطاهرة، ومن نجد هاجر الشبانية إلى بلاد عربية عدة بينها مصر والبحرين والكويت، وفي مصر تفرقوا بين عدد من المحافظات أهمها الشرقية والمنوفية والدقهلية وسوهاج، والعائلة الشبانية مسجلة في نقابة الأشراف برقم 92 ع، ولدى شيوخ العائلة وثائق وشجر أنساب محفوظة منذ سنين طويلة تثبت نسبهم إلى البيت النبوي الكريم».
وأكد محمد شبانة أن عبدالحليم كان يعرف أن جذور عائلته تمتد إلى نجد بالسعودية، وإلى آل البيت، ويستطرد: «لكنها كانت مجرد معلومة لم يتوقف عندها كثيراً، لأن عمي كان معتزاً بمصريته إلى المنتهى. كان يعيشها بدمه. لكن هذا لم يمنع أن يرتبط بصداقات إنسانية طويلة وعميقة مع أمراء من الأسرة المالكة في السعودية، بينهم خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومازلت أحتفظ ببرقيات كان يرسلها إلى عمى يطمئن فيها على صحته. وكان من أقرب أمراء الأسرة المالكة إلى قلبه عبدالمجيد وبدر وعبدالله. كان يتعامل معهم بلا ألقاب ولا رسميات، وكان يرد هداياهم بأحسن منها».
ويشير شبانة أنه وحتى عندما أراد حليم أن يؤدي العمرة، فإنه سافر علي نفقته الشخصية، كان ذلك في عام 1976 وقبل أيام من سفره إلى لندن للعلاج، وهي السفرية الأخيرة له، حيث مات في عاصمة الضباب.
ويضيف: «المدهش أن حليم عندما سافر لأداء العمرة تصادف أن كان موسم غسل الكعبة المشرفة، فوجد نفسه مشاركاً في هذا العمل العظيم، وأتيح له أن يدخل الكعبة، وأن يصلي في أركانها الأربعة، ولما عاد كان في منتهى السعادة، وقال بفرح: أنا شفت حاجات حلوة بعد ما صليت في الكعبة، بس مش هقدر أحكي لكم عنها».
لم نسمع بأن أصله سعودي
ومن زاوية أخرى، قال مفيد فوزي، أحد أشهر رفاق حليم، وأحد أهم من أرخوا لسيرته وكتبوا عن تفاصيل تفاصيل حياته، قال: لم أسمع عبدالحليم يوماً يتحدث في هذا الموضوع (أصله السعودي). أنا نفسي لم أسمع به من قبل. ربما كان الأمر صحيحاً لأن سكان محافظة الشرقية بالذات أغلبهم لهم جذور عربية نتيجة هجرة قبائل من الجزيرة العربية، جاءت واستوطنت في محافظة الشرقية بالذات، ولكن الأمر يحتاج إلى تدقيق تاريخي.
ويضيف: «أما الذي لا يحتاج إلى دليل ولا تدقيق فهو أن حليم عندي شاب مصري منقوع في المصرية، ولد في أعماق ريف مصر، وحمل كل صفات ومواصفات الفلاح المصري، بما في ذلك دودة البلهارسيا، وظل طوال حياته مرتبطاً بأهله وقريته وبناسه في الحلوات شرقية».
وبمناسبة الحلوات - يكمل مفيد فوزي - أذكر أن أحد محافظي الشرقية عندما علم أن عبدالحليم يجهز لبناء مقبرة له، طلب منه أن تكون تلك المقبرة في الحلوات بجوار البيت الذي ولد فيه، لكن عبدالحليم كان بعيد النظر، ولم يشأ أن يعذب معجبيه إذا أرادوا أن يزوروا مقبرته بعد رحيله، ويضطرهم لقطع مسافة طويلة إلى بلدته، فاختار أن تكون مقبرته في البساتين في قلب القاهرة، ليوفر على محبيه مشقة السفر.
ويقول أخيراً: «وأذكر أنه كان يزور تلك المقبرة بين حين وآخر، ليطمئن على بيته الأخير».
من جهت قال فاروق إبراهيم، مصور حليم الخاص، وواحد من أقرب خلصائه عاش معه، وسافر واقترب وسمع وعرف.. وتعامل معه العندليب كأنه واحد من أهل بيته.، عندما سُئل عن أنه إذا كان أصل العندليب سعودياً، أجاب بضحكة عالية ثم قال بجدية: «عمري ما سمعت الكلام ده من عبدالحليم، ولو ده صحيح فهو أمر غريب. لقد عاش حليم 49 سنة ومات من 37 سنة فلماذا تظهر هذه المعلومة الآن؟.
