
تونس – وكالات : نظمت حركة النهضة الإسلامية امس تظاهرة في تونس للدفاع عن «شرعية الجمعية الوطنية التأسيسية» التي يشكل فيها هذا الحزب غالبية وضد «العنف» في أول تحرك شعبي منذ اغتيال المعارض شكري بلعيد. في حين اتهم زعيم الحركة راشد الغنوشي «الثورة المضادة» بالعمل على تقسيم المجتمع التونسي. فقد دعا شباب حركة النهضة الإسلامية إلى تظاهرة بعد ظهر الامس انطلقت في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية التي شهدت في الأيام الماضية أعمال عنف بين معارضين غاضبين ورجال شرطة، حسب بيان صادر عن الحركة.
ورفعت التظاهرة شعار «الدفاع عن شرعية الجمعية الوطنية التأسيسية» ومكافحة «العنف» السياسي وكذلك معارضة «التدخل الفرنسي» للتنديد بتصريحات وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس.
من جانبه اتهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ما أطلق عليه «الثورة المضادة» بالعمل على تقسيم المجتمع التونسي إلى جبهتين متناحرتين. وندد الغنوشي باغتيال المعارض شكري بلعيد، مشيرا إلى أنه لم يكن الأول في قائمة الاغتيالات، فقد سبقه شيخان من جماعة التبليغ والدعوة ورمز آخر من الحركة الدستورية.
وأضاف الغنوشي أن هذا التنوع في عملية الاغتيالات يدفع المجتمع التونسي إلى التقاتل والتشكك والربية، وهو «جزء من آليات الثورة المضادة». واتهم الغنوشي بعض وسائل الإعلام التي تعمل ليل نهار لتوصل رسالة للتونسيين «أنهم أخطؤوا حينما قاموا بالثورة».
واستنكر الغنوشي «التدخل المباشر من دول أجنبية مثل فرنسا في الشأن التونسي»، مضيفا «لا شك أن هناك أنظمة عربية ذات مصلحة مما يجري في تونس». وتأتي هذه التطورات بعد أن أكد رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي الجمعة تمسكه بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، مشيرا إلى أن ذلك لا يستلزم موافقة المجلس الوطني التأسيسي لأنه لن يحل الحكومة لكنه يعتزم تغيير جميع أعضائها.
وأضاف أن التشكيل الحكومي جاهز، دون أن يكشف النقاب عن أعضاء حكومته الجديدة، مؤكدا أن موقف الأحزاب الرافضة -بما فيها حركة النهضة- لن يثنيه عن موقفه رغم احترامه لها، على حد قوله.
وتأتي هذه التصريحات بعد يوم من رفض حركة النهضة اقتراح الجبالي عشية اغتيال القيادي المعارض شكري بلعيد، حيث أعلنت الحركة تمسكها بالائتلاف الذي يقود تونس منذ أكثر من عام. وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي دعا الأربعاء إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تخرج البلاد من المرحلة الانتقالية بسلام.
في الأثناء، استدعى الجبالي الجمعة السفير الفرنسي فرانسوا غويات للاحتجاج على تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي مانوال فالس، قال فيها إنه يتعين دعم العلمانيين والديمقراطيين في تونس، وإن تونس ليست نموذجا للربيع العربي.
وقال وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عقب اجتماعه والجبالي بالسفير «عبّرنا للسفير الفرنسي عن قلقنا من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي وموقفه المتحيّز والمثير للقلق، وعبّرنا له عن حرصنا على صيانة سيادة بلادنا واستقرارها السياسي».
وأضاف أن ما صرح به فالس -الذي أغلقت بلاده مدارس ومؤسسات تابعة لها في تونس يوميْ الجمعة والسبت، ودعت رعاياها هناك للحذر- لن يغير هذه الحقيقة، مضيفا أن الحكومة دعت إلى التحقيق في اغتيال بلعيد.
وكان الآلاف قد شاركوا الجمعة في تشييع بلعيد، في ظل إجراءات أمنية مشددة، تخللتها هتافات مناوئة للحكومة ولحركة النهضة، كما اعتدى شبان -وصفتهم وزارة الداخلية بالمنحرفين- على سيارات رابضة في محيط المقبرة. وتحدى 50 ألف شخص على الأقل الأمطار وبرودة الطقس ليشاركوا في جنازة بلعيد في مسقط رأسه بجبل الجلود في العاصمة ورددوا هتافات مناوئة للاسلاميين وللحكومة. وسبب اغتيال بلعيد صدمة في تونس التي شهدت تحولا سياسيا سلميا بالنسبة إلى ما جرى في دول عربية اخرى شهدت انتفاضات شعبية فيما عرف باسم ثورات الربيع العربي.
وزاد من حدة التوترات بين الاسلاميين الذين يهيمنون على مقاليد الحكم ومعارضيهم العلمانيين خيبة أمل بسبب عدم حدوث أي تقدم على صعيد الاصلاحات الاجتماعية منذ الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن على في يناير 2011 .
وردد المشيعون في العاصمة هتافات بأن الشعب يريد ثورة جديدة كما رددوا النشيد الوطني.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية لطفي حيدوري إن الشرطة اعتقلت 150 شخصا أثناء الاضطرابات. وأحاطت الحشود بعربة عسكرية مكشوفة تحمل جثمان بلعيد ملفوفا في علم تونس من مركز ثقافي في جبل الجلود في طريقها إلى مقبرة الجلاز فيما حلقت طائرة هليكوبتر تابعة لقوات الأمن فوق المنطقة.
وحمل المشيعون صور بلعيد الذي أطلق مسلح الرصاص عليه بينما كان يهم بمغادرة منزله في طريقه إلى العمل يوم الاربعاء قبل أن يلوذ القاتل بالفرار بدراجة نارية مع شريك له. وردد البعض هتافات ضد راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة الاسلامية الحاكم ووصفوه بانه قاتل ومجرم ورددوا «تونس حرة ..الارهاب برة». وقال شهود إن الشرطة التونسية أطلقت يوم الجمعة الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين مناهضين للحكومة كانوا يرشقونها بالحجارة والقنابل الحارقة في قفصة في جنوب البلاد وهي معقل لأنصار بلعيد. وردد المحتجون هتاف «الشعب يريد اسقاط النظام» وهو الشعار الذي استخدم لأول مرة خلال الانتفاضة التي أطاحت ببن علي.
وفي سيدي بوزيد البلدة الجنوبية التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية قال شهود إن نحو 10 الاف محتج تجمعوا ورددوا هتافات ضد حركة النهضة والحكومة.
وأغلقت البنوك والمصانع وبعض المتاجر أبوابها استجابة لدعوة الاضراب التي أطلقتها الاتحادات العمالية احتجاجا على اغتيال بلعيد يوم الأربعاء لكن الحافلات كانت تسير بصورة منتظمة. وقال متحدث باسم الخطوط الجوية التونسية إن الشركة أوقفت جميع رحلاتها يوم الجمعة في إطار إضراب عام دعت إليه نقابات عمالية احتجاجا على قتل بلعيد وأضاف أن الخدمة المنتظمة استؤنفت السبت.