
«كونا»: أحيت الكويت أمس السبت ذكرى الغزو العراقي الغاشم الذي وقع قبل 35 عاما، والذي لم يكن مجرد اعتداء عسكري بل كارثة إنسانية لم تشهد المنطقة لها مثيلا، وكان بداية محنة وطنية هزت وجدان كل مواطن، وتركت في النفوس جرحا لا ينسى، وخلفت أثرا مأساويا في الذاكرة الوطنية والعربية والدولية، وذلك حين اجتاحت قوات النظام العراقي السابق الأراضي الكويتية، في الثاني من أغسطس عام 1990، في اعتداء سافر استهدف الكيان والسيادة، محاولا طمس الهوية الوطنية، ومحو وجود دولة مستقلة، وعضو فاعل في المجتمع الدولي.
وقد سطر الكويتيون منذ اللحظات الأولى أروع صور التلاحم والصلابة الوطنية، فوقفوا في الداخل والخارج صفا واحدا خلف قيادتهم الشرعية، متمسكين بالحق والسيادة، رافضين الخضوع لواقع الاحتلال، ومجسدين وحدة وطنية نادرة، رسمت ملامح ملحمة تاريخية انتهت بتحرير البلاد وعودة الشرعية في 26 فبراير 1991.
وفي هذه الذكرى الأليمة استذكر عدد من الوزراء، بطولات شهداء الكويت الأبرار وتضحياتهم، وبذل الغالي والنفيس من أجل الذود عن تراب الوطن وحفظه من دنس الغاصبين.
وفي هذا الإطار، أكد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، أن الثاني من أغسطس شكل منعطفا تاريخيا عصيبا في مسيرة الوطن، لكنه كشف للعالم مدى تلاحم الكويتيين والتفافهم حول قيادتهم الشرعية، وإيمانهم الراسخ بأن وحدة الصف قادرة على مواجهة أعتى التحديات.
وقال اليوسف في تصريح لـ»كونا»، إن وزارة الداخلية تستذكر في هذه المناسبة بكل فخر واعتزاز ما قدمه رجال الأمن من تضحيات وبطولات في الدفاع عن أمن الوطن، مشيدا بما أبداه أبناء المؤسسة الأمنية من وفاء وإخلاص خلال تلك الحقبة المفصلية.
وابتهل إلى الباري جل وعلا بالدعاء لشهداء الكويت الأبرار مجددا العهد والولاء للقيادة السياسية الحكيمة، ممثلة بصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ صباح الخالد، سائلا المولى عز وجل أن يحفظ الكويت وأهلها، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار في ظل قيادتها الرشيدة.
من جهته أكد وزير الدفاع الشيخ عبد الله العلي، أن ذكرى الغزو ستظل محطة فارقة في تاريخ الكويت وشاهدا على تضحيات أبنائها الأوفياء، وصمودهم خلف قيادتهم الشرعية دفاعا عن الوطن وسيادته.
وقال وزير الدفاع إن «صمود الشعب الكويتي وتضحياته البطولية في مواجهة العدوان الغادر جسدا، صلابة الوحدة الوطنية» مشيدا بالتضحيات الكبيرة التي قام بها شهداء الكويت الأبرار، الذين قدموا دماءهم الزكية فداء للكويت، سائلا المولى عز وجل أن يتغمدهم بواسع رحمته.
وأشار إلى الدور البارز للقيادة السياسية في العمل على تحرير البلاد من براثن الاحتلال، والتلاحم بين القيادة والشعب وتضحيات الشهداء الأبرار وصمود الشعب الكويتي، مبينا أن مساهمة الدول الشقيقة والصديقة كانت الركيزة الأساسية في مواجهة العدوان الغادر وتحرير دولة الكويت.
وأكد العلي أن القوات المسلحة الكويتية تواصل اليوم رفع جاهزيتها وتطوير قدراتها، التزاما بحماية الكويت وصون أمنها واستقرارها، ووفاء لتضحيات شهدائها الأبرار تحت ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد.
