
كتب د. بركات عوض الهديبان.
> سمو الأمير ضرب المثل والنموذج في تقدير أحكام القضاء والتزام كل مؤسسات الدولة بها
> القيادة السياسية أكدت أيضا أنها تقف على مسافة واحدة ممن يؤيدون مرسوم الصوت الواحد أو يعارضونه
> هناك ترقــب إقليمي ودولــي لتــداعــيــات حكم «الدستورية» .. وقياس ردود فعل جميع الأطراف المحلية عليه
> القوى السياسية مطالبة بتأكيد إيمانها الحقيقي بالدستور وإثبات أنه ليس مجرد شعارت ولافتات مرفوعة
اليوم يحبس الكويتيون أنفاسهم ترقبا لحكم المحكمة الدستورية الذي سيصدر خلال ساعات، بشأن مرسوم الصوت الواحد، ومدى دستورية مجلس الأمة الحالي، باعتبار أن هذا الحكم سيحدد ملامح المسار السياسي والبرلماني للبلاد خلال المرحلة المقبلة، وبناء عليه ستتوقف عوامل وتحركات كثيرة لمختلف القوى السياسية، وما إذا كانت خارطة العمل السياسي ستبقى على حالها، أم سيطرأ عليها بعض الاختلافات والتغيرات.
وبعيدا عن التكهنات بطبيعة الحكم المرتقب، والتي لم يعد لها محل للتداول أو الذكر الآن، فإن الأهم من ذلك كله هو موقف جميع الأطراف من هذا الحكم، وما إذا كنا سنثبت لأنفسنا وللعالم كله أننا دولة دستور وقانون، أم أننا سنصاب بردة وانتكاسة ديمقراطية تجعلنا، أو بالأدق تجعل بعضنا يقبل بأحكام القضاء، إذا ما كانت في مصلحته، ويرفضها إذا جاءت مناقضة لهذه المصلحة.
لقد سبق أن ضرب سمو أمير البلاد المثل والنموذج في مدى احترامه للقضاء وأحكامه، وضرورة القبول بهذه الأحكام وتنفيذها ووضعها موضع التطبيق، مهما كانت طبيعتها وتداعياتها المتوقعة، على الصعيدين الحكومي والبرلماني. ومن المؤكد أن جميع المواطنين مازالوا يذكرون كيف أكد سموه في أكثر من مناسبة أنه لا مجال لمناقشة أحكام القضاء، وأن حكم المحكمة الدستورية بشأن الصوت الواحد سيصدر لينفذ، وستلتزم بتنفيذه كل الجهات المعنية في الدولة.. وفي إحدى هذه المناسبات كان رئيس مجلس الأمة علي الراشد قد التقى صاحب السمو، ضمن وفد ضم العديد من الشخصيات العامة، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتحديدا في الرابع من نوفمبر 2012 ونقل عن سموه قوله: «إنه مستمر بمرسوم الضرورة – أي مرسوم الصوت الواحد -، ولن يكون هناك أي تراجع، كما أكد لنا استمرار تطبيق القانون على من يخرج على هذا القانون ولا مجال لأي تأويل آخر، ولكن متى ما صدر حكم المحكمة الدستورية فان الجميع سيلتزم بهذا الحكم، وهذا أمر طبيعي وإننا ملتزمون بأي حكم يصدر ومن يريد أن يطعن في مرسوم الضرورة فالمجال مفتوح له، اذا كانت هناك مصلحة من ذلك أو كان بمناسبة طرح قضية أخرى».
وعلق الراشد وقتها على حديث سمو الأمير بقوله: «لقد أثلج صدورنا هذا الخبر، وبين لنا بوضوح موقف الحكومة وموقف صاحب السمو الذي نعتبره تاجا على رؤوسنا فكل الشكر لصاحب السمو وكل التأييد لسموه».
وفي اليوم نفسه التقى صاحب السمو عددا من النواب الإسلاميين السابقين، وأدلى النائب السابق محمد هايف بتصريح مماثل لتصريح الراشد، قال فيه: إن سمو أمير البلاد شدد على أنه « سيقبل بحكم المحكمة الدستورية في حال حكمها ببطلان المرسوم»، وقال هايف ان سمو الامير «اشار الى حق المحكمة الدستورية في رفض المرسوم».
وكان لافتا أيضا ما نقلته شخصيات أخرى عن صاحب السمو بقوله: «إنه يقف على مسافة واحدة من جميع أبنائه وإخوانه المواطنين، سواء في ذلك من يؤيدون مرسوم الصوت الواحد، ومن يعارضونه».
هذه التأكيدات السامية التي تكررت أيضا في لقاء سمو الأمير مع رئيس وأعضاء لجنة العمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والتي حرصنا على الاستشهاد بالعديد مما ورد على ألسنة أصحابها، نقلا عن صاحب السمو، أردنا من خلالها التدليل على أنه إذا كانت القيادة السياسية تجزم بأن كل مؤسسات الدولة ستلتزم التزاما تاما بحكم المحكمة الدستورية، فإنه لم يعد أمام أحد مجال للمزايدة على احترام الدستور والقانون وأحكام القضاء.. ولم يعد باقيا إلا أن يثبت الذين يدعون ليل نهار أنهم «سدنة الدستور» والمدافعون عنه، أن يثبتوا ادعاءاتهم تلك عمليا، وأن يبرهنوا للشعب الكويتي كله أنهم ليسوا مجرد «ظاهرة صوتية»، وأن إيمانهم بالدستور والقانون له أرضية من الواقع والممارسة، وليس مجرد شعارات، وأن إيمانهم بالديمقراطية هو إيمان حقيقي، وأنهم لا يكفرون بها بمجرد أن تهتز مصالحهم، أو تأتي أحكام القضاء على غير هواهم.
إن الكويت كلها، حكومة وبرلمانا، وقوى سياسية، وشعبا، أمام أكبر امتحان في تاريخ مسيرتنا الديمقراطية، وأمامنا اليوم فرصة سانحة لنثبت للعالم كله أن في الكويت ديمقراطية حقيقية، و«ديمقراطيين حقيقيين»، يعتنقونها قولا، ويمارسونها فعلا وتطبيقا وأسلوب حياة.