
لا تزال منطقة الشرق الأوسط ترتج إثر «الزلزال» السياسي الذي أحدثه إعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن دعوة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لزيارة المملكة والإعراب عن رغبة الرياض في إعادة التواصل مع طهران، فيما أكد عدد كبير من المراقبين أهمية الدور الكبير الذي لعبته الكويت فى مد الجسور بين الرياض وطهران، والذي استمر في تقدير بعضهم خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة، وهى الفترة التى استقبلت فيها طهران سفيرا سعوديا جديدا، تناقلت الصحف ووكالات الانباء نبأ اجتماعه مع الشيخ هاشمى رفسنجانى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذى يرتبط بعلاقة خاصة مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، حيث أبرزت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية وقتها تصريحات رفسنجانى وكذلك تعليق المتحدث باسم الحكومة الذى ركز على أهمية العلاقة بين طهران والرياض، فى اشارة ضمنية الى ما تمثله الاولى عند الشيعة وما تمثله الثانية فى عالم اهل السنة.
ويوضح المراقبون السياسيون أيضا أن الدور الكويتي، والذي ينطلق من كونها تترأس الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، كما تترأس الدورة الحالية للقمة العربية، لا يقتصر على التقريب بين السعودية وإيران، بل أيضا يسهم في تدعيم أركان البيت الخليجي، وقد نجحت الكويت وسلطنة عمان في إعادة المياه إلى مجاريها بين كل من السعودية والإمارات والبحرين من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، كما تسعى الكويت أيضا إلى مد جسور التواصل بين قطر ومصر، وإزالة أسباب سوء التفاهم بين البلدين، مشيرين إلى أن المساعي قطعت شوطا مهما في هذا الصدد، وربما تشهد خطوة كبيرة على طريق استعادة العلاقات كما كانت من قبل، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المصرية .
ومع ذلك فقد تفاوتت التقديرات بصورة كبيرة تجاه الدعوة السعودية لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لزيارة المملكة والإعراب عن رغبة الرياض في إعادة التواصل مع طهران، إذ نفت الخارجية الأمريكية علمها بالقضية، رافضة التعليق عليها، في حين توقع محللون أن تكون المباحثات بحال حصولها بداية للاتفاق، أو للمواجهة.
وقالت جين بساكي الناطقة باسم الخارجية الأمريكية: «لقد رأيت التقارير حول هذه القضية، ولكن ليس لدي تعليق محدد، كان هناك تقارير مشابهة في الماضي، وعلينا الانتظار لرؤية ما سيحصل.»
ونفت بساكي أن تكون واشنطن قد لعبت دورا في تخفيف حدة التوتر بين السعودية وإيران، كما نفت علمها بإمكانية أن يؤثر هذا النوع من اللقاءات على المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، رافضة تقديم المزيد من التفاصيل أو «التكهنات» حول مستقبل هذا الملف.
أما في طهران، فقد قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، بعد اجتماع مجلس الوزراء الإيراني، إن الحكومة «تسعى إلى تطوير العلاقات مع دول الجوار، وبما أن تعزيز العلاقات وأواصر حسن الجوار مع المملكة العربية السعودية سيكون لصالح المنطقة، فإن الحكومة عازمة على تطوير العلاقات مع السعودية لخدمة مصالح البلدين».
كان التطور الأخير المهم قد ورد فى ثنايا الكلمة التى القاها وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، فى افتتاح الدورة الاولى لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربى مع دول اسيا الوسطى واذربيجان، وهو ما رأى فيه بعض الخبراء والمتخصصين رمزية لعقد هذا المنتدى فى الرياض وتوجهه الى آسيا الوسطى، خصوصا لجهة الدور الذى تتطلع المملكة للقيام به فى دول المحيط .
