
عواصم – «وكالات» : بدت منطقة الخليج خلال الساعات الماضية ، وكأنها فوق بركان يغلي ، وذلك في أعقاب اغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زادة ، والذي فارق الحياة في المستشفى، بعدما هاجم مسلحون سيارته في منطقة أبسارد، خارج العاصمة طهران ، والتهديدات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون بتوجيه «رد مزلزل» على الجريمة ، متهمين إسرائيل وأمريكا بالوقوف وراءها ، فيما هدد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب بدوره ، بانتقام فوري وساحق، إذا قُتل أي أمريكي في العراق.
في هذا السياق ندد المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، باغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين. وحث السلطات الإيرانية، في تغريدة على موقع تويتر، على «المتابعة الجادة لهذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها ومن أمر بها».
ويعتقد أن عملية الاغتيال ربما حازت على دعم أمريكي. فمن المعروف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فكر في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في وقت سابق من الشهر الجاري .
وخرجت احتجاجات غاضبة في شوارع طهران، منددة بالحادث ومطالبة «بالرد السريع.»
واتهم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إسرائيل باغتيال فخري زادة ، مؤكدا في الوقت ذاته أن ذلك «لن يبطئ برنامج إيران النووي.»
وقال إن بلاده سترد «في الوقت المناسب»، لكن مقتل فخري زادة «لن يدفع إيران إلى اتخاذ قرارات متسرعة.»
أضاف روحاني، في اجتماع لمجلس الوزراء نقله التلفزيون الرسمي، إنه «يجب أن يعلم أعداء إيران أن الشعب الإيراني والمسؤولين أكثر شجاعة من ترك هذا العمل الإجرامي دون رد».
وأكد أنه «في الوقت المناسب سيحاسبون على هذه الجريمة».
وعززت إسرائيل الإجراءات الأمنية في سفاراتها حول العالم بعد اتهام إيران لها باغتيال فخري زادة.
يأتي ذلك وسط قلق إسرائيلي من انتقام محتمل ، بعد أن هدد العديد من القادة الإيرانيين بالرد، حسبما أفاد موقع صحيفة أورشليم بوست السبت.
وذكر الموقع كذلك أن الجاليات اليهودية أيضا، رفعت مستوى إجراءاتها الأمنية.
وسبق أن قالت إسرائيل إن فخري زادة هو العقل المدبر لما وصفته ببرنامج سري للأسلحة النووية، لكنها لم تعلق على اغتياله.
واتهم وزير الخارجية الإيراني إسرائيل بالوقوف وراء حادث الاغتيال، قائلا إن هناك «مؤشرات جدية على وجود دور إسرائيلي».
ودعا محمد جواد ظريف، المجتمع الدولي إلى «إدانة هذا العمل الذي يمثل إرهاب دولة».
وقال في تغريدة على تويتر»الإرهابيون قتلوا اليوم عالما إيرانيا بارزا».
وكان حسين دهقان، المستشار العسكري لآية الله خامنئي، قد تعهد بأن يضرب كـ «الرعد أولئك الذين يحاولون إشعال حرب شاملة.»
ورفض البيت الأبيض الأمريكي ووزارتا الدفاع «البنتاغون» والخارجية ووكالة المخابرات المركزية «سي آي أيه» التعليق على اغتيال فخري زادة.
وكان الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن قد تعهد بإعادة التواصل مع إيران عندما يتولى مهام منصبه في يناير ، على الرغم من المعارضة الإسرائيلية القوية لذلك.
وقال الرئيس السابق لسي آي إيه، جون برينان، إن مقتل العالم الإيراني عمل «إجرامي» و «طائش للغاية» ويهدد بإشعال الصراع في المنطقة.
وقال في سلسلة تغريدات، إن مقتل فخري زاده «يهدد برد قاتل وجولة جديدة من الصراع الإقليمي».
أضاف برينان أنه لا يعرف «ما إذا كانت حكومة أجنبية قد سمحت بقتل فخري زاده أو نفذته».
وحذّر سفير إيران لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، الولايات المتحدة وإسرائيل من القيام بأي مغامرة ضد بلاده خاصة في الفترة المتبقية لإدارة ترامب، مؤكدا حق ايران «في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبها وأمنها.»
