
دمشق – «وكالات»: أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة أمس، وقفاً تاماً لإطلاق النار داخل مدينة السويداء، بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من قبل المجموعات الخارجة عن القانون.
وقال أبو قصرة: «أصدرنا تعليمات صارمة للقوات الموجودة داخل مدينة السويداء بضرورة تأمين الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي، وحماية الممتلكات العامة والخاصة من ضعاف النفوس».
في غضون ذلك، تواصل أمس نزوح العائلات في محافظة السويداء السورية نحو مناطق أكثر أمناً، من بينها الريف الجنوبي، منذ بدء الاشتباكات والمواجهات الدامية التي أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والمصابين.
فقد نزحت مئات العائلات من ريفي السويداء الغربي والشمالي إلى وسط المحافظة الواقعة في الجنوب السوري، بالتزامن مع دخول أرتال عسكرية تابعة لوزارة الدفاع وجهاز الأمن العام إلى المحافظة الحدودية وتوغّلها في عمق المدينة، وسط مقاومة مسلّحة من مجموعات محلية وفصائل عسكرية.
وتوتر الوضع الميداني يوم الأحد الماضي بعد قطع الطريق الواصل بين العاصمة دمشق ومدينة السويداء، والذي يؤمّن غالبية احتياجات سكان المحافظة المعيشية، وقد أدى ذلك إلى شلل في الأسواق، مع فقدان الكثير من المواد الغذائية، وعلى رأسها الخضروات، ما وضع جميع أهالي المحافظة وليس النازحين فقط تحت وطأة الحاجة.
وأدت المواجهات إلى مقتل نحو 30 شخصاً وإصابة أكثر من 100 آخرين، من بينهم نساء وأطفال، ما دفع الجيش السوري وقوات الأمن الداخلي إلى نشر وحدات لفض النزاع والفصل بين الأطراف المتصارعة. لكن تلك الوحدات تعرّضت، صباح الاثنين، لهجوم نفذته مجموعة خارجة عن القانون على أطراف السويداء، ما أدى إلى مقتل 18 من عناصر الجيش، وإصابة آخرين بجروح.
وبداية من مساء الاثنين، نزحت عشرات العائلات من مدينة السويداء باتجاه مدينة صلخد، جنوبي المحافظة، بعد انتشار أنباء عن دخول القوات الحكومية إلى المدينة من الجهة الجنوبية. وأفاد شهود عيان بأن أهالي ريف السويداء الجنوبي استنفروا لاستقبال العائلات النازحة. ويتواصل نزوح آلاف السكان إلى مناطق أكثر أماناً من قرى وبلدات، من بينها «الصورة الكبيرة»، و»حزم»، و»خلخلة» في الريف الشمالي باتجاه مدينة شهبا، فيما غادرت مئات العائلات الشريط الإداري المحاذي لمحافظة درعا المجاورة باتجاه مدينة السويداء.
نزحت السورية سناء حمود من قرية الصورة الكبيرة، وتقول لجريدة «العربي الجديد» التي تصدر في لندن: «كان الرصاص والقذائف ينهمران على القرية كالمطر، وكان مصيرنا مجهولاً في ظل هذه الحال. حملت طفلي الصغير، وهربنا عبر الحقول، ثم تحركت مع نحو 20 امرأة وأطفالهن إلى مدينة شهبا. لا أعرف كيف وصلنا، وقد استضافنا أقرباء لنا. كل ما أذكره هو صرخات الجيران عند سماع أصوات القذائف. زوجي وابني الأكبر قررا البقاء في القرية مع عدد آخر من الشبان للدفاع عن الأرض، لكن قلبي يخفق خوفاً عليهما».
وتُعد هذه المرة الثانية التي ينزح فيها أهالي بلدة «الصورة الكبيرة» خلال فترة لا تزيد عن شهرين ونصف الشهر، وهي أيضاً المرة الثانية التي تتعرض فيها منازلهم للنهب.
ولا تقلّ معاناة النازحين من البدو عن نظرائهم من أبناء الطائفة الدرزية. تقول سنية الخالد، وهي بدوية من منطقة المقوس: «عشت عشرين عاماً في خيمة في البادية الشرقية، لكني لم أشهد يوماً أبشع من يوم الاشتباكات. كانت القذائف وطلقات الرصاص تنهمر من كل مكان، ما اضطرنا إلى ترك أغنامنا، وهي مصدر رزقنا الوحيد، والهروب مع أفراد العائلة، وفي الطريق إلى درعا، رأيت جثثاً ومصابين من البدو ومن جيراننا الدروز. في منزل أصدقائنا الذين يستضيفوننا لا نعاني من العطش أو الجوع، فهم كرماء، لكننا نعاني من قهر الغربة. سمعنا أن وزارة الدفاع دخلت المحافظة لفرض التهدئة، ونتمنى أن يسلّم الجميع أسلحتهم حتى نرتاح من تكرار الاقتتال».
وتؤكد مصادر محلية أن العديد من النساء والأطفال قرروا البقاء في بيوتهم في ريف السويداء الغربي رغم اشتداد حدة الاشتباكات. وأظهر مقطع مصور ضابطاً في الأمن العام يقوم بتأمين خروج عدد من النساء من قرية «الدور»، التي شهدت مقتل امرأة من عائلة الشعراني بعدما رفضت مغادرة منزلها، وقد قُتلت خلال الاشتباكات العنيفة التي دارت في محيط المنازل.
في سياق متصل، بدأ المجتمع المحلي تنظيم حملات تبرع لتجهيز مراكز إيواء في المدارس والجمعيات وأماكن العبادة، ووفرت فرق إغاثية الفُرش، والطعام، والمياه، والأدوية، فيما استنفرت الطواقم الطبية في القرى والبلدات لمساعدة الجرحى من النازحين.
وفي خضم التصعيد العسكري وما نتج عنه من نزوح، برز استنفار منظمات المجتمع الأهلي لاحتواء الأزمة الإنسانية الطارئة، إذ جرى تأسيس مراكز إيواء وتقديم خدمات إغاثية وصحية.