
لم يكن وزير النفط ووزير الكهرباء والماء بخيت الرشيدي قد أكمل المئة يوم في منصبه ، حين تصدى للاستجواب الذي قدمه إليه النائبان عمر الطبطبائي وعبد الوهاب البابطين ، الثلاثاء الماضي .. ومع ذلك فقد رفض الرجل الهروب من مسؤولياته ، وقرر أن يصعد المنصة لمواجهة مستجوبيْه ، وقدم مرافعة ضافية ، يجمع كل من استمع إليها أو قرأها ، أنها كنت كفيلة – لو كنا نلتزم بالأعراف الديمقراطية الصحيحة – بأن يرفع له المستجوبان عقاليهما ، تحية له واعترافا بأن مرافعته تستحق التقدير بالفعل ، وأنهما يكتفيان بما ورد فيها من ردود ، دون حاجة إلى تقديم طلب بطرح الثقة في الوزير .
مرافعة الوزير الرشيدي أتاحت لمجلس الأمة وللشعب الكويتي كله ، رؤية حجم الإنجازات المتحققة في القطاع النفطي ، والتي يجهلها الكثيرون ، ومما كشفه في هذا الصدد – على سبيل المثال - أن مشروع الوقود البيئي النظيف سيتم تشغيله في شهر يونيو المقبل ، وأن نسبة إنجاز المشروع بلغت حتى نهاية مارس الماضي 94 في المئة ، وسيتم تشغيله في شهر يونيو 2018 ، وليس كما ذكره النائبان المستجوبان في عام 2021» ، وتأكيده ان هذا المشروع من أكبر مشاريع التكرير في العالم ، وسينتج منتجات بمواصفات عالمية ، بما ينقل المنشآت النفطية الكويتية إلى مقدمة شركات التكرير في العالم ، فضلا عن أن المشروع ذاته أوجد فرصا وظيفية للشباب الكويتي ، حيث تم توظيف 537 كويتيا حتى الآن في الشركة ، وسيتبع ذلك توظيف مجموعة أخرى من الشباب الكويتي في مرحلة التشغيل .
ومن الأمور المهمة التي تضمنتها مرافعة وزير النفط أيضا ، أنه تم استكمال بناء مصفاة فيتنام وتشغيل الوحدات المساندة للمصفاة التي تعد أحد أهم مشاريع التكرير في قارة آسيا ، وأن «شحن النفط الكويتي إلى مصفاة فيتنام قبل التشغيل أمر طبيعي ، وحقق أرباحا للمشروع بمبلغ 50 مليون دولار» ، وغير ذلك من المزايا الكثيرة التي عددها لهذا المشروع ، بما يجعله واحدا من «مشاريع المستقبل» بالنسبة للكويت .
كما فندت ردود الوزير كل الاتهامات الواردة في صحيفة الاستجواب ، بشأن بالدخول في مشاريع استثمارية اعتبرها النائبان المستجوبان «خاسرة» ، و»اتخاذ قرارات استراتيجية متضاربة ذات تكلفة باهظة على المال العام» ، بتأكيده أن المجلس الأعلى للبترول وجه بدراسة إعادة هيكلة القطاع النفطي ، وأن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها الأولية ، وإعلانه أن «شركة «كيبك» قائمة ولم يتم إلغاء كيانها» – كما ذكر المستجوبان - وإشارته إلى أن الشركة تعمل في مجال الاستكشاف والإنتاج ، وقد حققت أرباحا ، لكنه كان في الوقت نفسه من الأمانة، بحيث يشير إلى أنه «ليس كل مشاريعها ناجحة».
على هذ النحو مضت ردود وزير النفط ، لتقديم تفنيد شامل وواضح لجميع ما ورد في صحيفة الاستجواب من ملاحظات أو ادعاء بوجود تجاوزات ومخالفات مالية وإدارية ، بحيث ينتهي من يتابع هذه المناقشة إلى جملة من النتائج المهمة ، والتي تستحق التوقف عندها .
أولى هذه النتائج : اننا أمام واحد من أفضل وأقوى الوزراء الذين تولوا حقيبة النفط . ونعتقد أن هذا الرأي ليس رأينا ، بل يشترك فيه الكثيرون ، ويكادون يجمعون عليه .
وثانيتها : أنه عندما يتولى حقيبة النفط واحد من أبناء القطاع النفطي ، فإنه يكون أدرى بإمكانات هذا القطاع واحتياجاته ، ومتطلبات العمل فيه ، وظروف العاملين به .. وقد تجلى هذا بوضوح شديد خلال مناقشة الاستجواب ، وهو ما يؤكد الحقيقة التي يعرفها الكافة ، وهي أن «أهل مكة أدرى بشعابها» .
والثالثة : أن رجل الدولة حين يعمل بجد وإخلاص ، وفي الوقت ذاته بوعي وفهم ، فإنه لا يضيره مطلقا أن يتعرض للمساءلة البرلمانية ، مادام يمتلك أدواته والقدرة على مواجهة كل يوجه إليه من اتهامات ، وتفنيدها والرد عليها .
يبقى أن نتوقف أمام ما أشار إليه الرشيدي أيضا في نهاية استجوابه ، عندما أكد « التزامه بتطبيق القانون والعمل وفق اللوائح والنظم ، وحرصه على الأموال العامة وعدم التفريط بها» ، وقوله أيضا « لقد آليت على نفسي منذ دخولي الحكومة ، العمل على الإصلاح ما استطعت ، والالتزام بالدستور والقانون ، والتعاون مع المجلس ، إيمانا بمبادئ الشراكة في تحمل مسؤولية الإصلاح». وحين نضع هذا الكلام موضع التطبيق ، نجد أن الرجل صادق كل الصدق في ما قاله ، ولنا أن نتساءل بعدها : ما الذي يمكن أن يكون مطلوبا منه أكثر من ذلك .
لقد ذكر هو نفسه أن الاستجواب «بني على ملاحظات ، ولم يقم على أية مخالفات ، مع أن الفرق بينهما كبير سواء من حيث السند أو من حيث الأثر القانوني» .. وهذا كلام بالغ الأهمية من الناحيتين الدستورية والقانونية . إن أخشى ما نخشاه أن تكرس مثل هذه الممارسات البرلمانية ، واقعا مريرا ندعو منذ سنوات إلى تغييره ، وهو أن الوزير العامل المجد والمخلص ، والواعي تماما بما يعمل ، والقادر بحق على تحقيق الإصلاح ، تتم – مع الأسف – ملاحقته بالاستجوابات والتصعيد السياسي ضده . ولو استمر هذا الواقع المؤسف ، فإننا لن نجد أحدا من هؤلاء الجادين المخلصين والإصلاحيين ، يستمر في موقعه ، وفي ذلك ما فيه من تنفير للناس من الديمقراطية ، وإهدار لكل القيم السياسية المحترمة والنبيلة .
أخيرا فإن الكويتيين يراهنون على أن أغلبية مجلس الأمة ، قادرة على الفرز والتمييز ، وتعرف جيدا من عمل عمل وأعطى وقدم الكثير لبلده وشعبه ، ومن يسعى لمجرد الظهور أو التكسب الانتخابي ، وفي النهاية فإنه «لا يصح إلا الصحيح» .