عانت «سعاد محمد حسني بابا» منذ الصغر؛ حيث نشأت في أسرة فقيرة، فلم تنل حظًّا من التعليم، كما سبب لها حادث سقوطها على السلم إصابة بالعمود الفقري، والذي عانت من آثاره طيلة حياتها! لم يكن النبوغ الفني غريبًا على أسرتها؛ فوالدها، وهو من أصل سوري يدعى «محمد حسني بابا» كان خطاطًا شهيرًا، ولقب بـ «حسني الخطاط» نتيجة لشهرته في ذلك الوقت.
جو أسري فني
بلغ عدد أشقائها ستة عشر أخًّا وأختا، تنوعت مواهبهم الفنية بين الغناء والتلحين والرسم والنحت، ومن بين هؤلاء الأخوة الفنانة الشهيرة «نجاة الصغيرة» والملحن «عز الدين»، فتأثرت «سعاد» بهذا الجو المشبع بالفن؛ حيث تولدت بداخلها العديد من المواهب.
قامت بأول أعمالها، وهي في الثالثة من عمرها في الإذاعة المصرية من خلال البرنامج الشهير «بابا شارو». والذي غنت خلاله أغنية «أنا سعاد أخت القمر»، وانطلقت لتدخل عالم الفن وتسابق النجمات وتتربع على عرش النجومية بسرعة فائقة. أطلق عليها أهل الوسط الفني لقب «السندريلا»؛ حيث تشابهت ظروف حياتها ونشأتها بأسرة فقيرة ثم نجاحها الباهر بالقصة الأسطورية الشهيرة!
مشوارها الفني
قدمت سعاد حسني العديد من الأعمال الفنية المتميزة؛ حيث قدمت شخصية الفتاة المصرية بكافة جوانبها السلبية والإيجابية، فكانت الفتاة الشقية المرحة وأيضًا الفتاة الطموحة، والتي تبحث عن الشهرة والأضواء كما جسدت دور المرأة الضعيفة المغلوبة على أمرها كما نجحت في تجسيد دور الطفلة.
وأتيحت لها الفرصة الأولى للدخول إلى عالم الفن، وذلك من خلال عملها الفني الرائع الذي قامت به مع الفنان الراحل «محرم فؤاد» في فيلم «حسن ونعيمة»؛ حيث كانت دفعة قوية لها لدخول السينما المصرية، فقدمت العديد من الأعمال التي لا تنسى، والتي خلدت اسمها ومن أشهرها: «الزوجة الثانية» أمام الممثل القدير «صلاح منصور» و»إشاعة حب» مع الفنان «عمر الشريف» و»السبع بنات» أمام «أحمد رمزي» و»غصن الزيتون» مع «أحمد مظهر» و»عمر الحريري» و»عائلة زيزي» مع الفنان القدير «فؤاد المهندس» و»للرجال فقط» أمام الفنان «إيهاب نافع» و»الثلاثة يحبونها» مع «حسن يوسف» و»صغيرة على الحب» مع «رشدي أباظة» و»الزواج على الطريقة الحديثة» مع «حسن يوسف» و»خلي بالك من زوزو» مع الفنان القدير «حسين فهمي»!
كما قامت بالعديد من الأعمال، والتي تطرح قضايا اجتماعية وسياسية مثل فيلم «غروب وشروق» و «الحب الضائع» مع الفنان رشدي أباظة و»الاختيار» و»الكرنك» كما ارتبط اسم الفنانة بمعظم عمالقة زمن الفن الجميل مثل «إحسان عبد القدوس» و»يوسف السباعي» و»يوسف إدريس» والموسيقار «محمد عبد الوهاب» و»كامل الشناوي» و»مصطفى أمين» و»أحمد بهاء الدين».
الأعمال التليفزيونية
ومن الأعمال التليفزيونية التي اشتركت بها في مسلسل «هو وهي» مع الفنان الراحل «أحمد زكي»، الذي جسدت من خلاله العديد من الشخصيات. كما قدمت عملًا إذاعيًّا في رمضان من خلال مسلسل «أيام معك» مع الفنان «أحمد مظهر». وحصلت «سعاد حسني» على عدة جوائز عن عدد من الأفلام مثل: «الحب الذي كان» و «غروب وشروق» و»أين عقلي» و»شفيقة ومتولي» و»موعد على العشاء»، كما لقبت بلقب أفضل فنانة مصرية في مائة عام من السينما، وكان آخر أعمالها التي قدمتها للسينما فيلمي «الدرجة الثالثة» و»الراعي والنساء»، والذي لم يلاقيا قدرًا كافيًا من النجاح؛ مما أدى إلى معاناة «سندريلا» من الاكتئاب.