بدوره ، أكد وزير الخارجية عبدالله اليحيا أن ذكرى الغزو العراقي الغاشم للكويت في الثاني من أغسطس 1990، ستظل محطة تاريخية تجسد صمود الشعب الكويتي ووحدته ووفاءه لتضحيات الشهداء والاسرى والمفقودين.
وقال اليحيا ان الكويت في هذه الذكرى تجدد الاعتزاز بمواقف الاشقاء والاصدقاء، الذين هبوا لنجدة الحق الكويتي ودعم الشرعية الدولية، حتى عاد الحق الى اصحابه، مشددا على أن ما قدمته قوات التحالف الدولي سيظل محل تقدير وامتنان لدى القيادة والشعب الكويتي.
أضاف ان استذكار هذه المناسبة الاليمة يشكل دافعا لمواصلة العمل من اجل تعزيز الامن والسلام في المنطقة والعالم، مؤكدا التزام الكويت الثابت بنهجها الدبلوماسي، الداعي الى حل النزاعات بالطرق السلمية والاحتكام الى مبادئ القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة.
من ناحيته أكد وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، أن هذه الذكرى تعد محطة وطنية مهمة نستحضر فيها تلاحم الشعب الكويتي الأصيل، الذي أثبت في أحلك الظروف قوته وتماسكه ووحدته خلف القيادة الحكيمة وكان مثالا للصمود والثبات والوفاء لتراب الوطن.
وشدد الوزير المطيري على ضرورة ترسيخ الوعي الوطني لدى الأجيال الجديدة، وتوثيق التاريخ الكويتي بكل مصداقية ليظل حاضرا في وجدان كل مواطن ومواطنة، ولتبقى هذه الذكرى شاهدا على بسالة الشعب الكويتي وحبه وإخلاصه لوطنه.
كما أكد ضرورة غرس روح الانتماء والولاء لدى الشباب الكويتي، وتعزيز مشاركتهم في بناء مستقبل الوطن فهم الثروة الحقيقية ودرع الكويت الحصين في مواجهة التحديات وصون المكتسبات.
بدوره أوضح وزير التربية جلال الطبطبائي أن تلك التجربة المريرة علمتنا أن فقدان الوطن لا يعوض، وأن غياب التعليم يعد من أقسى تبعات الأزمات، فالوطن والتعليم معا يشكلان أساس الكرامة الإنسانية وركيزة بناء مستقبل مستقر ومزدهر، مؤكدا أن الأمن والاستقرار هما الأساس الذي يبنى عليه تعليم مستدام ومجتمع ناهض.
وأكد الطبطبائي بهذه المناسبة أن وزارة التربية تؤمن بأن دورها لا يقتصر على تقديم المناهج، بل يتعدى ذلك إلى مشروع وطني متكامل يعنى بتشكيل وعي الأجيال وغرس قيم الولاء والانتماء في نفوسهم لافتا إلى أن ترسيخ الهوية الوطنية والاعتزاز بها يمثلان محورا ثابتا في المنظومة التربوية بما يصون أمن الكويت واستقرارها.
من جهة أخرى، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نادر الجلال، أن التعليم هو حصن الوطن وخط دفاعه الأول وركيزة وحدته وان الدفاع عن الوطن لا يكون بالسلاح فحسب بل بالعلم والمعرفة والعمل المخلص.
وقال الجلال إن مسؤولية الوزارة اليوم، من خلال مؤسساتها التعليمية، هي غرس القيم الوطنية في نفوس أبناء الوطن، ليكونوا حماة له بسلاح الفكر وعزيمة البناء والعطاء ماضين قدما برؤية وطنية طموحة، تستثمر في طاقات الشباب، وتؤمن بقدرتهم على بناء مستقبل مشرق، تحت ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد.
بدورها أكدت وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار المهندسة نورة الفصام، أن الشعب الكويتي قدم خلال تلك الملحمة أروع صور التلاحم والتضامن الوطني، فحول الألم إلى عزيمة، والفقد إلى دافع نحو التمسك بالوطن والدفاع عن سيادته وهويته بكل شرف وإيمان.
