
سيتوقف التاريخ طويلا أمام سيرة ملك المملكة العربية السعودية الراحل المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز ، ويسجل له الكثير من المواقف الوطنية والعروبية والإسلامية والإنسانية أيضا .. ولا نجد في هذا السياق أبلغ ولا أدق من الوصف الذي ذكره عنه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ، حين أكد أن الأمتين العربية والإسلامية «فقدتا قائدا عظيما خدم قضاياهما وأسهم في معالجتها ، وفي توحيد صفوفهما وجمع كلمتهما ، كما كانت له إسهاماته المشهودة على المستوى الدولي في الدعوة إلى الحوار ، وإشاعة الامن والسلام بين دول وشعوب العالم» .
لقد ترك الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله - إرثا حافلا بالأعمال والمنجزات الكبيرة ، على كل الأصعدة ، وقاد المملكة في مرحلة من أدق مراحل التاريخ ، واستطاع أن يجنب بلاده آثار الفتن والأزمات التي اشتعلت نيرانها في الكثير من أنحاء المنطقة ، كما أن له إسهاما كبيرا مع إخوانه من قادة دول مجلس التعاون الخليجي ، في الحد من تداعيات تلك الفتن والأزمات على المنطقة كلها ، والعمل بكل جهد لإخماد نارها ، ومحاصرتها حتى لا يتسع نطاقها ، ويمتد لهيبها إلى كل مكان .
وإذا كان العرب والمسلمون جميعاً يذكرون الخير الكثير للملك الراحل ، فإننا في الكويت نستذكر له أضعاف أضعاف ما يستذكره الآخرون ، فلن ننسى له أبدا أنه وقف يوما مع أخيه المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز ، وسائر إخوانهما الكرام من كبار مسؤولي المملكة وأبناء الأسرة الحاكمة ، ليعلنوا وقفتهم البطولية حقا حين تعرضت الكويت لغزو غادر من جحافل المقبور صدام حسين ، ليطلقوا كلمتهم التي سيسجلها التاريخ بأحرف من نور «إذا ضاعت الكويت ، فقد ضاعت السعودية» ، وترجموا هذا الموقف الرائع عمليا باصطفاف قوات المملكة مع قوات الكويت ، لتتزعم التحالف الدولي في معركة التحرير .
كما أننا ونحن دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي ، لا بد أيضا أن نستذكر للملك عبد الله بن عبد العزيز ، مواقفه الرائدة التي كشفت دوما عن حرصه الشديد على مسيرة هذا المجلس ، ودعوته قبل رحيله بمدة بسيطة للتحول من حالة التعاون إلى حالة «الاتحاد» ، وهي الدعوة التي تدرس الآن باهتمام في أروقة ولجان المجلس ، من أجل وضعها موضع التنفيذ . ونتذكر أيضا كيف قاد مع أخيه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مساعي التصالح بين الأشقاء في مجلس التعاون ، بما مهد الطريق أمام انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة ، وتحقيقها نجاحا كبيرا ، تجلى في القرارات والتوصيات التي صدرت عنها ، والتي تصب جميعها في مصلحة دول وشعوب المجلس ، وتمتين أواصر التعاون والشراكة بينها .
ولن ننسى للملك عبد الله ، كما لن ينسى له العالم كله ، مبادراته العديدة من أجل تكريس السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، كما أن العالم سيظل يتذكر أيضا أنه كان سباقا في الدعوة إلى تفعيل الحوار بين الأديان والثقافات ، وأن السعودية نظمت مؤتمرا دوليا لهذا الغرض، شارك فيه عدد كبير من زعماء العالم وعلمائه ومفكريه ، من كل الأديان والمذاهب المختلفة .
ولأن الأمم الحية تواصل مسيرتها ، ولا يصيبها العجز أو الوهن حتى لو ألمت بها الخطوب والأحزان ، فإننا على يقين من أن السعودية سوف تستكمل مسيرة العمل والبناء ، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، وبمعاونة من أخيه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ، وسائر إخوانهما الكرام ، لتظل المملكة الشقيقة قائدة ورائدة في منطقتها ، خادمة للإسلام والمسلمين ، ومعلية لراية الدين الحنيف وشريعته الغراء ، ونموذجا يحتذى في العمل والبناء والتنمية ، وترسيخ الأمن والاستقرار .