وقال روانجي إن «القتل انتهاك واضح للقانون الدولي، ويهدف إلى إحداث فوضى في المنطقة.»
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجميع على ضبط النفس.
ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إلى ضبط النفس وضرورة تجنب تصعيد التوتر.
وقال إنه من المهم الحفاظ على مجال المفاوضات من أجل حل الخلاف حول طموحات إيران النووية.
ويقول محللون إن ألمانيا ودولا أوروبية أخرى تأمل في أن تعود الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن القادمة إلى الاتفاق الدولي، بعد انسحاب إدارة ترامب منه.
وتعتبر وكالات استخبارات غربية فخري زادة المسؤول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران.
وتفيد تقارير بأن دبلوماسيين يصفونه بأنه «أبو القنبلة الإيرانية».
ويأتي الاغتيال وسط تجدد القلق من زيادة كمية اليورانيوم الذي تخصبه إيران، والذي يعتبر متطلبا لتوليد الطاقة النووية السلمية وكذلك لإنتاج أسلحة نووية.
وتصر إيران على أن برنامجها النووي يخدم أغراضا سلمية فقط.
وكان 4 علماء إيرانيين قد اغتيلوا بين عامي 2004 و2012. واتهمت إيران إسرائيل بالضلوع في عمليات الاغتيال.
وذكر اسم فخري زادة في خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن برنامج إيران النووي في شهر مايو عام 2018.
وقالت وزارة الدفاع الإيرانية، في بيان، الجمعة ، إن «إرهابيين مسلحين استهدفوا سيارة كانت تقل محسن فخري زادة، رئيس منظمة البحث والابتكار بالوزارة».
أضافت : «بعد اشتباك بين الإرهابيين وحراسه أصيب فخري زادة بجروح بالغة وتم نقله الى المستشفى».
وأردفت «لسوء الحظ لم تنجح جهود الفريق الطبي لانقاذه».
وذكرت تقارير إعلامية إيرانية أن المهاجمين فتحوا النار على العالم وهو داخل سيارته.
وكانت وكالة أنباء فارس الإيرانية قد أفادت في وقت سابق بوقوع انفجار في سيارة في بلدة أبسارد، حيث أفاد شهود عيان أن «ثلاثة إلى أربعة أشخاص، قيل إنهم إرهابيون، قتلوا».
لكن لماذا استُهدف فخري زادة ؟
يقول، بول آدمز، مراسل الشؤون الدبلوماسية في «بي بي سي» ، إنه كان من الواضح أن فخري زادة لا يزال لاعبا رئيسيا في المشهد الإيراني، بصفته رئيسا لمنظمة البحث والابتكار بوزارة الدفاع. ومن هنا جاء تحذير بنيامين نتنياهو قبل عامين بـ «تذكر اسمه».
يضيف آدمز أنه منذ أن بدأت إيران في خرق التزاماتها بشروط الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، تحركت البلاد بسرعة، حيث شرعت في زيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب وتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء أعلى من المستوى المسموح به بموجب الاتفاق.
ولا تعتبر إيران ذلك خرقا للاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة ثم أعادت فرض عقوبات قاسية على إيران.
ولطالما قال المسؤولون الإيرانيون إن مثل هذه التحركات يمكن عكسها، لكن التطورات في مجال البحث والتطوير يصعب استئصالها.
وقال سفير إيران السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علي أصغر سلطانية، مؤخرًا: «لا يمكننا العودة إلى الوراء».
ويؤكد آدمز أنه إذا كان محسن فخري زادة هو اللاعب الرئيسي الذي تتحدث عنه إسرائيل، فإن موته قد يمثل محاولة شخص ما لكبح تقدم إيران إلى الأمام.
ويعتقد أن الاغتيال يمكن أن يهدف أيضا إلى تعقيد أي مفاوضات مستقبلية ، خصوصا مع حديث الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، عن إعادة واشنطن إلى الصفقة مع إيران.
وكان فخري زادة يعد أشهر عالم نووي إيراني، وهو مسؤول بارز في الحرس الثوري الإيراني.
