
لا شك أن الكاتب الكبير الراحل سعد الله ونوس يعد من رواد المسرح الكبار حيث أثري الحياة المسرحية بالكثير من النصوص التي تعكس هموم المواطن العربي خاصة معالجاته للقضية الفلسطينية التي تمر عشرات السنين والمشهد على حاله ومسرحية «اغتصاب» التي عرضت ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي 24 هي رسالة كتبها سعد الله ونوس منذ 34 سنة رسم من خلالها لوحة ملحمية لقضية إنسانية، وتعتبر دعوة للتفكير والتأمل في واقع مؤلم يعيشه الشعب الفلسطيني يوميا من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته المتواصلة لحقوق الانسان واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين العزل ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على كتابتها إلا أنك تشعر أنها كتبت الان وتحاكي الواقع الحياتي للفلسطينين حاليا وتأتي هذه المسرحية تتويجا للعديد من التجارب المسرحية التي تناولت القضية الفلسطينية حيث نقلت بموضوعية هموم وقضايا الإنسان الفلسطيني في قالب درامي هز المشاعر، وأبرز صمود وثبات هذا الشعب العربي في مواجهة الظلم والقتل الذي يمارسه الاحتلال الاسرائيلي بحقه ولا تزال هذه الممارسات القمعية الوحشية تمارس كل يوم على مرأى ومسمع من العالم الذي يقف موقف المتفرج ولم يعد هناك متنفس سوى عبر الفن وخشبة المسرح .
حكاية رجلين
استعرضت المسرحية، التي قدمتها فرقة مسرح الشباب التابعة للهيئة العامة للشباب بعض تفاصيل حياة الفلسطينيين، مع التركيز على الأثر النفسي الذي يتركه الاحتلال على الأفراد والعائلات، وذلك من خلال حكاية رجلين، الاول شاب ينتمي إلى اسرة فلسطينية بسيطة تعاني من التشرد على ارضها، ويتم اعتقاله، والثاني رجل أمن اسرائيلي يستغل سلطته ليقوم بتعذيب الشاب الفلسطيني ويظهر اثناء ذلك الحقد والكراهية التي لدى الإسرائيليين الصهاينة تجاه العرب.
الشخصيات في مسرحية «اغتصاب» لم تكن فقط مجرد رموز لتسليط الضوء على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بل تجسد لمجموعة من المشاعر الإنسانية المرتبطة ب»المقاومة، الهوية، الانتماء، الأمل، اليأس، الغضب، الحنين إلى الوطن»، وقد لعب المخرج خالد أمين دورا محوريا في ايصال هذه المشاعر لنا من خلال توجيه أداء الممثلين وضبط الأداء على خشبة المسرح لتقديم كل شخصية بما يتناسب مع سياق النص بعيدا عن المبالغة، مما حافظ على توازن العرض دون أن يكون هناك اختلال في الإيقاع أو الأسلوب.
الأداء التمثيلي
وقد تميز أداء الممثلين بالاحترافية والموضوعية، حيث حرصوا على تجسيد أدوارهم بشكل واقعي دون تدخل العواطف، فكانوا على قدر المسؤولية، وهم: د. أحلام حسن، مصعب السالم، رازي الشطي، محمد الرقادي، مصطفى محمود، أحمد الرشيدي، فرح الحجلي، أسرار الدوسري، حمد الكندري، إسحاق اشكناني، يحيى الحراصي، منيرة قوشتي، خالد الديحاني، بشار العجيرب، يعقوب جهوري، عبدالرزاق الداؤود، هؤلاء جميعا اتسم أداؤهم للشخصيات بالدقة والاحتراف.
السينوغرافيا
وأسهمت السينوغرافيا بشكل كبير في خلق أجواء تعكس واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال، حيث استخدم المخرج خالد أمين عناصر في الديكور عكست الخراب والفوضى التي ترتبط بالصراع، كما ساهمت الإضاءة في ابراز لحظات الانتقال بين المشاعر المتناقضة، بينما كانت الموسيقى جزءا لا يتجزأ من العرض، فقد تم اختيارها بشكل مدروس وكانت تتفاعل مع الأداء التمثيلي بصورة متناغمة