ويشير هؤلاء الخبراء أيضا إلى أنه لا يمكن تجاهل أن السعودية ظلت طوال السنوات التى خلت تقود المحور المناوئ لإيران فى العالم العربى. ولئن بدا الامر مفاجئا لنا إلا انه ليس كذلك بالنسبة لأطرافه،
ويلفت البعض أيضا إلى احتمال أن يفتح التقارب السعودى مع ايران الباب لاستقطاب فى المنطقة يواجه التقارب او التحالف القطرى التركى، مشددين كذلك على محاولة السعودية الاطمئنان الى أن التفاهمات بين الولايات المتحدة وايران التى جرت فى سلطنة عمان العام الماضى لن تكون على حساب منطقة الخليج، ورجحوا أن هذه الرسالة تلقتها الرياض اثناء زيارة الرئيس الأمريكى للرياض التى تمت فى شهر مارس الماضى، وأكدتها زيارات المسئولين الأمريكيين الآخرين الذين كان فى مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع.
ويتوقع محللون سياسيون أن تكون هناك ثلاثة ملفات مهمة حاضرة فى لقاء الامير سعود الفيصل مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أولها : ملف العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران، والثانى: يخص علاقات ايران بمنطقة الخليج، والثالث: يتعلق بالدور الإيرانى فى سوريا ولبنان والعراق والبحرين، وهى الدول التى تحتفظ طهران بنفوذ قوى فيها، فى حين انها تحتل اهمية خاصة فى الدبلوماسية السعودية، وتعتبرها المملكة وثيقة الصلة بأمنها القومى. ويبدو أن الملف الاخير كان المحرك الاساسى للدعوة التى وجهتها السعودية لوزير خارجية ايران. ذلك أن التفاهم مع إيران بات ضروريا فى مسعى الحل السياسى للأزمة السورية، وفى انتخاب الرئيس اللبنانى الجديد، وفى تخفيف التوتر بين بغداد والرياض إثر تصريحات السيد نورى المالكى الاخيرة التى هاجم فيها السعودية. كما أن ذلك التفاهم مطلوب لتهدئة الموقف المحتقن فى البحرين، وقد يتطرق الى علاقة ايران بالحوثيين ودعم الانفصاليين فى اليمن.
من جهته اعتبر المحلل السياسي في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط « سايمون هندرسون أنه من السابق لأوانه القول أن تخفف المملكة من نهجها المتشدد تجاه إيران، خاصة بعد الاستعراض العسكري غير المسبوق الذي أقامته في 29 أبريل والذي عرضت خلاله صواريخ صينية الصنع قادرة على ضرب طهران، كانت بكين قد زودتها لطهران، وهي إشارة أعقبت أكبر مناورات عسكرية في تاريخ السعودية، شارك فيها 130,000 شخص.
أما الكاتب والمحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي فبدا غير متفائل باحتمالات نجاح المفاوضات السعودية - الإيرانية المرتقبة، رغم أنه توقع «أن يصل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني نفسه إلى جدة، وليس فقط وزير الخارجية محمد ظريف الذي دعاه نظيره السعودي وللمرة الأولى إلى زيارة الرياض، ويلتقي بخادم الحرمين الشريفين، ويجددان حديث الصداقة والود الذي كسرا به الجليد في التسعينات بين المملكة وإيران، فترتفع المعنويات، وتتفاءل سوق النفط، مؤملاً بأن الشرق الأوسط يمضي أخيراً إلى انفراجة حقيقية بين الخصمين، زعيمي العالم السني ونظيره الشيعي»، غير أنه يستدرك بالقول : «ولكن ستفشل المفاوضات حتماً، وسنعود إلى حربنا الباردة أو ما هو أسوأ من ذلك، فور ما يطرح الملف السوري، إلا إذا تغير موقف طهران، وباتت مستعدة للتعاون مع الرياض والعالم، لبناء سورية جديدة بعيدة من بشار الأسد».
