
يعد الفنان الكبير عبد العزيز تاج واحدا من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم العربي في العصر الحديث فعلى مدى أكثر من نصف قرن قدم تاج مسيرة حافلة وعطاء زاخر ووضع الكاريكاتير على الخريطة السينمائية بعد أن اجتذب نجوم الدراما والسينما الى برامج على شاشة التلفزيون خاصة في رمضان فكنا ننتظر برامجه بشغف كبير ونلتقى مع النجوم ونضحك معهم حقق قفزات نوعية وطفرة لفن الكاريكاتير بأسلوبه المتفرد نسيج وحده فهو من جيل الرواد الكبار لهذا الفن كانت له بصمات واضحة في مجلة كاريكاتير وكان أحد أعمدتها الكبار وله فيها حكايات وذكريات كما شارك بعطائه في معظم المؤسسات الاعلامية ومن أهمهم روزاليوسف وصباح الخير كما شارك كعضو لجنة تحكيم في ملتقى الكويت الدولى للكاريكاتير وتم تكريمه في الكويت ويتذكر تاج تلك اللحظات الحميمة التي كانت تجمع أسماء مثل صلاح جاهين وحسن فؤاد وفؤاد حداد وبهجوري وعبد السميع وزهدي العدوي غيرهم فى غرفة واحدة فى مجلة روزاليوسف وفيما يلي نستعرض جوانب من حياة هذا الفنان القدير تحية إجلال واحترام لعطائه الزاخر
مرت تجربة تاج، الإبداعية بمراحل مختلفة، لكن يبقى دائمًا الحنين إلى المنابع والتي يصفها قائلاً: جميلة هي البدايات، أحببت الكاريكاتير منذ الطفولة، وقعت فى يدي مجلة “الاثنين والدنيا” وأنا فى الصف الرابع الابتدائي، وقد كانت مجلة مصورة فأعجبني فيها رسومات أطلقت عليها وقتها اسم "العفاريت" وكانت رسوما للكاريكاتير، وبدأت أقلدها فتماديت فى التجربة حتى الآن، وبدأت أراسل مجلة “سمير” والتي كان يرسمها رسام اسمه برني وكان رساما فرنسيا يعمل فى دار الهلال، وردت علىّ المجلة أن رسمي أعجبهم وواظبت بعد ذلك فرسمت المجلة وكنت رسامها الأساسي لسنوات طويلة.
فى عام 1968، كنت الأول فى الرسم فى الشهادة الإعدادية على مستوى محافظة كفر الشيخ، ثم صممت أن أدخل كلية الفنون الجميلة، ودخلت قسم “الجرافيك” وكان أساتذتي: الفنان الحسيني فوزي، وفى النحت الفنان جمال السجيني وفى الزخرفة الفنان صلاح عبد الكريم ومن دفعتي د. أحمد نوار ود. زينب زمزم، وغيرهم.
وحول تأثره بمدرسة روزاليوسف، وصباح الخير فى الستينيات وهما أشهر مدارس الكاريكاتير وقتها فى مصر يقول تاج: فى مصر هناك ثلاثة أجيال جيل الرواد أول مدرسة كاريكاتير فى مصر كان محمد عبد المنعم رخا بعده الأستاذ طوغان والأستاذ زهدي والأستاذ عبد السميع، وما عدا زهدي مواهب فطرية وكل واحد له أسلوبه المصري الصميم. الجيل الثاني منه الليثي وبهجوري ومصطفى حسين واللباد وصلاح جاهين، الجيل الثالث أغلبه اكتشفه حسن فؤاد، كان صانعًا للنجوم اكتشف جمعة ويوسف فرنسيس وتاج ومحسن وقدم صلاح السعدني وعلي الشريف، كان زملائي فى سجن الواحات وقدم كذلك الشاعر مجدي نجيب.
كنا آخر اكتشافات حسن فؤاد، وأنا أدرس فى فنون جميلة كنت أتعايش من المبلغ الذي أتقاضاه من المجلة وكان يكفيني وقتها، وحول اختلاف هذه المدرسة عن المدرسة الأخرى التي كانت تنافسها فى فن الكاريكاتير، وهي مدرسة أخبار اليوم، يقول تاج: فى الكاريكاتير هناك مدرسة أخبار اليوم ومدرسة روزاليوسف، مدرسة أخبار اليوم هناك رسام وهناك كاتب الفكرة مثل مأمون الشناوي ومصطفى أمين وجليل البنداري، كانوا يكتبون الفكرة ويرسم الرسام حول الفكرة.
أما مدرسة روزاليوسف، فالفنان يرسم ويكتب الفكرة حجازي كان يفكر ويرسم، وكذلك صلاح جاهين. الفنان فيها كان له فكر سياسي واجتماعي غير عادي. كل واحد له أسلوبه الخاص وهذا الأسلوب لا يأتي إلا بعد فترة طويلة. كان لكل رسام كاريكاتير بصمة خاصة، يعرف القارئ رسوم تاج بدون توقيع هنا محصلة جميلة تميز الفنان وتجعله يشعر بالفخر.