لماذا لم يظهر هذا الكلام في حياته؟ وأنا كنت قريباً منه ويحكي لي ما لا يخطر على بال.. فلماذا نسي أن يذكرنا بأصله السعودي؟».
ويضيف: «وأنا أعرف شخصيات سعودية مهمة كانوا قريبين من حليم ويسهرون معه بصفة دائمة وعلى اتصال به لا ينقطع. عمر ما أحد فيهم أشار إلى هذه المعلومة التي تخص الأصل السعودي لحليم، وعبدالحليم نفسه لم يذكرها أبداً، مع أنه فخر لأي إنسان أن تكون جذوره من نجد والحجاز، الأرض المباركة التي يقدسها المصريون».
استمرار التألق
تعاون مع الملحن العبقري محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي، كما أنه له أغاني شهيرة من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مثل: (أهواك، نبتدي منين الحكاية، فاتت جنبنا)، ثم أكمل الثنائي (حليم - بليغ) بالاشتراك مع الشاعر المصري المعروف محمد حمزة أفضل الأغاني العربية من أبرزها:زي الهوا، سواح، حاول تفتكرني، أي دمعة حزن لا، موعود وغيرها من الأغاني.
وقد غنى للشاعر الكبير نزار قباني أغنية قارئة الفنجان ورسالة من تحت الماء والتي لحنها الموسيقار محمد الموجي.
بعد حرب 1967 غنى في حفلته التاريخية أمام 8 آلاف شخص في قاعة ألبرت هول في لندن لصالح المجهود الحربى لإزالة آثار العدوان. وقد قدم عبد الحليم في هذا الحفل أغنية المسيح; كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي، وغنى في نفس الحفل أغنية عدى النهار، وهي أيضاً للأبنودي وبليغ، وهي واحدة من أبرز أغاني حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل.
قصة «لا»
كان عبد الحليم يحلم بتقديم قصة «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين على شاشة السينما ورشح نجلاء فتحي لبطولتها ولكن القدر لم يمهله. قدم 3 برامج غنائية هي: «فتاة النيل» للشاعر أحمد مخيمر وألحان محمد الموجي وإخراج كامل يوسف و«معروف الاسكافي» للشاعر إبراهيم رجب وألحان عبد الحليم علي وإخراج عثمان أباظة، «وفاء» للشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد وإخراج إسماعيل عبد المجيد.
رآي ليلى العمروسي.
أما ليلى العمروسي، زوجة الصديق المقرّب من عبد الحليم الراحل مجدي العمروسي، والتي تعرف الكثير عن أسراره من خلال زوجها فقالت عن حبيبة حليم: «لم ألتقها، وعندما كنت أسأل مجدي عنها كان يقول لي: إنها صاحبة أجمل عيون شاهدها في حياته، وقد حكى لي العمروسي اللقاء الأول الذي جمعها بعبد الحليم، وكان ذلك داخل مصعد عمارة «سيدي بشر» بالإسكندرية؛ التي كان عبد الحليم يمتلك شقة فيها، وعندما شاهدها وقع في غرامها، ومن شدة إعجابه بها سار خلفها بسيارته حتى «الشاليه» الخاص بعائلتها والذي كان قريباً من «شاليه» الأديب الراحل إحسان عبد القدوس». وعن الأسرار الخاصة التي كان يعرفها مجدي العمروسي حول هذه العلاقة قالت ليلى: لم يكن مجدي يحكي لي أشياء خاصة عن حياة عبد الحليم، وكان كتوماً إلى أقصى درجة، وعندما كنت أسأله حول علاقته بهذه السيدة كان يرفض الإجابة ويقول لي: ليس من حقك معرفة أي شيء حول هذه العلاقة. تضيف ليلى العمروسي أن الكاتب الراحل مصطفى أمين ذكر أنه حضر إحدى حفلات عبد الحليم التي كان يغني فيها أغنية «بتلوموني ليه»، ولاحظ مصطفى أمين أن عبد الحليم طوال الأغنية كان ينظر إلى اتجاه معيّن، فنظر إلى الاتجاه نفسه الذي كان ينظر إليه عبد الحليم، فوجد سيدة جميلة صاحبة عينين لم يشاهد بجمالهما من قبل، فعرف أنها هي حبيبة عبد الحليم