
لم تتوقف تداعيات الأحداث التي تشهدها الساحة العراقية حاليا ، عند حدود الجانبين السياسي والعسكري ، فقد تعدتهما إلى جوانب أخرى بدأت تظهر أخيرا ، أبرزها اضطرار بعض شركات الطيران إلى تجنب المرور فوق المجال الجوي العراقي ، خشية وقوع حوادث خطيرة لطائراتها في الظروف المضطربة الحالية .
في هذا الإطار أعلنت شركة الخطوط الجوية الكويتية تغيير مسار رحلاتها المتجهة من والى أوروبا وأمريكا ، واستبدالها بالطيران فوق الاجواء الايرانية والمصرية ، مرورا بالاجواء السعودية ، ابتداء من أمس الى أن تستقر الاوضاع الامنية في العراق.
وقالت الشركة في بيان صحافي إن هذا الخط الجديد سيزيد من وقت الرحلات ، ما قد يؤدي الى تأخير بعض رحلاتها.
وأكدت أن سلامة ركابها وأمان طائراتها لهما الأولوية القصوى ، ويأتيان فوق كل اعتبار ، مشيرة إلى أنه سيتم تقييم الوضع الأمني في العراق بصورة يومية واتخاذ القرار المناسب بهذا الخصوص.
من جهة أخرى أعلن وزير حقوق الإنسان العراقي محمد شياع السوداني إن مسلحي تنظيم داعش قتلوا 500 على الأقل من الأقلية الإيزيدية في العراق خلال هجوم شنوه في شمال البلاد.
وقال السوداني لـ «رويترز»أمس الأحد إن المسلحين دفنوا بعض الضحايا أحياء، بما في ذلك عدد من النساء والأطفال وأسروا 300 امرأة .
أضاف : «لدينا أدلة قاطعة حصلنا عليها من الإيزيديين الناجين من الموت وكذلك صور لمواقع الجرائم تظهر بصورة لا تقبل الشك أن عصابات داعش قد أعدمت ما لا يقل عن 500 من الإيزيديين بعد دخولها سنجار.»
وبلدة سنجار موطن الإيزيديين منذ القدم وسيطر عليها المقاتلون السنة الذين يصفون الإيزيديين بأنهم «عبدة الشيطان».
وأوضح السوداني أن «بعض الضحايا ومن ضمنهم نساء وأطفال دفنوا أحياء في مقابر جماعية متفرقة ، في منطقة سنجار وأطرافها.»
واضطر عشرات الآلاف من الإيزيديين والمسيحيين إلى الفرار مع تقدم التنظيم -الذي أعلن قيام خلافة في أجزاء من العراق وسوريا - إلى مسافة 30 دقيقة بالسيارة من أربيل عاصمة إقليم كردستان بشمال العراق.
ويتفرق الإيزيديون وهم أتباع ديانة قديمة انبثقت عن الزرادشتية في أنحاء شمال العراق، وهم جزء من الأقلية الكردية في البلاد.
وانقضت ظهر أمس مهلة منحها التنظيم حتى تعتنق 300 أسرة إيزيدية الإسلام أو تواجه القتل على يد التنظيم. ولم يتضح على الفور ما إذا كان الوزير يتحدث عن مصير هذه الأسر أم عن مصير آخرين.
وخلال تقدمه الأخير الأسبوع الماضي ألحق التنظيم الذي اجتاح شمال العراق في يونيو الهزيمة بالأكراد ، ليسيطر على عدة بلدات وحقل نفطي خامس وأكبر سد في العراق، مما يكسبه القدرة على إغراق مدن وقطع إمدادات المياه والكهرباء.
في سياق متصل أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والمرشحة المحتملة لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، أن الصعود الكبير لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش» يعود الى الفشل الغربي في مساعدة ثوار سوريا، وهو الأمر ذاته الذي قاله رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير قبل أسابيع عندما تحدث عن أن الفشل في سوريا هو الذي أوجد «داعش» وليس غزو العراق في العام 2003.
وقالت كلينتون في تصريحات نشرتها وسائل إعلام أمريكية إن الرئيس باراك أوباما لطالما سخر من فكرة أن التدخل المبكر في سوريا وتسليح المقاتلين الذين يحاربون نظام بشار الأسد سوف يوقف انتشار تنظيم القاعدة والمجموعات المؤيدة له في المنطقة مثل «داعش» وغيرها.
وكشفت أن أوباما قال لها في لقاء بشهر فبراير الماضي: «عندما يكون لدينا جيش مهني ومحترف.. ويكون ثمة قتال ضد مزارع ونجار ومهندس بدؤوا كمحتجين ثم وجدوا أنفسهم فجأة وسط حرب أهلية، وهو الوضع في سوريا، فانه لا يوجد طريقة يمكن من خلالها للقوات الأمريكية أن تغير من المعادلة على الأرض».
وبحسب موقع «The Atlantic» الأمريكي فان كلينتون لم تقبل أو توافق على نظرية أوباما بعدم القدرة على تغيير الواقع على الأرض في سوريا، وتصف كلينتون حالياً ما يجري في العراق وسوريا بأنه «نتيجة الفشل الأمريكي، وبسبب قرار إبقاء الولايات المتحدة على الحياد في المرحلة الأولى من ثورة سوريا».