ويرى “عبد العزيز تاج” أن الجو الفني اختلف – الآن – كثيرا عن الفترات السابقة فالمواهب الأصيلة التي أحبت الفن للفن قل عددها. ويضيف قائلا: هناك فرق شاسع بين الجيل الحالي على الأرض المصرية والجيل القديم، عشت بين أحضان صلاح جاهين لم يكن يعرف الكره. عشت مع حجازي المتواضع رغم عظمة فنه. تعلمت منهم كيف يسعد فنان الكاريكاتير الآخرين برسمه وبأخلاقيات المهنة ويضحي من أجل ذلك.
صلاح جاهين الكبير كان يعيش فى شقة من غرفتين حتى آخر عمره، وهو الرجل العظيم الممثل الشاعر الزجال الفنان الشامل الذي لن تتكرر موهبته. ، زهدي الرسام الكبير كان يعيش فى شقة فوق السطوح. هؤلاء كانوا لا يعرفون غير شيء واحد وهو الرسم بإتقان والقرب من الناس مثال ذلك حجازي العظيم أكثر الرسامين موهبة كان محبا للناس إلى أبعد حد، ولذلك خلد شخصياته فى خطوط نادرة ذات طابع شعبي.
ويصف تاج جيله والجيل الذي سبقه بأنه جيل مختلف، ويضيف: لن يتكرر جيل الستينيات وما قبلها لن يتكرر صوت وموسيقى عبد الوهاب وأم كلثوم، فن الكاريكاتير حاليا يعاني كثيرا من الأمراض المزمنة.
فى يوم من الأيام كانت هناك مجلة اسمها “صباح الخير” يعمل فيها صلاح جاهين حجازي جمال كامل مأمون اللباد رجائي ونيس دياب زهدي – بهجوري كلهم فنانون كبار، وتشتري المجلة بـ20 مليما،
وعن خصائص تجربته كما يراها، وكيف تطور الفن لديه، وبحثه الدائم عن الاختلاف فى الخطوط والفكرة يقول تاج: أنا بطبعي مصري جدا، اختارني محسن محمد لأرسم في الجمهورية يوميا 6 رسمات كنت مهموما بالشعب المصري دائما، وكنت لا أحب سياسة السادات، جاءتني فكرة فذهبت إلى محسن محمد اخترت شخصية اسمها “صابر سنة 2000” انتقد فيها سياسة السادات، فخرج محسن من مكتبه وجاء إلىّ وقال لي: قف على رأيك ونشرها يوميًا فى صفحة الرياضة.
الغريب أنه كان فى رحلة مع الرئيس السادات إلى أمريكا، فكان محسن جالسا جوار أنيس منصور فقال السادات لمنصور قل لصديقك إنني صاحي، فقلت له لماذا: قال تاج الذي يرسم صابر 2000 أتابعه يوميا. وأبلغني محسن محمد ذلك فسعدت لرأي السادات الذي لم يمارس علىّ أي رقابة.
فى هذا الوقت عند تولي سمير رجب مؤسسة دار التحرير وبدأ فى إنشاء مجلة “حريتي”، كنت أنفذها أنا والراحل علاء دوارة لأني عملت فى “روزاليوسف، وصباح الخير”، عملت فكرة الكاريكاتير فى الأربع صفحات الأولى فى المجلة، الخلاف الذي حدث بيننا أنني رفضت نشر كاريكاتير التفاهة للجنس كنت أرسم عن البسطاء والمهمشين، وهذا محور تجربتي على مدار أكثر من خمسين عاما، وكانت سببا فى نجاحي، ولن أغيرها مادمت حيا، فالفنان الحقيقي موقف.
وحول أهمية أن يكون رسام الكاريكاتير مثقفا له خلفية معرفية بالثقافات المختلفة، وما يحدث حوله فى العالم ليؤكد تاج على أن فنان الكاريكاتير، إذا لم يكن رساما مثقفا فلن يستطيع أن يؤدي رسالته، لأنه يرسم فى قضية سياسية، مثلا يرسم عن مشكلة فى آسيا كيف يرسم عنها، فى أي مكان فى العالم.
لابد أن يكون مطلعا على الأحداث السياسية القديمة والجديدة المحيطة بالحدث، كذلك لابد أن يكون عارفا بالقصة والدراما، والشعر وغيرها من الفنون لابد أن يعرف خلفيات الثقافة فى العالم، أن يكون موسوعة.
ويضيف تاج قائلا: أنا فى الإعدادية كانت هناك سلسلة روايات عالمية كانت تصدر كل يوم سبت كنت أذهب لأشتريها كنت أحب رسوم بيكار، وأحب سماع الإذاعة، أحببت صوت آمال صادق وفكري أباظة، عبر برامج متميزة، كل ذلك أفادني كثيرا، هناك عدد من رسائل الدكتوراه عن تجربتي، مشوار وحياة “سناء بولان” من تونس، فى السعودية د. هاشم عبده هاشم يصمم أن أرسم كاريكاتيرا سياسيا فى عكاظ على مدى سنوات، وكذلك فى ليبيا فى مجلات متعددة.
وحول ممارسته لعدد من الأنشطة الثقافة المتعلقة بفن الكاريكاتير يقول تاج: قمت بعمل برامج كاريكاتير فى القنوات الفضائية فى الـM.B.C ولي سبعة كتب منها “هكذا يتحدث الكاريكاتير” الذي كتب له المقدمة صلاح جاهين، وكتاب “مئة كاريكاتير عليهم القيمة” تقديم عادل إمام، كما حصلت على جائزة الشباب عام 1970 عن لوحة عن “بحر البقر” من وزارة الشباب وغيرها من الجوائز.