رحلة الألم
لم تبقَ الفنانة على الساحة طويلاً؛ حيث رحلت عن عالم الفن في هدوء لتدخل عالمًا آخر مليء بالألم؛ حيث أصيبت بمرض في العمود الفقري إثر أصابتها في الصغر، وأخطرها الأطباء باحتمالية إصابتها بالشلل التام! وكالمعتاد تضارب تشخيص الأطباء حول حقيقة حالتها، فبينما قال البعض بأنها تعاني من شرخ في العمود الفقري، أكد الأطباء الفرنسيون بأن الحالة عبارة عن تآكل في فقرتين: هما الفقرة القطنية الأولى وآخر فقرات الظهر! وأجريت لها عملية جراحية بفرنسا؛ حيث تم وضع شريحة معدنية ومسامير من البلاتين، ولكنها لم تلقَ النجاح المتوقع، مما اضطرها للسفر إلى لندن لاستكمال علاجها!
وهناك اكتشفت إصابتها بالتهاب عصبي أدى إلى تغيير ملامح وجهها وصعوبة في تحريك أحد ذارعيها. وكانت سعاد تعاني في هذه الفترة من حالة اكتئاب شديد نتيجة لعدم نجاح آخر فيلمين لها، ومن قبل فقدانها لـ «صلاح جاهين» والذي كان يمثل لها الأب الروحي؛ مما أدى إلى تدهور حالتها الجسدية والنفسية، وتطلب هذا الأمر تناولها لكميات كبيرة من الأدوية والعقاقير الطبية. وزادت حالتها تعقيدًا بعدما أصيبت بشلل في عضلات الوجه. كما بدأ وزن الفنانة الرشيقة في تزايد ملحوظ؛ مما أدى إلى التواء الشريحة المعدنية المزروعة بعمودها الفقري نتيجة هذا الوزن الزائد! فضلاً عن إصابتها بهشاشة العظام!
ولم يقف زحف المرض عند هذا الحد، بل أصيبت نتيجة كم الأدوية والعقاقير التي كانت تتناولها إلى ظهور مشكلة بأسنانها، وقام طبيب الأسنان «هشام العيسوي» بخلع جميع أسنانها وإعادة زرعها مرة أخرى! ورغم ذلك فلم تيأس «السندريلا» حيث خضعت للعلاج بأحد المراكز البريطانية. كما بذلت مجهودًا كبيرًا لإنقاص وزنها، ونجحت في ذلك من خلال برنامج مكثف في مصحة بريطانية تدعى «شامينيز».
سهام الحاقدين
أحاطت الفنانة المتألقة سهام الحاقدين والمتربصين بها لكي يقضوا على تاريخها الفني حينما ألقوا بالشائعات كأسهم قاتلة تغرس في قلبها؛ حيث أشاعوا أنها تتسول في شوارع لندن محاولة استجداء عطف المواطنين العرب هناك! بينما يؤكد البعض رفضها للمساعدات التي قدمت لها من أثرياء عرب، كما ذكر الإعلامي المصري «مفيد فوزي» عندما زارها بأنه كان يحمل لها شيكًا بمبلغ كبير، إلا أنها عندما سألت عن مصدر هذا الشيك، وقال: «إنه من فاعل خير!» رفضت أخذه وطلبت منه إعادته إلى صاحبه مع تقديم الشكر نيابة عنها!
حملة لوقف علاجهاعلى نفقة الدولة
في نفس الوقت شن البعض حملة شرسة لوقف المنحة المقدمة من الدولة لعلاجها؛ مبررين ذلك بأنها ليست مريضة وأن ما تقوم به ليس سوى عمليات تجميل وتخسيس وأن ذلك من الرفاهية بما يرهق ميزانية الدولة! وأتى عملهم بنجاح باهر حينما قررت الحكومة المصرية إلغاء قرار العلاج، بحجة أنها يمكن علاجها داخل مصر، وذلك حينما تولى الدكتور «عاطف عبيد» رئاسة الوزراء! كما اتهمها البعض الآخر بإدمان المخدرات والكحوليات وجميع أنواع الموبقات، وطالبوا الجميع بالوقوف ضد «سندريلا» الشاشة العربية، مما أساء للفنانة التي شعرت بالأسى والحزن الرهيب لتخلي الجميع عنها في الوقت الذي كانت تحتاج فيه لكل من يقف بجانبها، ولو بكلمة!