يبلغ عدد السكان في دولة إندونيسيا نحو 210 ملايين نسمة، يشكل المسلمون منهم النسبة الأكبر في هذا البلد، إذ تصل نسبتهم إلى 89 في المئة من مجموع السكان.
والحديث عن رمضان في تلك البلاد يبدأ من التماس هلال رمضان، والخبر يقول: إن القليل من الناس يخرج طلبًا لالتماس الهلال، بل يكتفي أغلب الناس هناك بخبر وسائل الإعلام، والبعض قد يتبع في ذلك ما تثبته المملكة العربية السعودية، فيصوم مع صيامها ويفطر مع فطرها.
ونظرًا لسعة تلك البلاد وتعدد جزرها وانتشار رقعتها، فقد تختلف رؤية الهلال من مكان لآخر. وعلى العموم، فعندما تثبت رؤية هلال شهر رمضان يُعلن عن ذلك رسميًا بواسطة وزارة الشؤون الدينية، ويقوم الأفراد بقرع الطبول داخل المساجد حتى السحور، احتفالاً بقدوم الشهر المبارك. وتبدأ التهاني والمباركات وتعم الفرحة والبهجة الجميع، ويجسد تلك المظاهر عبارات تتدوالها الألسنة مثل: أهلاً يا رمضان ومرحبًا يا رمضان.
وعادات المسلمين في الإفطار في رمضان أن تجتمع جموعهم في المساجد قبل أذان المغرب لتناول طعام الإفطار، وتوضع الأطعمة على الأرض، بعد أن يتم نقلها من المنازل، ويجلس الجميع قبل الأذان للإفطار جنبًا إلى جنب، الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار، وبعد الإفطار يؤدي الجميع صلاة المغرب جماعة.
«أبهم» أشهر الاطعمة
ومن أشهر الأطعمة الرمضانية التي يفطر عليها مسلمو إندونيسيا طعام يسمى أبهم وهو عبارة عن نوع من الحلوى أشبه ما يكون بـ الكعك ويقدم التمر إلى جانبه. ومن المأكولات الرمضانية أيضًا الرز مع الخضروات والدجاج و اللحوم .
ومن أشهر أنواع الحلوى التي تقدم في هذا الشهر حلوى تسمى kolak - كولاك تقدم مع التمر.
نشاط دروس العلم
وتنشط دروس العلم الشرعي، وحلقات تلاوة القرآن من أول رمضان إلى آخره؛ فترى المساجد تزدحم بالمصلين وطلبة العلم الذين يتسابقون في حضور مجالس العلماء، وهم في أغلبهم من علماء إندونيسيا، الذين تلقوا علومهم الإسلامية في بعض الدول العربية، كما وتستضيف الدولة بعض أهل العلم من خارج إندونيسيا ليدلوا بدلوهم في هذا الموسم المبارك، ويُلحظ تواجد الدعاة بكثافة في تلك البقاع، حيث يتنقلون من مكان إلى آخر داعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
صلاة التراويح
وصلاة التراويح في إندونيسيا يصليها المسلمون ثماني ركعات في بعض المساجد، وفي بعضها الآخر تصلى عشرين ركعة؛ ولا تلتزم تلك المساجد في أغلبها ختم القرآن كاملاً، بل تقرأ في صلاة التراويح ما تيسر من القرآن؛ وقد تتخلل صلاة التراويح أحيانًا كلمة وعظ أو درس ديني.
ومن عادة أغلب المساجد أن تقرأ بعض الأذكار بين كل ركعتين من ركعات التراويح، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي على الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وتشارك النساء في صلاة التراويح، ويصلين من وراء ستائر خاصة بهن، موضوعة في مؤخرة المسجد.
وأغلب الناس يذهبون إلى بيوتهم بعد أداء صلاة التراويح، وعادة السهر ليست منتشرة بين مسلمي تلك البلاد إلا لدى القليل، إذ أغلب المسلمون هناك ينامون باكرًا، ويستيقظون على قرع طبلة المسحراتي الذي يجوب الشوارع والأزقة، وينتقل من منزل إلى آخر بطبلته وعصاه يوقظ الناس لتناول طعام السحور.
حفلات لذكرى نزول القرآن
وتقام في هذا الشهر الفضيل حفلات خاصة بذكرى نزول القرآن الكريم، يتم الترتيب لها في القصر الرئاسي للدولة، وتستمر هذه الحفلات طيلة الشهر الكريم. ويشارك التلفزيون الأندونيسي والإذاعة الرسميان في نقل إحياء ليالي هذا الشهر الفضيل.
