
> الغانم اتهم نواباً بـ «الرشوة» وتغاضى عن الإبلاغ عنهم لمساءلتهم عن تلك «الجريمة» إذا صحت !
لمنصب رئاسة مجلس الأمة في الكويت مكانة كبيرة ، فهو من الناحية البروتوكولية الشخصية الثالثة في الدولة ، وترتيبه بروتوكوليا يسبق اسم رئيس مجلس الوزراء ، وهذا أمر طبيعي لأن نظام الحكم في الكويت يمزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني ، ومن ثم تكون لرئيس السلطة التشريعية مثل تلك المكانة التي تليق بهذه السلطة، وبما أضفى عليها الدستور الكويتي من هيبة ووقار ، وما خوله إياها من اختصاصات وصلاحيات، سواء في تشريع القوانين التي تحكم حركة الحياة ، وتنظم العلاقة بين المؤسسات وبعضها البعض ، أو بين المواطنين أنفسهم ، أو علاقة هؤلاء المواطنين بمؤسسات الدولة ، وكذلك في الرقابة على أعمال الحكومة ، والتي تصل أحيانا إلى حد طرح الثقة في الوزير ، بما يؤدي إلى إعفائه من منصبه ، أو إعلان عدم التعاون مع رئيس الحكومة ، ما يجبره بدوره على الاستقالة من منصبه .
واتساقا مع هذا فقد اعتاد الكويتيون أن يشغل منصب رئاسة المجلس قامات سياسية كبيرة ، تملأ مكانها ، وتحسن تمثيل البرلمان أمام الشعب كله ، وتمثيله كذلك أمام العالم بأسره ، في المحافل الدولية المختلفة . وسواء كان رؤساء المجالس السابقون متفقين مع الحكومة أو مختلفين معها ، فقد ظلوا محتفظين لأنفسهم ، وللمجلس الذي يمثلونه بمساحة كبيرة من الاحترام والتقدير من كل سلطات ومؤسسات الدولة ، بما في ذلك بالطبع السلطة التنفيذية .
بقي هذا الوضع قائما ، وموضع تراضي وقبول الجميع، ولم يحدث أن خرق أحد قواعده وقوانينه ، إلا في عهد رئيس المجلس الحالي مرزوق الغانم الذي يحاول بين حين وآخر ، أن يكرس أعرافا برلمانية سلبية ومرفوضة، كان أبرزها وأخطرها بلا شك ادعاءه بأن هناك نوابا «يصرحون بأجر ، ويستجوبون بأجر» ، فقد شكل ذلك اتهاما صريحا لبعض زملائه النواب بـ «الرشوة» ، مقابل الإدلاء بتصريحات صحافية ، أو تقديم استجوابات برلمانية إلى الوزراء ، كما شكل إخلالاً صريحا وفادحا بكل الأصول والأعراف والقيم البرلمانية والدستورية التي ظلت موضع احترام الكافة ، فرئيس مجلس الأمة هو المسؤول عن تطبيق اللائحة الداخلية للمجلس ، وكما تنص المادة 30 من تلك اللائحة ذاتها فإن «الرئيس هو الذي يمثل المجلس في اتصاله بالهيئات الاخرى ، ويتحدث باسمه ، ويشرف على جميع أعماله ، ويراقب مكتبه ولجانه ، كما يتولى الإشراف على الأمانة العامة للمجلس ، ويراعي في كل ذلك تطبيق أحكام الدستور والقوانين ، وينفذ نصوص هذه اللائحة ..... » .
ويعلم رئيس المجلس أيضا ما تنص عليه المادة 91 من الدستور ، من أنه «قبل أن يتولى عضو مجلس الأمة أعماله في المجلس أو لجانه ، يؤدي أمام المجلس في جلسة علنية اليمين الآتية : أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق.. وإذا كان «الذود عن حريات
الشعب ومصالحه وأمواله» مسؤولية كل عضو من أعضاء البرلمان ، طبقا للقسم الذي يؤديه ، فإن مسؤولية رئيس المجلس ، من باب أولى ، أكبر وأشد. ولذلك يبدو مستغربا ومستنكرا أيضا أن يعلن الرئيس عن وجود نواب «يصرحون بأجر ، ويستجوبون بأجر» ، ولا يقوم بواجبه في حماية «مصالح الشعب وأمواله» ، و«الذود عنها» ، بالإبلاغ عمن يرى أنهم «متورطون» في اقتراف تلك الجريمة ، والذين أوحت تصريحاته بأنهم معلومون لديه بالاسم والصفة .. فكيف يتستر على ما يعد في نظر الدستور والقانون والعرف السياسي والبرلماني «جريمة كبرى» ، بأن يكون عضو المجلس «مرتشيا» و«أداة» لتنفيذ أجندة آخرين ، ولا يقوم بإبلاغ النيابة العامة عنهم ، إيمانا منه أيضا بالمادة 17 من الدستور التي تقرر أن «للأموال العامة حرمة ، وحمايتها واجبة على كل مواطن» ، فكيف إذا كان هذا المواطن هو رئيس السلطة التشريعية ؟! وهل يليق بمن كان هذا منصبه أن يوصف – قانونا – بـ «التستر على جريمة الرشوة وخيانة أمانة تمثيل الأمة» .
لا شك أن رئيس المجلس يعدا مقصرا ، ومخلا إخلالا شديدا في القيام بواجبات منصبه ، إذا تغاضى عن مثل تلك الجريمة ، وفي هذه الحالة فإنه تنبغي محاسبته هو على التفريط في أداء الأمانة التي يحملها ، ليس فقط التزاما بالدستور ، واحتراما للقانون ، بل وأيضا امتثالا لشريعتنا الغراء ، ولقول الله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» .