وكانت القيادة السياسية الكويتية وقت الغزو الغادر، قد أظهرت قدرا عاليا من الحكمة والبصيرة، تمثلت في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبد الله، طيب الله ثراهما إلى جانب الدور التاريخي لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد - طيب الله ثراه - الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، وكان له بصمات بارزة في حشد التأييد العربي والدولي لقضية الكويت العادلة.
وأمام فظاعة الغزو لم يتأخر المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حازم، إذ أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم «660» الذي أدان العدوان وطالب بانسحاب القوات العراقية فورا ودون قيد أو شرط. وتوالت بعده القرارات الأممية الصارمة تحت الفصل السابع ما شكل غطاء قانونيا لتحرير الكويت عبر تحالف دولي واسع النطاق.
وفي ضوء هذه المتغيرات شكلت الجهود الدبلوماسية الكويتية بقيادة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، حجر الأساس في كسب المواقف الدولية المساندة، إذ استطاع عبر شبكة علاقاته الممتدة أن يوصل صوت الكويت إلى كل المحافل ويفضح الجريمة بحق السيادة والقانون الدولي، ويؤسس لإجماع غير مسبوق على ضرورة إنهاء الاحتلال وإعادة الحق إلى أهله.
وعقب التحرير ثبتت الكويت سياسة خارجية قائمة على التمييز بين النظام العراقي البائد والشعب العراقي الشقيق، مؤكدة أنها لا تحمل ضغينة لشعب مغلوب على أمره، بل وقفت إلى جانبه إنسانيا وقدمت له الدعم والمساعدات منذ العام 1993 وحتى اليوم في صورة تعكس أصالة القيم الكويتية ومبادئها الثابتة.
ومنذ أبريل 1995 بدأت جمعية الهلال الأحمر الكويتي وبتوجيهات من القيادة السياسية بإرسال المساعدات إلى اللاجئين العراقيين في إيران، وواصلت الكويت جهودها بعد تحرير العراق في 2003 لتصبح من أكبر الدول المانحة له، حيث دعمت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والنازحين العراقيين بملايين الدولارات.
كما تبرعت الكويت في يوليو 2014 بثلاثة ملايين دولار لدعم العمليات الإنسانية في العراق، ثم تبعتها في العام 2015 مساهمة غير مسبوقة بقيمة 200 مليون دولار لإغاثة النازحين، وشملت المساعدات الغذائية أكثر من 50 ألف سلة موزعة في إقليم كردستان ومدن أخرى متضررة.
وفي يوليو 2016 تعهدت الكويت خلال مؤتمر المانحين في واشنطن بتقديم 176 مليون دولار مساعدات إنسانية للعراق، ما دفع مجلس الأمن للاشادة علنا بجهودها المستمرة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتوجت هذه الجهود باستضافة الكويت في فبراير 2018 مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار العراق، عقب تحرير مدينة الموصل من ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، إذ بلغت تعهدات المشاركين في المؤتمر نحو 30 مليار دولار أمريكي على شكل قروض ومنح وتسهيلات مالية.
وتكريسا لهذا النهج الأخوي تسلمت الكويت خلال السنوات الماضية، دفعات من رفات شهدائها الأبرار، الذين استشهدوا إبان الاحتلال العراقي، كما تسلمت دفعات من الأرشيف والممتلكات الكويتية التي تم الاستيلاء عليها في خطوة تعكس حرص القيادة السياسية على إغلاق الملفات العالقة بروح المسؤولية والإنصاف.
ولعل أبرز ما يميز هذه الذكرى رغم مرارتها هو أن الكويت لم تجعل منها عنوانا للانتقام، بل منصة للسلام والتضامن مستندة إلى موروثها الإنساني ومبادئها الثابتة في دعم استقرار المنطقة وتعزيز العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب وفي مقدمتهم الشعب العراقي.