ولطالما تحدثت عنه مصادر أمنية غربية على أنه يتمتع بنفوذ كبير ودور أساسي في برنامج إيران النووي.
ووفقاً لوثائق سرية حصلت عليها إسرائيل في عام 2018، أشرف فخري زادة على برنامج لإنتاج أسلحة نووية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إنه حدد فخري زادة على أنه كبير العلماء في البرنامج، وحثّ الناس على «تذكر هذا الاسم».
وفي عام 2018، كشف نتنياهو ما وصف بأنه أرشيف إيران الذري السري.
وفي عام 2015، قارنته صحيفة نيويورك تايمز بالفيزيائي الذي أدار مشروع مانهاتن، روبرت أوبنهايمر، والذي أنتج خلال الحرب العالمية الثانية أول أسلحة ذرية.
ويقال إن فخري زادة، وهو أستاذ للفيزياء، قاد مشروع «عماد»، البرنامج السري المزعوم الذي تأسس في عام 1989 للبحث في إمكانية بناء قنبلة نووية.
وتم إيقافه في عام 2003، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من أن نتنياهو قال إنّ الوثائق التي تم الحصول عليها في عام 2018 أظهرت أن فخري زادة تابع العمل سراً في مشروع «عماد».
ولطالما أرادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحدث إليه في إطار تحقيقاتها في برنامج إيران النووي.
ودفعت الشكوك في أن إيران كانت تستخدم البرنامج كغطاء لتطوير قنبلة نووية، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى فرض عقوبات قاسية جدا على طهران في عام 2010.
وفرض اتفاق عام 2015، الذي توصلت إليه إيران مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، قيودا على أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران لديها الآن أكثر بمقدار 12 مرة من كمية اليورانيوم المخصب التي يُسمح بها بموجب الاتفاق.
وفي غضون ذلك، تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وبلغت ذروتها في يناير مع اغتيال واشنطن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
من جهة أخرى ذكرت قناة «إن 12» الإخبارية الإسرائيلية، أمس السبت، أن إسرائيل رفعت حالة التأهب القصوى في سفاراتها بجميع أنحاء العالم بعد التهديدات الإيرانية بالثأر لمقتل العالم الإيراني النووي البارز محسن فخري زادة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إن الوزارة لا تعلّق على المسائل الأمنية المتعلقة بممثليها في الخارج، وفق «رويترز».
وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، مساء أمس الأول الجمعة، اغتيال رئيس منظمة الأبحاث والإبداع في الوزارة، العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، في منطقة أبسرد الواقعة في مدينة دماوند في محافظة طهران، مشيرة إلى أن المحاولات لم تنجح لإنقاذ حياته بعد إصابته.
ولمّح روحاني إلى أن الردّ لن يكون خلال الفترة الباقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ قال إن بلاده «أذكى من أن تقع في فخ مؤامرات الكيان الصهيوني»، مضيفاً أن «الأعداء يحاولون استغلال هذه الأسابيع أشدّ الاستغلال».
وحول تهديد الرئيس ترامب لإيران فإنه يأتي تزامنًا مع الاتهام الذي وجهته طهران إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قرب طهران الجمعة، وتوعدها بانتقام قاس، ما يوحي بإمكانية استهداف ميليشياتها في المنطقة أهدافًا أميركية، خصوصًا في العراق.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز ، بتعرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لضغوط أميركية لتصعيد الحملة التي تقودها حكومته ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق، والتي استهدفت مواقع دبلوماسية وعسكرية أميركية بالصوراريخ مرات عدة.
وقالت الصحيفة إن مسؤولًا كبيرًا أسرّ لها بأن مستشاري ترمب نصحوه بعدم توجيه أي ضربة استباقية لإيران، لكنه أبلغهم أنه مستعد لإصدار أوامر برد مدمر إذا قُتل أي أميركي في أي هجمات منسوبة إلى إيران.
وهددت واشنطن، التي تخفض ببطء قواتها بالعراق، بإغلاق سفارتها في بغداد إذا لم تتمكن الحكومة العراقية من لجم الفصائل الإيرانية في العراق.