
رغم مرور أربع سنوات على رحيل وردة الغناء العربي، إثر مضاعفات صحية لمعاناتها الطويلة مع أمراض الكبد، لا زالت حياة المطربة الجزائرية مليئة بالأسرار الغامضة، أخطرها أنها ظلت طوال حياتها هاربة من حكم بالإعدام، واكثرها غموضاً أسرار ترحيلها المفاجئ من مصر، وأشهرها زواجها سراً من أهم ناقد فني في مصر.
قصة حكم الاعدام لم تظهر إلا بعد رحيل السيدة وردة بعام، وجاءت على لسان ابنها الوحيد رياض القصري، الذي كشف في مقابلة تلفزيونية عن صدور حكم قضائي من إحدى المحاكم الفرنسية بإعدام السيدة وردة بسبب دعمها للمقاومة الجزائرية بالغناء، والمفاجأة أن الحكم نفسه صدر على محمد فتوكي والد وردة بعدما أكدت التحقيقات تستره على مخازن سلاح تابعة للمقاومة، وقد اضطرا للهرب معاً إلى بيروت خوفاً من تنفيذ الحكم، وظلا في حماية عائلة والدتها اللبنانية العريقة يموت.
الاستقبال الأسطوري للسيدة وردة في مصر كان مبرراً، فبالإضافة لموهبتها الفذة، كانت حكومة الثورة المصرية تدعم بقوة استقلال الجزائر، واحتاجت لصوت جزائري يشارك في الدعم المعنوي لقضية المجاهدين، ولهذا سمح لها بالمشاركة مع أساطير الغناء العربي في أوبريت «الوطن الأكبر» بقيادة الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولكن هذا الود انقطع فجأة وتحول لعداء بعد صدور قرار مفاجئ بترحيل السيدة وردة من القاهرة ومنعها من دخول مصر، ولم يعرف حتى اللحظة السبب الحقيقي وراء القرار، وإن أكد مقربون ان استغلال وردة لحادث تعطل سيارتها بدمشق وتطوع المشير عبد الحكيم عامر لإنقاذها في الترويج لوجود علاقة عاطفية بينهما أجبر الرئيس عبد الناصر على إصدار قرار فوري بمنعها من العودة للقاهرة طوال فترة حكمه حيث لم يسمح لها بالعودة الا في عهد الرئيس السادات.
للفنانة الراحلة وردة زيجات شهيرة ومعروفة، أولها من المناضل الجزائري جمال القصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري وأنجبت منه ابنيها رياض ووداد، وعندما عادت للقاهرة تزوجت من الموسيقار بليغ حمدي، ولكن الملحن حلمي بكر والاعلامي مفيد فوزي يؤكدان أنها تزوجت عرفيا من الناقد الشهير وقتها عصام بصيلة، وأن الزواج انتهى بخطف الأخير لوثائق الزواج وتقطيعها بعدما شعر بالغيرة من عودة وردة للتعاون الفني مع طليقها بليغ حمدي.
يتردد حتى اللحظة أن السيدة وردة راجعت قبل وفاتها بأزمة قلبية السيناريو المتعلق بمسلسل سيرتها الذاتية، وقيل ان المسلسل كتب تحت إشراف ابنها الأكبر رياض، ولكن يبقى اسم المطربة التي رشحتها وردة لتجسيد شخصيتها سراً غامضاً، فقد قيل إنها طلبت من أنغام تقديم الدور، وتردد أنها أوصت بإقناع المطربة الشابة آمال ماهر بتمثيله، وتوقع البعض أنها سترشح قريبتها انجي أشرف باعتبارها الأقرب في الشكل والصوت، ويقال ان ابنها رياض يصر على ترشيح ريم غزالي أو أمل بوشوشة.. ولكن رغم مرور أربع سنوات على الرحيل لم نعرف من ستجسد شخصية وردة.
الحدث الأبرز في العام الأخير من حياة العندليب عبد الحليم حافظ كان اشتباكه للمرة الأولى والأخيرة مع جمهوره، أثناء تقديمه لرائعته قارئة الفنجان بحفل الربيع، وكل الشائعات وقتها أكدت أن القلة المندسة التي اثارت غضب حليم بالصفير المتتالي، كانت مكلفة بالمهمة من الراحلة وردة التي أجبرت على تأجيل حفلها وقتها، وقيل أنها كانت تغار من استحواذ العندليب على أجمل ألحان زوجها وقتها بليغ حمدي، ولكن لا حليم أكد الخبر مكتفيا بالتلميح، ولا وردة نفته، واكتفت بالقول أن حليم لئيم ويدوس على غيره!!
ولدت الفنانة، وردة الجزائريَّة، واسمها الحقيقي وردة فتوكي في فرنسا العام 1939 لأبٍ جزائري وأم لبنانيَّة من عائلة يموت البيروتيَّة.
امتهنت الغناء في فرنسا وكانت تقدم أغاني لفنانين معروفين في ذلك الوقت مثل أم كلثوم، وأسمهان، وعبد الحليم حافظ، وعادت مع والدتها إلى لبنان وهناك قدمت مجموعة من الأغاني الخاصة بها.
كان يشرف على تعليمها المغني التونسي الراحل، الصادق ثريا، في نادي والدها في فرنسا، ثم بعد فترة أصبحت لها فقرة خاصة في نادي والدها.
قدمت إلى مصر سنة 1960 بدعوة من المنتج والمخرج حلمي رفلة الذي قدمها في أولى بطولاتها السينمائية في «ألمظ وعبده الحامولي» فاتحة إقامتها الموقتة في القاهرة، وطلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر أن يضاف لها مقطع في أوبريت «وطني الأكبر».
اعتزلت الغناء لسنوات بعد زواجها، حتى طلبها الرئيس الجزائري هواري بومدين كي تغني في عيد الاستقلال العاشر لبلدها العام 1972، بعدها عادت إلى الغناء فانفصل عنها زوجها جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري، فعادت إلى القاهرة، وانطلقت مسيرتها من جديد وتزوجت الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي لتبدأ معه رحلة غنائية استمرت على الرغم من طلاقها منه سنة 1979
كان ميلادها الفني الحقيقي في أغنية (أوقاتي بتحلو) التي أطلقتها في العام 1979في حفل فني مباشر من ألحان سيد مكاوي، كانت أم كلثوم تنوي تقديم هذه الأغنية في العام 1975 لكنها ماتت. لتبقى الأغنية سنوات طويلة لدى سيد مكاوي حتى غنتها وردة.
تعاونت وردة الجزائرية مع الملحن محمد عبد الوهاب، وقدمت مع الملحن صلاح الشرنوبي العمل الشهير (بتونس بيك).
شاركت وردة الجزائرية في العديد من الأفلام منها «ألمظ وعبدو الحامولي» مع عادل مأمون، ومع رشدي أباظة «أميرة العرب» و»حكايتي مع الزمن»، وكذلك تعاونت مع حسن يوسف في فيلم «صوت الحب» وكان أول أفلامها السينمائية بعد عودتها من الجزائر.
توفيت في منزلها في القاهرة في 17 مايو 2012 إثر ازمة قلبية ودفنت في الجزائر ووصلت في طائرة عسكرية بطلب من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وكان في استقبالها العديد من الشخصيات السياسية والفنية ليتم دفنها في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة. وكانت قبل وفاتها قالت «أريد العودة إلى الجزائر فوراً»، تعتبر واحدة من أهم فنانين الزمن الجميل.