وتتابع : «الفشل في بناء قوات مقاتلة ذات مصداقية من المعارضين لنظام بشار الأسد، تضم الاسلاميين والعلمانيين ومختلف مكونات منطقة الشرق الأوسط، الفشل في ذلك هو الذي أوجد فراغاً، وهو الفراغ الذي ملأه الجهاديون الان».
وتقول كلينتون إن «المرونة والتوسع التي يتمتع بها الارهابيون الاسلاميون توجب على الولايات المتحدة أن تقوم بتطوير استراتيجيتها الشاملة لمواجهتهم»، مشيرة الى أن الصراع مع الارهابيين يشبه الصراع مع الشيوعية في الاتحاد السوفييتي.
وخلال المقابلة دافعت كلينتون بشدة عن اسرائيل وعن رئيس وزرائها بنيامين نتينياهو، وقالت تعقيباً على الحرب ضد غزة «إن نتنياهو فعل ما كان يجب عليه أن يفعله رداً على الصواريخ».
في هذه الأثناء وصل الى العاصمة العراقية بغداد أمس الاحد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وذلك لاجراء مباحثات مع المسؤولين العراقيين حول سبل مواجهة مسلحي «الدولة الاسلامية».
وقال فابيوس في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية العراقي بالوكالة حسين الشهرستاني : إن العراق بحاجة الى حكومة شراكة وطنية لمواجهة مسلحي «الدولة الاسلامية» ، مؤكدا أن على العراقيين أن يشعروا أنهم ممثلون جميعا ليستطيعوا سوية محاربة الارهاب.
يشار إلى أن فابيوس سيتوجه لاحقا إلى إربيل للقاء المسؤولين الأكراد والإشراف على توزيع مساعدات فرنسية إلى النازحين في كردستان.
من جانب آخر، شن الطيران الحربي الأمريكي أربع غارات جديدة على مسلحي تنظيم «الدولة الاسلامية» من اجل الدفاع عن المدنيين شمالي العراق.
وأفادت مصادر محلية كردية نقلا عن شيروان بارزاني مسؤول محور الكوير العسكري بأن «قوات البيشمركة الكردية تمكنت من تحرير بلدة الكوير التي كان تنظيم الدولة الاسلامية قد سيطر عليها بعد انسحاب القوات الكردية منها الأسبوع الماضي».
وأضاف المصدر أن «اشتباكات دارت منذ فجر الاحد بين البيشمركة تساندها طائرات امريكية من جهة ومقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية من جهة أخرى انتهت بانسحاب المسلحين الإسلاميين من البلدة وسيطرة القوات الكردية عليها «.
وتعتبر الكوير من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان ويسكنها خليط من الكرد والعرب وتقع شرق الموصل «40 كم غرب إربيل» وتسيطر عليها قوات البيشمركة الكردية بعد انسحاب الجيش العراقي منها في يونيو الماضي أمام تقدم مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية.
وقالت القيادة الوسطى للجيش الأمريكي إن الطائرات الحربية والطائرات من دون طيار دمرت عربات عسكرية وشاحنة كانت تطلق النيران على المدنيين الايزيديين العالقين في منطقة جبل سنجار.
وفر آلاف من الأقلية الأيزيدية إلى الجبال في ظروف معيشية قاسية هربا من مسلحي «الدولة الاسلامية» بعد أن تمكن هؤلاء من السيطرة على بلدة سنجار منذ نحو أسبوع.
من جانب آخر، قال الأمين العام المساعد لجمعية الهلال الأحمر العراقي محمد الخزاعي لبي بي سي إن 200 فتاة يحتجزهم تنظيم الدولة الإسلامية في مدارس في قضاء سنجار شمال العراق، وان 50 اخريات محتجزات في مركز للشرطة في خانصر في ناحية السنوني في سنجار ايضا.
ورجح الخزاعي أن يكون بين هؤلاء قاصرات.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بلاده ستعمل على كسر الحصار المفروض على هذا الجبل بمساعدة حلفائها الأوروبيين، وكذلك بمشاركة القوات العراقية. ولكنه حذر من أن أي حملة عسكرية للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية ستستغرق شهورا عدة.
والهجمات الامريكية هي الموجة الثالثة في موجات الهجمات التي توجهها القوات الأمريكية الى «الدولة الاسلامية» منذ توجيه أوباما للجيش الامريكي بتنفيذ هذه الغارات.
وكانت الهجمات السابقة قد استهدفت قوات الدولة السلامية التي كانت تهدد الاكراد في مدينة أربيل.
وذكرت القيادة الوسطى للقوات الامريكية في بيان أن «طائرات أمريكية مقاتلة وطائرات يتم توجيهها عن بعد قامت بضرب إحدى حاملتي أفراد مدرعتين «للدولة الإسلامية» كانت تطلق النار على المدنيين الايزيديين قرب سنجار ودمرت المركبة».
وتمثل الضربات الامريكية اول تدخل امريكي مباشر في العمليات العسكرية في العراق منذ الانسحاب الامريكي من هناك عام 2011.