يضيف خاشوقجي أن «السعودية ترى أن سورية ساحة المعركة الأساسية مع إيران، حيث تجرأت فيها، واقتحمت العمق الاستراتيجي السعودي، وأن الساحات الأخرى محسومة مسبقاً، كالبحرين التي حسمت فيها الرياض المعركة قبل أن تبدأ، وكذلك اليمن التي وعلى رغم الوقاحة الإيرانية بتدخلها هناك ودعمها للحوثيين، والذي أضر أكثر بالشعب اليمني الباحث عن استقرار، لا ترقى إلى السيطرة الكاملة على النظام مثلما حصل في سورية، التي تحول نظامها إلى مجرد تابع لطهران التي تقاتل بالنيابة عنه وتحميه، ولو انتصر واستتب له الأمر فسيكبل هو وبلده «قلب العروبة النابض» باتفاقات تجعله ولبنان والعراق تابعين تماماً للولي الفقيه، ونظامه في طهران.
وأكد أن «السعودية لن تقبل أبداً بسيناريو كارثي أسود كهذا، مضاد للتاريخ ومصالحها الاستراتيجية معاً، ولا بما تعتقده إيران أمراً واقعاً تحقق في سورية، فهي لا ترى أن بشار انتصر، ولا أن المعركة حسمت، بل إنها لا تملك أصلاً وقف أو تعديل مسار الثورة السورية لأنها لم تصنعها. هي مجرد صديق من حسن حظه أنه يقف في سورية في الجانب الصحيح من التاريخ».
وهناك من يرى أنه خلال المرحلة الحالية سيكون مقبولاً «تفاوض ما» مع الإيرانيين، باعتبار أن هؤلاء الأخيرين لديهم أفكار إيجابية، «ولكنهم يفاوضون بطريقة الإسرائيليين، الذين يصادرون بالبند الأخير كل ما تنازلوا عنه في البنود السابقة»، مشيرن إلى أن طهران لديها مجموعة من الشروط لإنهاء الصراع السوري، أبرزها : الحفاظ على وحدة سورية وسلامة أراضيها، وعلى مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك الجيش والخدمة المدنية، وإشراك جميع الأطراف السورية المهمة في العملية السياسية، والقبول بحق الغالبية في الحكم، مع حماية حقوق الأقليات، ورفض أن تكون سورية ملاذاً آمناً للإرهاب، ووقف تسليح وتمويل الإرهابيين، ومحاربة «القاعدة» والمتطرفين إقليمياً وعالمياً، وأن يكون للأسد دور في إجراءات بناء الثقة، بما في ذلك التوقف عن إنكار حصول فظائع، و أن يكون للأسد أيضا دور في المرحلة الانتقالية، مع توفير حصانة قانونية للأسد وكبار المسؤولين العلويين، مع حفظ حقهم في تشكيل حزب سياسي جديد.
بدوره أبدى رئيس تحرير جريدة «الوسط» البحرينية ارتياحه لمسألة التقارب السعودي الإيراني، وذكر في مقال افتتاحي للجريدة أنه منذ وصول الشيخ حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية العام الماضي والأعين تتوجه نحو احتمال حدوث تقارب مع المملكة العربية السعودية، وقد كان متوقعاً أن يقوم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة إلى السعودية ضمن أول جولة خليجية له عند تسلمه منصبه، إلا أن تلك الزيارة أُجلت وسط تصاعد التوتر في المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بالوضع السوري.
أضاف أن المراقبين يرون في تصريحات الفيصل «استعداد السعودية لتسوية الخلافات «بما يرضي البلدين» خطوة حاسمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتهدئة الأوضاع في مختلف المناطق الملتهبة والمتوترة»، مؤكدا أن «جميع دول ومواطني المنطقة سيستفيدون من إعادة النظر في الاستراتيجية الإقليمية المتبعة حالياً من قبل البلدين الرئيسيين في المنطقة، على أمل أن تنتج عن ذلك معالجة حكيمة للملفات الحرجة، سعياً إلى إزالة العوارض السيئة للتنافس الإقليمي، واستبداله بنهج تعاوني يعتمد على الثقة المتبادلة والنهج الدبلوماسي المعتدل».