ما زلنا مع القرآن الكريم في درس آخر في دروسه العظيمة، ومع مخلوقٍ قلَّما نذكره إلا في مواطن السبِّ أو الاستهزاء. إنه الكلب، ولكن أي كلب.
إنه كلب أهل الكهف، والذي لم يحظ حيوان من جنسه بما حظي به من ذكرٍ واهتمام وتقدير في القرآن الكريم! بل إنني أكاد أقول بأنه قد حظي بما لم يحظ به الكثير من البشر أنفسهم من ذكر ومنزلة واهتمام.
وبينما تم ذكر أصحاب الكهف دون تحديدٍ ولا توصيفٍ ولا تعريف، لا في الأسماء ولا في العدد، فإن الوحيد الذي حُدِّد وعُرِّف وذُكر بوضوح وبتكرار هو الكلب الذي صحبهم.
تأمل قول الله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18]، وقوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا }[الكهف: 22].
لعلك ترى معي أن الشيء الوحيد المعرَّف والثابت والمستقر والمتكرر في أعضاء الفريق هو الكلب، ولعل ذلك هو ما شدَّنا إلى مجموعة من الدروس والعبر المهمة، فهيا معًا نتلَّمسها.
مع نشاطه وحيويته نام أكثر مما نام كل كلاب الدنيا هو الكلب الوحيد الذي سيدخل الجنة إنه قطمير وقطمير هو اسم كلب أهل الكهف الذي نام ثلاثمائة وتسع سنين. أنا لا أعرف لماذا يسيء الناس إلى الكلاب وهي مخلوقات الله التي لو أراد أن يخلقها إناساً مثليومثلك لفعل ولكنها إرادته سبحانه وتعالى
ولد كلب حكايتنا قبل حوالي سبعةعشر قرن من الزمان في مدينة إسمها أفسوس
( وقد إختلفت الأقوال حول مكان وجودهذه المدينة فهناك من قال إنها تقع بالقرب من مدينة أزمير في تركيا حيث يوجد كهف قيل أنه كهف أهل الكهف والقول الآخر إنها تقع بالقرب من عمان عاصمة الأردن حيث أيضاً يوجد كهف تشابهت أوصافه مع أوصاف كهف أهل الكهف )
كان أهل مدينة أفسوس هذه من الإمعات وفاقدي الرأي وكان يحكمهم ملك طاغ من الرومان وكان اسمه ديقيانوس كان كافراً بالله ويضطهد المؤمنين ويوماً ما ادعى الألوهية وكان يدعو أهل مدينته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجيبه قتله نعم قطع رأسه
أي أن كلب حكايتنا ولد في مدينة كالجحيم ملك كافر وأهل مدينة فاقدي العقول فقد خرج اهل المدينة يوماً وهم يصيحون:
- إن عدد الكلاب في أفسوس قد زاد بشكل رهيب
- زاد إزعاجهم ونباحهم طوال الليل
- أصبحت تأكل من طعامنا
- وتعض أولادنا
- وتنجس معابدنا.
- يجب إعدامهاجميعاً نعم يجب القضاء عليها وتعالت الأصوات بنعم يجب القضاء على الكلاب
وبالفعل خرج الرجال شاهرين سيوفهم يجوبون الشوارع لقتل كل من يقابلهم من الكلاب ولإسكات النباح وارتفعت السيوف لتهوي على الكلب فتذبح الصرخة قبل انطلاقها
قال كلب حكايتنا: كنت صغيراً وقتها حين دخلوا المكان الذي كنت أسكنه مع أمي وكانت أمي قد أخفتني بين حجرين في هذا المكان ولما عادت وجدتهاتجري تجري وأناس يجرون وراءها شاهرين سيوفهم وهم يصيحون: أمسكوها أقتلوها لا تدعوها تهرب منكم أقتلوها .
وفجأة هوى سيف على ظهر أمي فانكفأت على الأرض متخبطة في دمها وهي تنبح نباحاً ضعيفاً قالت لي فيه: اختبئ جيداً إختبئ ياقطمير فقد جن أهل المدينة وخرجوا يقتلون الكلاب. إختبئ إختبئ وسقططت أمي ميتة من آلامها
ظل كلب حكايتنا مختبئاً في هذا المكان حتى هدأت ثورة أهل هذه المدينة على الكلاب شعر بعدها بجوع شديد فقد ماتت من كانت تطعمه ووجد أنه مضطر أن يعتمد على نفسه ويبحث عن طعامه إنتظر حتى قبل الغروب وخرج متلصصاً خشية أن يراه أحد ويقتله فهو لا يأمن لأهل هذه المدينة حتىوصل إلى مكان مجاور أخذ يشمشم لعله يجد ما يطعمه
وإذا به يلاحظ دخول رجل من الرعاة يلجأ بأغنامه إلى هذا المكان يترك الأغنام في ركن منها ويأخذ ركنا آخرويرفع يديه إلى السماءويصلي بعد أن أنهى الراعي صلاته شعر بوجود الكلب الصغير فابتسم له ومد يده إليه بقطعة من طعامه : خذ خذ لا تخف هذا رزقك من خالقكالعظيم الذي لا ينسى مخلوقاته.
اندهش الكلب من كلمات الراعي وحنان قلبه فأهل المدينة يقتلون الكلاب وهذا الرجل يعطف عليه ويعطيه من طعامه
إنه رجل مختلف عن أهل المدينة قال الكلب لنفسه إنه بالتأكيد رجل صالح ويؤمن بالله
قررالكلب“قطمير”لحظتها أن يتبع هذا الرجل ويحرسه وينبح له ويحمي غنمه وبالفعل ظل الكلب يتبع هذاالراعي أياماً وشهوراً حتى اكتمل نضجه .