صلح المتخاصمين «حلال بحلال»
ومن التقاليد المرعية في هذا البلد المسلم، أن المسلمين ينتهزون فرصة هذا الشهر المبارك ليتصالح المتخاصمون، ويتسامح المتهاجرون، ويتناسوا ما وقع بينهم من خلاف وشقاق، وتقام حفلات التصالح هذه عادة في المساجد، وتسمى عندهم حلال بحلال ويشرف على ترتيب المجالس التصالحية وجهاء الناس وعلماؤهم.
ومن عادات رمضان في إندونيسيا أن بعض المدارس تعطي الشهر كله إجازة للتفرغ للعبادة خلال الشهر، والبعض الآخر يقلل عدد الحصص اليومية، وكثير من المعاهد والمدارس الإسلامية تعقد برنامجًا خاصًا في رمضان يسمونه PESANTREN KILAT وهو عبارة عن أنشطة خاصة أثناء رمضان للتلاميذ، يتضمن إفطارات جماعية، وخواطر إيمانية، ومحاضرات ودروس وعبر من أحداث رمضان عبر التاريخ، ودروس خاصة للشباب المراهق وكيف يتعاملون مع الواقع العصري تجاه التحديات الكبرى، وهذا النشاط غالبًا ما يُقام في المدارس الثانوية، وكذلك الجامعات تقيم نشاطًا آخر على شكل مسابقات في الخطابة وكتابة المقال وتلاوة القرآن وحفظه وشرح معانيه والأناشيد الاسلامية وغير ذلك.
وأما العمل اليومي فتقل عدد ساعات العمل ويتأخر الناس في الذهاب ساعة ويعودون مبكرين عن الموعد الأصلي
انخفاض الجرائم
ومما يميز هذا الشهر أيضًا على مستوى المجتمع أن نسبة الجرائم تنقص، ومظاهر المعاصي تنحصر تمامًا لقداسة هذا الشهر، ومن ذلك أن أصحاب الملاهي والمراقص يغلقون أبوابها خلال الشهر الفضيل، والناس بفطرتهم يقبلون هذه المنحة الغالية وينتهزونها لإصلاح العلاقة بينهم وبين ربهم، وبينهم وبين الناس من حولهم، ومن عادات المسلمين هناك الاستعداد ببرنامج خاص لاستقبال رمضان من خلال المواعظ الدينية والمحاضرات عن شهر رمضان وفضله.
ليلة القدر
ويحتفل المسلمون الأندونيسيون بالعشر الأواخر من رمضان وهم يرون أن ليلة القدر في الليالي المفردة من العشر، لذلك نجدهم ينشطون ويجتهدون في العبادة والطاعة في هذه الليالي الفضيلة، والبعض منهم يلزمون الاعتكاف في المساجد فلا يخرجون منها؛ ابتغاء مرضات الله، وطلبًا لثوابه.
والمسلمون الأندونيسيون حريصون كل الحرص على الالتزام بتعاليم الإسلام، وتطبيق أحكامه، لأجل هذا فهم يسارعون في الخيرات، ويتسابقون في الطاعات، فيقيمون موائد الإفطار للفقراء والمساكين ويدعونهم إليها، ويحتفلون بهم كل الاحتفال، كما ويسارع الجميع لإخراج صدقة الفطر، بشكل فردي أو عن طريق تقديمها للجمعيات الخيرية، التي تتولى توزيعها على الفقراء والمساكين مواساة لهم، وقضاءً لحاجتهم، وإدخالاً للفرحة إلى قلوبهم.
ومع ما هو معروف عن هذا الشعب المسلم من تدين وتمسك بالإسلام، فإن ذلك لم يمنع من وجود بعض الممارسات والسلوكيات التي لا يليق بالمسلم القيام بها؛ فبعض الشباب هناك مثلاً يمضون كثيرًا من أوقاتهم في غير ما يقربهم إلى الله، بل إن هذا البعض قد يُخِلُّ بحرمة هذا الشهر بالإفطار، أو ترك الصلاة، أو إمضاء الوقت في اللهو واللعب. لكن مظاهر الإخلال هذه لا يرضى بها من يراها؛ بل ينكرها وينكر على فاعلها القيام بها. فالشعور الديني في تلك البلاد وخاصة في هذا الشهر هو الأقوى.
ليلة العيد
وفي ليلة العيد يخرج المسلمون في إندونسيا إلى الشوارع، يطوفون خلالها بسياراتهم أو على أرجلهم، وأصوات الجميع تهتف بالتكبير، ويرافق ذلك القرع على الطبول، والعزف على بعض الآلات الموسيقة؛ تعبيرًا عن فرحة العيد، وابتهاجًا بقدومه.