
برزت أمس نذر أزمة جديدة بين النواب والحكومة، على خلفية تصريح لوزير التجارة والصناعة فهد الشريعان، الذي أعلن فيه أن “كل شيء في الكويت متاح للخصخصة، وينبغي أن ينحصر دور الحكومة في التنظيم فقط، وتكون كل الأمور بيد القطاع الخاص”، حيث أكد نواب وجمعيات نفع عام معارضتهم لهذا التوجه، محذرين من تبني الحكومة لهذا النهج، لتأثيره الخطير على مصالح المواطنين ومستوياتهم المعيشية.
تصريح وزير التجارة والصناعة فهد الشريعان، جاء خلال مشاركته أمس في الملتقى الاقتصادي الثاني، الذي ينظمه المعهد العربي للتخطيط، تحت عنوان “نحو نموذج أمثل للخصخصة في دول مجلس التعاون الخليجي”، بمشاركة عدد من المسؤولين والخبراء الاقتصاديين، والذي يستمر الى اليوم الخميس.
وأكد الشريعان ان ما يمر به العالم من متغيرات سياسية واقتصادية، في اعقاب التقلبات الحادة لأسعار النفط، يحتم اتخاذ إجراءات لتعزيز مكانة الاقتصاد عبر برامج اصلاح اقتصادي ومبادرات لتخصيص عدد من القطاعات العامة للدولة.
وأوضح ان برامج الإصلاح الاقتصادي تهدف الى تعزيز المنافسة “وتقديم الأفضل للوطن والمواطنين، وذلك بما يخفض من عبء المصروفات على الموازنة العامة للدولة ويخلق فرص عمل جديدة”.
أضاف ان رؤية الكويت في تعزيز الاستثمار وتحويلها الى مركز مالي وتجاري، تتطلب تشريعات تتماشى مع المتطلبات الدولية وتطبيق معايير الشفافية والحوكمة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة “اذ يعتبر ذلك اهم مقومات التحول الى مركز مالي”.
وشدد الشريعان على ان هناك جهودا كبيرة تبذلها الأجهزة الحكومية المعنية لإصلاح وضع الاقتصاد، بما فيه بحث أفضل السبل لمشاركة اوسع للقطاع الخاص “والخصخصة، وفق أفضل الية ومنهجية هو هدف استراتيجي لدى الحكومة”.
من جانبها قالت وزير التجارة والصناعة الاسبق ورئيسة اللجنة المنظمة للملتقى الدكتورة أماني بورسلي، ان الخصخصة هي أحد الحلول للحد من التضخم المستمر في مؤسسات القطاع العام وارتفاع حجم تكاليفه وانفاقه.
أضافت ان عملية اعادة هيكلة الاقتصاد وتخفيض حجم القطاع العام الذي يتجاوز عدد العاملين فيه 400 الف موظف، تعتبر من اهم ركائز تحقيق رؤية الكويت 2035، مؤكدة ان القطاع الخاص اذا ما أعطي الفرصة فانه قادر على خلق فرص وظيفية لاستيعاب العمالة القادمة الى سوق العمل.
بدوره قال رئيس الجهاز الفني لبرنامج التخصيص الكويتي الشيخ فهد سالم الصباح، ان اكبر تحدٍ يواجه الخصخصة في الكويت هو تضخم اعداد العمالة الوطنية في عدة مؤسسات ومرافق حكومية، وما يرافقه من زيادة كبيرة في تكلفه رأس المال الخاص الراغب في الدخول بعملية الخصخصة، موضحا ان المشرع قام بحل هذه المعضلة من خلال تخيير الموظفين بين البقاء في نفس المؤسسة المراد تخصيصها، او النقل الى جهات عمل حكومية اخرى او الاحالة الى التقاعد.
وأشار الى ان هناك صعوبة في تقييم الأصول الحكومية “فأي تقييم مبالغ فيه لن يجذب القطاع الخاص واي تقييم منخفض سيضر بالمال العام”، مشيرا الى ضرورة تقييم الأصول بكل شفافية ودقة وحيادية قبل الدخول في اي عملية تخصيص.
واستدل رئيس الجهاز الفني لبرنامج التخصيص الشيخ فهد الصباح على عدة أمثلة تخصيص ناجحة في الكويت، اهمها تخصيص شركة الاتصالات المتنقلة التي كانت مملوكة للدولة وكيف أصبحت واحدة من أكبر شركات الاتصالات في المنطقة.
وقال ان عدد الموظفين الكويتيين في قطاع الاتصالات قبل التخصيص لم يتجاوز 500 موظف وشركة واحدة فقط، في حين اتاح التخصيص منافسة في السوق لتصل عدد الشركات الى 3 قامت بخلق اكثر من 2500 فرصة عمل للكويتيين “وهذا دليل على ان الخصخصة السليمة تأتي بنتائج إيجابية على الاقتصاد الكويتي”.
من ناحيتة قال الأمين العام للمجلس الاعلى للتخطيط والتنمية الكويتي الدكتور خالد مهدي، ان مرافق الدولة مسؤولة عن تشغيل 70 الى 80 بالمئة من المشاريع القائمة ما يزيد العبء على الميزانية العامة، موضحا ان هناك حوالي 38 مرفقا حكوميا من الممكن ان يتم تخصيصه وبالتالي تخفيف العبء عن كاهل الدولة ما يؤدي الى زيادة الإنتاجية ورفع مستوى كفاءة تلك المرافق العامة.
من ناحية وعلى صعيد ردود الفعل على تصريح وزير التجارة والصناعة فهد الشريعان، قال النائب فايز الجمهور عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” “الخصخصة في ظل الإدارة الحكومية الفاشلة تعتبر بيع لثروات البلد ... الاخ وزير التجارة أؤكد لك اننا لن نسمح لك ولا لحكومتك ولا لتجاركم الإستيلاء على مقدرات الشعب ولن نجعل أهل الكويت تحت رحمة التجار...إن كنتم عاجزين عن إدارة مرافق الدولة هناك من ابناء الشعب من يحسن ادارتها فلترحلوا”.
بدورها وصفت الحركة التقدمية الكويتية تصريح وزير التجارة فهد الشريعان بأن «كل شيء في الكويت متاح للخصخصة» بالمتناقض مع أحكام الدستور والمخالف لقانون الخصخصة، معتبرة أنه «انحياز طبقي مفضوح لصالح قلة من كبار الرأسماليين الطفيليين، الذين يحاولون الاستحواذ على كل ممتلكات الدولة ومقدراتها وتحويلها إلى ملكية خاصة لهم».
أضافت الحركة في بيان صحافي أن الوزير الشريعان تجاهل ما قررته المادة 20 من الدستور بضرورة التعاون العادل بين القطاعين العام والخاص، التي قضت بأنّ «الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص»، ما يعني عدم جواز تصفية القطاع العام وحظر خصخصته بالكامل، وبالتالي ضرورة الحفاظ على الدور الاقتصادي للدولة، على خلاف ما دعا إليه الوزير في تصريحه.
ودعا البيان الحركة النقابية العمالية والجمعيات المهنية والتيارات السياسية الشعبية والوطنية والديموقراطية والجماعات الشبابية، إلى التصدي ليس فقط لتصريح الوزير، وإنما التصدي للتوجه الحكومي النيوليبرالي الرأسمالي الذي يحاول استباحة أملاك الدولة.