
عندما كان البحر هو المصدر الرئيسي للدخل في البلاد تجلى دور تاجر اللؤلؤ في الكويت قديما «الطواش» كأحد أبرز أعمدتها الاقتصادية فازدهر نشاط الغوص على اللؤلؤ وتجارته وذاع صيت طواويش الكويت حتى بلغوا أقاصي بلاد السند والهند لما عرف عنهم من أمانة والتزام في البيع والشراء.
واضحت البلاد في ذلك الوقت مركزا مرموقا لتجارة اللؤلؤ بالنظر الى مهارة «طواويشها» كبارا وصغارا وحرفيتهم بشأن أوزان اللؤلؤ وتقدير أثمانه والمعرفة الجيدة بأسعار اللؤلؤ في الاسواق الرئيسية في البحرين «المركز الخليجي» وفي الهند «بومباي اكبر مركز لبيع اللؤلؤ قديما».
وترتكز هذه المهنة على التنقل والسفر والطواف بين سفن الغوص وهي في مواقع الصيد لتبضع اللؤلؤ بعيدا عن السوق فضلا عن حمل المواد التموينية كالتمر والسكر والرز والماء على سبيل إمداد سفن الغوص بمثل هذه المواد سواء عن طريق البيع النقدي او المقايضة بما عندهم من لؤلؤ.
وحول تاريخ تجار اللؤلؤ «الطواويش» في الكويت أورد الباحث والمؤرخ سيف مرزوق الشملان في كتابه «تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي» أن مهنة تجارة اللؤلؤ قديما كانت تضم عددا لا بأس به من الطواشين الكبار والصغار الذين كانوا يذهبون بسفنهم الخاصة إلى مغاصات اللؤلؤ في مياه الكويت والإحساء والبحرين وقطر وإلى مغاصات عمان أحيانا.
وقال أن بلدة «دارين» في الإحساء كانت آنذاك هي مركز تجمع الطواويش من الكويت ودول الخليج الأخرى حيث يقومون بعمليات البيع والشراء إضافة الى التزود بالمؤن التي يحتاجونها لرحلاتهم البحرية والتباحث مع بعضهم البعض حول مختلف الأمور التي تتعلق بتجارة اللؤلؤ.
وأضاف الشملان أن «الطواويش » قديما كانوا يقومون أيضا بزيارة البحرين التي كانت تعد أكبر مركز لتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي حيث يصل اليها أشهر تجار اللؤلؤ والراغبين باقتناء هذه الجواهر النفيسة من الهند وأوروبا لعقد الصفقات التجارية مع تجار الكويت والخليج وتبادل المعرفة والخبرات.
وذكر أنه كان لدى «الطواويش» ميزان لوزن اللؤلؤ بالحبة والمثقال و«الجو» – وحدة قياس وزن اللؤلؤ – حيث كان الطواش يفرش «الدستة» وهي قطعة من الخام طولها من متر الى متر ونص لونها أحمر وبها أدوات العمل كالأوزان والمكاييل والمكبرات ثم يبدأ بغربلة اللؤلؤ ووزنه وتقييم سعره.
وأوضح المؤرخ الشملان أن مهنة الغوص على اللؤلؤ قديما كانت أحيانا تدر أرباحا هائلة على أصحابها وخاصة إذا استطاع الطواش الحصول على «الدانة - اللؤلؤة الكبيرة» مشيرا في ذلك الى بعض صفقات بيع اللؤلؤ التي اعتبرت خيالية في ذلك الزمن مثل صفقة «دانة بن ياقوت» التي عثر عليها عمر بن ياقوت وكان وزنها «170 جوا» وباعها بمبلغ يقدر بنحو 110 آلاف روبية على أحد تجار البحرين آنذاك الى جانب «دانة سيد هاشم الرفاعي» التي اشتراها منه التاجر الكويتي الكبير هلال بن فجحان المطيري بأكثر من 45 ألف روبية.
وقال إن صغار «الطواويش» أي أصحاب السفن الصغيرة والتجارة المحدودة كانوا يستخدمون سفنا صغيرة الحجم يطلق عليها «تشالة» للذهاب الى مغاصات اللؤلؤ مشيرا الى أن بعض «الطواويش» الصغار يشتركون في شراء سفينة واحدة للغوص على اللؤلؤ على أن توزع حصيلة الغوص بينهم كل حسب نسبة مساهمته فالربح يوزع للجميع والخسارة أيضا يتحملها الجميع.
واضاف أن «الطواويش» الصغار كانوا يحملون على متن سفنهم بعض المؤن كالعيش «الرز» والسكر والشاي والتمر ونحو ذلك للبيع على الغواصين بربح معين «فلو فرضنا أن سعر العيش كان بثمان روبيات يبيعونه على الغواصين بزيادة نحو روبيتين أو روبيه ونصف وهكذا» يتم بيع بقية المؤن وكان منهم على سبيل المثال المرحوم «عيسى القطامي» وهو أيضا من أشهر النواخذة في الكويت وكذلك المرحوم «علي الفرحان» والمرحوم «سيد محمد الرفاعي» والمرحوم «عبدالله بن ناصر الروضان» وغيرهم.
وأوضح المؤرخ الشملان أن حياة «الطواش» على ظهر السفينة قديما كانت تمتاز بالراحة مقارنة بحياة الغواصين على ظهر السفينة نفسها حيث يحصل الطواش على الأكل الطيب النظيف في وجبتي الغداء والعشاء التي يعدها طباخ خاص بالسفينة والماء النظيف البارد الذي يشربونه بواسطة «البرمة» - وعاء من الفخار لتبريد الماء – فيما يشرب الغاصة الماء من «الفنطاس» وهو وعاء خشبي للماء يوضع على ظهر السفينة لاستخدامات الغاصة.
وقال أن بعض «الطواويش» كانوا يحملون معهم «عنزة» في السفينة ليستفيدوا من لبنها في إعداد وجبة الإفطار الصباحي مبينا أن الطواويش كانوا يدعون بعض النواخذة لتناول طعام الغداء على ظهر سفنهم حيث الاكل الطيب والماء البارد والنظافة.
واشار الى عادات «طواويش» الكويت قديما بتوزيع الذبائح «الخراف» على الغواصين عند وصولهم إلى المغاصات قادمين من البلاد.
وأكد الشملان أن كل «طواش» عادة ما يكون مرتبطا بعدد من الغواصين الملتزمين بالغوص معه موضحا أن الطواشين كانوا يسافرون إلى مغاصات اللؤلؤ بعد سفر الغواصين بنحو شهر وذلك حتى يتمكن الغواصون من جمع اللؤلؤ وحتى يكون الطواش على بينة من أسعار اللؤلؤ خارج الكويت خاصة في البحرين وبومباي.
وفي رحلة العودة من الغوص على اللؤلؤ الى الكويت والتي تسمى «القفال» قال المؤرخ الشملان ان الطواش يرافق غاصته عائدين الى البلاد.
وأشار الى اصطحاب «الطواويش» لأولادهم الصغار في رحلة البحث عن اللؤلؤ حتى يتدربوا على العمل منذ الصغر ويلموا بأوزان اللؤلؤ وأشكاله وأنواعه ليكتسبوا بذلك خبرة ومعرفة غزيرة بمهنة آبائهم التي سوف يرثونها من بعدهم.