
> سنغافورة وماليزيا وكوريا التي استشهد بها كنماذج للتقدم لم تنشغل برلماناتها بالجري وراء استبيانات نتائجها معروفة سلفا
بعد نحو شهر من بداية الإعلان عن إجراء استطلاع عن أولويات مجلس الأمة ، كشف رئيس المجلس مرزوق الغانم أمس عن أهم نتائج الاستطلاع ، وكما كان متوقعا فلم تخرج هذه النتائج عما يعرفه الجميع ، وهو ما أكدنا عليه منذ قرر مكتب المجلس إجراء استطلاعه.
لم يكن «تنجيما» إذن أو «رجما بالغيب» حين ذكرنا وذكر غيرنا أن الأولويات التي سينتهي إليها الاستطلاع لن تخرج عما توصلت إليه دراسات واستبيانات عديدة ، طوال السنوات الماضية ، توصلت إلى النتيجة ذاتها ، وهي النتيجة التي لن تخرج عنها أي استطلاعات أخرى قد تجرى خلال السنوات المقبلة ، ذلك أن قضايانا معروفة ومحفوظة ، وهي «الإسكان والصحة والتعليم والقروض وقضايا المرأة» – كما هو معلوم ، وكما بين الاستطلاع الأخير أيضا - فماذا سيضيف إليها ألف استطلاع جديد ؟!
ومن ثم فإن رئيس المجلس مرزوق الغانم بعدما شغل البلاد والعباد بقضية اتهامه لبعض زملائه النواب بـ «الرشوة» مقابل إدلائهم بتصريحات صحافية معينة ، أو تقديمهم استجوابات إلى بعض الوزراء ، خرج على الرأي العام بموضوع الاستطلاع هذا الذي بدد من خلاله جهد و وقت المجلس فيما لا طائل من ورائه ، وحصيلته معروفة سلفا للكافة . ولا معنى أيضا لتخصيص اجتماعات مشتركة بين المجلس والحكومة ، لمناقشة تلك الأولويات ، لأن ذلك يعيدنا إلى المربع الأول الذي سئم المواطنون الوقوف عنده طويلا ، ويريدون الآن الانتقال منه ، وإحداث حراك حقيقي «ينفع الناس ويمكث في الأرض» .
ما تحتاج إليه الكويت بحق هو وضع الحلول العاجلة والناجعة لقضايا الإسكان والصحة والتعليم والقروض وقضايا المرأة ، وليس إثارة المزيد من الجدل حول ما إذا كانت تلك هي أولوياتنا ، أم أن هناك قضايا أخرى تسبقها في الأولوية . عرفنا الآن أنها هذه هي أولويات الكويت ، فماذا أنتم صانعون ؟ هذا الميدان يا حميدان ، كما يقول المثل ، فأرونا الجهد الحقيقي المنشود من أجل تلبية مطالب الكويتيين ، والتخفيف من همومهم الإسكانية والصحية والتعليمية وغيرها .
لم تكن الكويت بحاجة إلى استطلاعات جديدة ، وما قاله رئيس مجلس الأمة في مؤتمره الصحافي أمس صحيح تماما ولا يخالفه فيه أحد ، خصوصا حين أوضح أن «الجميع يعلم ويعرف أن مشاكلنا كثيرة ومطالبنا أكثر ، لكن المنطق يفرض علينا أن نكون واقعيين ، لأن طموحاتنا كثيرة وتفوق جهازنا التنفيذي بمراحل ، ولا سبيل لحل كل المشاكل وتحقيق كل المطالب في آن واحد» ، وأنه «بمراجعة تجارب دول العالم الثالث التي تقدمت وحققت انجازات مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية ، لاحظنا أن أحد أهم ركائز النجاح كان في التركيز وتجزئة القضايا ، حسب القدرات المتوفرة ، وتقسيم العمل إلى مراحل ومحطات واضحة» ، لكن هذا الاستشهاد «الجيد» بالفعل يتناقض تماما مع إهدار الجهد وتضييع الوقت في الجري وراء استطلاعات تهدف إلى معرفة أولوياتنا .. وليت السيد رئيس المجلس يتذكر أيضا أن دولا مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية التي استشهد بها في هذا الصدد ، لم تصرف برلماناتها جل وقتها وجهدها في تحديد أولويات دولها ، ببساطة لأن السلطة التشريعية في أي بلد – كما السلطة التنفيذية – تعرف بالضبط ما هي الأولويات المطلوبة معالجتها .. أما الدول التي تتقدم وتنجز وتحقق طموحات شعوبها ، فهي التي تذهب مباشرة – وعبر عمل وتعاون السلطتين – إلى إنجاز تلك الأولويات ، من دون تردد أو كثير كلام .