
لم يتخيل أحد من المراقبين للانتخابات البرلمانية أن يصل حماس الكويتيين في الإقبال على المشاركة في هذا الاستحقاق الديمقراطي ، إلى الحد الذي دفع بالكثيرين منهم إلى الإفطار داخل اللجان الانتخابية ، مفضلين أن يحتفظوا بدورهم في الصفوف الطويلة التي انتظمت منذ وقت مبكرا ، انتظارا للإدلاء بأصواتهم .
ولذلك فإنه على عكس الكثير من التوقعات التي ذهبت إلى أن معظم اللجان ، إن لم تكن جميعها ، ستضطر إلى تمديد وقت التصويت ربما إلى العاشرة أو الحادية عشرة مساء ، فإن اللجان أنهت أعمالها في الموعد المحدد وهو الثامنة مساء ، وبدأ الفرز مبكرا ، برغم أن معدلات الإقبال كانت جيدة وفاقت التوقعات ، خصوصا في ظل إجراء العملية الانتخابية في شهر رمضان ، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية الكويتية .
بعض الناخبين رفضوا اعتبار ما فعلوه نوعا من "التضحية" لمصلحة وطنهم ، مؤكدين أنهم أنهم لم يفعلوا أكثر من الواجب المستحق تجاه الكويت التي تستأهل الكثير ، وأن تصويتهم ليس مجرد تزكية لمرشح بعينه للوصول إلى قبة البرلمان ، وإنما هو بالدرجة الأولى والأهم مشاركة إيجابية وفاعلة في صنع مستقبل أفضل لهذا البلد ، وأنه لا يضيرهم أن يتعبوا قليلا ، ويؤخروا وجبة الإفطار ساعة أو عدة ساعات ، مكتفين بتناول الماء والعصائر وبعض حبات التمر ، لدى وقوفهم في الصفوف .
وقد لفتت هذه الروح العالية أنظار المراقبين العرب والدوليين للانتخابات ، وسجلوها في تقاريرهم ، تماما كما سيسجل تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية أن انتخابات السابع العشرين من يوليو 2013 كانت متفردة في كثير من جوانبها ، ولعل من الظواهر الرائعة والملموسة فيها أيضا أن المرشحين الذين حامت حولهم شبهات شراء الأصوات لم ينجح منهم أحد ، وربما يؤكد ذلك أن ما نشر في هذا الصدد كان مبالغا فيه إلى حد كبير ، وأن الناخب الكويتي برهن على أن صوته غير قابل للشراء ، وأمانته ليست موضعا للمساوة أو المتاجرة بها .
لم يبق الآن إلا أن يرى المواطن الكويت مجلسا جديرا بكل هذا المجهود الذي بذله من أجله ، وأن يشهد أيضا حكومة قوية ، وتعاونا صادقا بين السلطتين لمصلحة هذا البلد العزيز الذي آن له أن يتقدم ويرتقي ويتبوأ المكانة اللائقة به إقليميا ودوليا .