
كتب د. بركات عوض الهديبان
تمثل القمة العربية - الإفريقية الثالثة التي تحتضنها الكويت بعد غد الثلاثاء ، نقطة فاصلة وبالغة الأهمية في مستقبل التعاون بين الدول العربية ودول القارة الإفريقية ، وهو ما أدركه بوضوح القادة العرب والأفارقة ، ولذلك جاء اختيارهم للعنوان الذي ستعقد القمة في إطاره وهو «شركاء في التنمية والاستثمار» .
وهي نقطة فاصلة لأسباب كثيرة ، منها أنها تأتي عقب التطورات الخطيرة التي شهدتها المنطقة أخيرا ، خصوصا الدول التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي ، والإخفاق الرهيب الذي واجهته هذه البلدان ، متمثلا في حالة الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وغياب الأمن والاستقرار ، وكأنما جاءت تلك الثورات لتصدر لشعوبها الفقر والبطالة والشقاق ، ولتفجر الصراعات السياسية، بما يهدد بتقسيم بعضها ، وتمزقها مناطقيا وطائفيا وعرقيا . ولا بد أن نشير هنا إلى أن صاحب السمو الأمير كان يستشرف هذا المستقبل ، وقد لمسنا ذلك جيدا خلال اللقاءات التي كان يعقدها سموه برؤساء تحرير الصحف المحلية ، وكانت إشارات سموه واضحة بخطورة ما يحدث وتأثيره السلبي ، ليس فقط على دول الربيع العربي وحدها ، بل على المنطقة بأسرها .
كما أن القمة تأتي أيضا لتشكل اتصالا وتواصلا مع ما سبقها من مؤتمرات وفعاليات استضافتها الكويت ، أو تصدرت الدعوة لانعقادها ، ومنها القمة الاقتصادية العربية التي عقدت بالكويت ، وكان سمو الأمير هو صاحب فكرة هذا النوع من القمم ، وكذلك المؤتمر الأول للمانحين للشعب السوري ، والذي سيليه مؤتمر ثان مماثل تستضيفه الكويت أيضا خلال الفترة المقبلة ، وكذلك مؤتمر المانحين لتنمية شرق السودان ، وكلها فعاليات كرست الدور الكويتي الإقليمي والعالمي .
وليس خافيا أن دولة الكويت لعبت دورا كبيرا في تفعيل التوجه الهادف إلى جعل المنحى الاقتصادي والتنموي هو الأساس في القمم العربية الإفريقية ، بهدف الخروج من أسر القضايا السياسية ، وما تجره من خلافات وتباينات تهدد كل الكيانات التي تسعى لتمتين أواصرها ، وتعزيز مجالات التعاون فيما بينها . وفي اعتقادنا أن الدبلوماسية الكويتية التي رسم معالمها ويقودها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ، استفادت في هذا الصدد من التوجه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي ، والذي يمكن تلخيصه في عبارة واحدة ذات دلالات مهمة ، وهي «قليل من السياسة ، كثير من الاقتصاد» .
إن هذا التقدير الكبير لقائد مسيرة الكويت صاحب السمو الأمير، وراءه تاريخ حافل بالعمل السياسي والدبلوماسي ، لصالح الدول العربية ، ودول العالم الثالث بشكل عام ، خصوصا في القارتين الآسيوية والإفريقية.. تشهد بذلك جهوده الطيبة ومساعيه الخيرة التي أسهم من خلالها في معالجة الكثير من الأزمات والمشكلات في المنطقة ، ويشهد به أيضا ما يقوم به الصندوق الكويتي للتنمية من جهد جبار في دعم الكثير من الدول النامية ، من خلال المساعدات والقروض الميسرة التي يمنحها لها ، والتي أسهمت بنصيب وافر في تنمية هذه البلدان .
وإذا كانت الكويت قد أتمت استعداداتها لاستقبال القادة والزعماء العرب والأفارقة ، فإن إنجاح هذه القمة ليس فقط مسؤولية المؤسسات الرسمية للدولة ، بل هي أيضا مسؤولية منوطة بكل مواطن كويتي ، ومن فضل الله علينا أننا – نحن الكويتيين – نشعر بعظم هذه الأمانة الملقاة على كواهلنا ، لإيماننا بأن قائد ركب نهضتنا صاحب السمو الأمير يسعى لوضع الكويت على خارطة الدول المتقدمة ، والجديرة بأن تأخذ مكانها ومكانتها في الصفوف الأولى من ركب التقدم والتحضر العالمي ، ولإيماننا أيضا بأن هذه المؤتمرات ليست فقط لمصلحة الكويت ، وإنما لمصلحة الأمة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموما ، وأن الكويت تكسب كل يوم أرضا جديدة ، سواء باتجاه تحقيق الرغبة السامية في أن تصبح مركزا ماليا وتجاريا إقليميا ودوليا ، أو باتجاه قيادة الإنسانية إلى المزيد من الأمن والاستقرار والخير والسلام .