وتمر الأيام والأيام ويوما ما حدثما لم في الحسبان فقد أطلق الملك أتباعه وجواسيسه في كل مكان من المدينة لمراقبة الناس وإخباره بمن يسجد لآلهته ومن لا يسجد وكان من حظ الراعي التعيس أن أحد أتباع الملك كان يراقبه في الخفاء جاء وأمسك بالراعي وأخذه إلى الملك
يامولاي إنني راقبت هذا الراعي ووجدته لا يسجد لآلهتك
هنا ثار الملك ورفع سيفه : أجننت أيها الرجل ألا تعرف أن هذه مملكتي وأنا الذي يحدد الإله الذي يُعبد فيها ومن لا يسجد للأصنام سيكون حد السيف هو جزاؤه وستقطع رقبته .
قال الراعي: اعذرني يا مولاي فلم أر آلهتك .
هذه آخر فرصة لك إنلم تسجد لآلهتي مرة أخرى ستكون هذه نهايتك.
أدرك الكلب أن الراعي في خطر شديد وازدادت قناعته بالخطر عندما حل الليل ووجد الراعي يتسلل من بيته في الظلام ومشىحتى وصل إلى جبل قريب والكلب يتبعه ويحرسه فجأة تقابل الراعي مع مجموعة منالرجال كانت وجوههم أشبه بوجوه الملوك أو الوزراء اقترب الكلب وأطرق أذنيه ليستمعإلى حديثهم فهم من الحديث أنهم مجموعة من وزراء الملك آمنوا بالله وتركوا كلمتاع الدنيا وهربوا خوفاً من بطش الملك سار بهم الراعي نحو كهف قال لهم إنهيعرفه جيداً واسمه الوصيد وأنهم يستطيعون الاختباء فيه من مطاردة الملك وأتباعه .
تبعهم الكلب في البداية خشي الرجال أن يفضحهم الكلب بنباحه فألقوا عليهبالحجارة ولكنهم وجدوا إصرارا غريباً من الكلب على تتبعهم مما جعلهم يدركون أن اللهربما قد أرسله لهم ليحرسهم من عدوهم .
ولما وصلوا إلى الكهف أمر الراعي الكلبأن يجلس على باب الكهف ليحرسهم وينبح إذا اقترب منهم أحد .
كانت هذه هي أولمهمة رسمية يكلفه بها صاحبه وأراد أن يثبت وفاءه .
بسط ذراعيه واتخذ وضعالحراسة .أغمض عيناً وفتح عيناً وهو يفكر كيف يثبت لهؤلاء المؤمنين أنه قادر علىحراستهم فجأة شعر الكلب أن النوم قد غلبه وجد عينه المفتوحة تنغلق من تلقاءنفسها تلاشت كل قدراته على اليقظة راح في نوم عميق.
استيقظ الكلب أول واحد وجد نفسه ميتاً من الجوع وجد شعره قد نما بشكل غير طبيعي ظن أول الأمر أنه ربما نام اسبوعاً أو اسبوعين نبح الكلب ليوقظ أصحابه فلمارآهم كاد أن يغمى عليه من الرعب فقد طالت لحاهم حتى طالت أقدامهم كان شعرهميسترسل وراء ظهورهم ويجرجر على الأرض كان الكلب يرتجف من الرعب لمنظرهم فكرفي الفرار منهم لكنه وجد رائحتهم كما هي لم تتغير نظر كل واحد منهم للآخر غيرمصدق لما يراه.. قال أحدهم ربما نمنا يوماً أو بعض يوم وقال آخر الله أعلم بمالبثنا شعروا بالجوع فقرروا أن يرسلوا أحدهم بنقودهم إلى المدينة ليشتري لهمطعاما وقع الإختيار على الراعي على أن يتنكر جيداً حتى لا يعرفه أهل المدينةفيقتلوهم أو يردوهم في دينهم خرج الكلب يتبع صاحبه وكانت المفاجأة فقدرأى مدينة غير التي يعرفها البيوت غير البيوت الخرائب تحولت إلى قصور والقصورتحولت إلى خرائب والناس غير الناس الذين يعرفهم والملابس غير التي كانيرتديها حتى اللغة تغيرت إلتف الناس حولهم قائلين في دهشة هذا سائح جديد انظروا إلى ملابسه ولحيته التي طالت الأرض .انظروا إلى كلبه هو الآخر وشعرهالطويل راحت الكلاب تنبح حولنا كأن ألف شيطان يطاردها وعندما دخلنا إلىالمطعم ليشتري صاحبي الطعام لم يكد البائع يرى عملة الراعي حتى صرخ عملة أثرية عملة أثرية من أين أتيت أيها الرجل بهذه العملة هل عثرت على كنز والتفالناس حولنا حتى وصل أمرنا إلى ملك تلك المدينة وكان مؤمناً فطلب إحضارنا.
من أنت ايها الرجل ومن أين أتيت .
فأخبره الراعي بالحكاية كاملة وجد الراعي الدهشة في النهاية على وجوه الجميع سألهم :سمعتم قصتي إخبروني كم لبثنا فيهذا الكهف وكانت الإجابة ثلاثمائة وتسع سنين أهلك الله عز وجل فيها ديقيانوس الملك وجميع أهل مملكته ذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون صار هؤلاءالمؤمنين آية للناس صار كلب حكايتنا قطمير صار آية من آيات الله عز وجل.
هذه حكاية كلب أهل الكهف الكلب الذي نام سنوات وسنوات واستيقظ وكأنما نامسويعات سويعات إنها قدرة الله تعالى الذي يحيي ويميت .