
استكمالا للحلقة الاولى من قصة اصحاب الفيل التي وصلنا فيها الي ان بعث أبرهة رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مصفود على مقدمة خيله، وأمر بالغارة، الآن اقترب من مكة، بعث أبرهة رجل يقال له الأسود بن مصفود على مقدمة خيله، وأمره بالغارة على نعم الناس، على إبلهم ومواشيهم، فجمع الأسود إليه أموال الحرم، وأصاب لعبد المطلب 200 بعير، غزوة جادة، تصدى لها رجلان مع قومها، فانتصر أبرهة، وأخذ الملكين أسرى معه، ثم أمر هذا الذي جاء به من الحبشة أن يأخذ أموال أهل مكة، فأخذ لعبد المطلب200 ناقة، كل أموال الحرم أصبحت بحوزة الأسود مصادرة لصالحه، ثم بعث أبرهة رجلاً من حميّر إلى أهل مكة، فقال: أبلغ شريفها أنني لم آتِ لقتال، بل جئت لأهدم البيت، مهمة محدودة، أنا جئت لأهدم البيت، فانطلق فقال هذا الرجل من حميّر هذه المقولة لعبد المطلب،
فقال عبد المطلب: سنخلي بينه وبين ما جاء له، ما هذا الكلام ؟ فإن هذا بيت الله، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وأن يخلي بينه وبين ذاك فو الله ما لنا به قوة، فإذا الله سمح للقوي فنحن ضعاف، فانطلق هذا الرسول إلى الملك فكان ذو نفر، الملك الأول الذي أسره كان صديقاً لعبد المطلب، فأتاه عبد المطلب، أتى صديقه ملك اليمن، قال: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل فينا ؟ يني عندك حل لمشكلتنا ؟ فقال: ما غناء رجل أسير ؟ لا يأمن يقتل بكرة أو عشية، أنا أسير، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، إنه لي صديق، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك، خطة، سائس الفيل مقرب من الملك، وهو صديق ذي نفر، قال له: سأجعل هذا السائس يعظم أمرك عند أبرهة، فأرسل إليه، فقال لأبرهة: إن هذا سيد قريش عبد المطلب، يستأذن عليك، يريد أن يقابلك، وقد جاء غير ناصب لك، ولا مخالف لأمرك، ليس عنده نوايا عدوانية، وأنا أحب أن تأذن له. الاستنباط الثاني: الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان: الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ }( سورة الأعراف الآية: 189 ).
موقف عبد المطلب
قال ابن إسحاق: كان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً، جميل كان، وقطعة كبيرة، جسيماً وسيماً، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه، الآن في موقف دقيق، طبعاً أبرهة جالس على سرير، قال: وكره أن يجلس معه على سريره، لأنه زعيم الأعداء، صعب، وكره أن يجلس معه على سريره، وكره أن يجلس عبد المطلب تحته على الأرض، فهبط أبرهة إلى البساط وجلس عليه، ودعاه فجلس معه، كان أبرهة ذكيا، وعبد المطلب زعيم مكة التقى بأبرهة، فسأله أن يرد عليه 200 البعير التي أصابها من ماله، قال أبرهة لترجمانه قل له: إنك كنت أعجبتني حينما رأيتك، جسيما وسيما، ولقد زهدت فيك الآن، قال: لمَ ؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك، ودين آباءك وشرفك وعصمتك لأهدمه فلم تكلمنِي فيه، بل كلمتني في 200 البعير. لا أقول لكم: قلدوا هذا الإنسان، هذا تاريخ، هذا الذي قاله، لكنه قال: أنا رب الإبل، أنا صاحبها، وللبيت رب يحميه، لا تخافوا، أنا رب الإبل، أسأل عنها، وللبيت رب يحميه. قال له: أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمنعه مني
قال له عبد المطلب: أنت وذاك، قال له أبرهة: ما كان ليمنعه مني، يعني لا يستطيع، قال له: أنت وذاك، فأمر أبرهة بإبل عبد المطلب فردت له، هذا الذي وقع، ثم خرج عبد المطلب، وأخرج جيشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في شعاب مكة، ويتحرزوا في رؤوس الجبال خوفاً عليهم من معرة الجيش، ففعلوا، وأتى عبد المطلب البيت، فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:
يا رب لا أرجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك
إن عدو البيت من عـاداك فامنعنهم أن يخربوا قراك
وقال: اللهم إن المرء يحمي رحله وحلالــه فامنع حلالك جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبــــوا عيالك إن كنــت تاركهم وكعبتنا فأمر بـــــدا لـك ثم توجه أبرهة في بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح، توجه أبرهة إلى مكة، وأصبح أبرهة بالمغمس، قد تهيأ للدخول، وعبأ جيشه، وهيأ فيله، فأقبل نفيل إلى الفيل فأخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، اسمُ الفيل محمود، هكذا تروي الروايات، فإنك في بلد الله الحرام.
بروك الفيل
هذا الفيل برك، بعثوه فأبى، لعله أفقه منهم، فوجهوه إلى اليمن فهرول، وجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، وجهوه إلى المشرق ففعل ذلك، صرفوه إلى الحرم فبرك، شيء مؤسف جداً أن تكون البهائم غير المكلفة أقرب إلى الله من هذا المخلوق المكرّم الذي هو الإنسان، تدخُّل العناية الربانية وهلاك أبرهة وجنده: {فأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أبَابِيلَ} وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل، الآن تدخل الله، فأرسل الله طيراً من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجرين في رجليه، وحجراً في منقاره، فلما غشيت القوم لما وصلت إليهم وطارت فوقهم، أرسلتها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك.{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}( سورة الفيل).والطير الأبابيل من ضعاف الطير.{تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}(سورة الفيل). أيْ سجّل على حجر اسم الذي ستميته.{بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}( سورة الفيل). وليس كل القوم أصابت، فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعل هذا الداء، أو سبب هذا الداء تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ.