
القاهرة – «وكالات»: منذ أيام قليلة، كان قادة جماعة الإخوان المسلمين ضيوفا على شاشات التلفزة المصرية، خصوصا الإسلامية منها، ويدلون بتصريحات صحافية يوما بعد آخر. أما اليوم فقد تبدلت الحال تماما، إذ يصعب على الصحافيين والإعلاميين أن يجروا حوارا مع مسؤولين في الجماعة، فبعضهم ألقي القبض عليه والبعض الآخر يختبئ هربا من مصير مماثل.
وبدأت النيابة العامة المصرية في التحقيق بالفعل مع بعض المعتقلين من كوادر الإخوان، مثل سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين في أعمال العنف التي دارت بالقرب من جامعة القاهرة في الثاني من يوليو.
حملة الاعتقالات الراهنة، من جانب، وأوامر القبض والإحضار التي يتوقعها كثيرون من أعضاء الجماعة، تمثل انتكاسة كبيرة للجماعة، التي تعد أقدم وأقوى تنظيم إسلامي في مصر.
فبعد عام من الانتصارات الانتخابية، البرلمانية منها والرئاسية، يواجه بعضهم اتهامات خطيرة، قد تنتهي بهم في السجن مجددا في حالة إدانتهم، وبعد أن اعتقد أعضاء الجماعة واتباعها أن عمليات الدهم التي قامت بها الشرطة قد ولت بلا رجعة، ها هي تعود مجددا.
والرئيس المعزول نفسه يخضع للإقامة الجبرية تحت حراسة مشددة في مكان غير معلوم تابع للقوات المسلحة، في ضوء تقارير في الصحافة المصرية تتحدث عن احتمال توجيه تهمة إهانة القضاء له.
«عادت أساليب عهد مبارك القمعية، بل في صورة أشد ضراوة،» يقول مصطفى الخطيب، المحرر الدبلوماسي في صحيفة الحرية والعدالة الناطقة بلسان الحزب والجماعة.
«إنهم يعتقلون أي شخص يحمل بطاقة الحزب، ولا يفرقون بين الرجال والنساء،» يضيف مصطفى الذي يعتصم مع الآلاف من مؤيدي الرئيس السابق مرسي أمام جامع رابعة العدوية بمنطقة مدينة نصر، شرقي القاهرة، منذ ما يصفه بالانقلاب العسكري الذي أطاح مرسي.
وكانت جموع غفيرة غير مسبوقة من المصريين قد خرجت إلى شوارع القاهرة وكثير من المدن المصرية في 30 يونيو ، في مظاهرات حاشدة دعمتها المعارضة للمطالبة باستقالة مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، احتجاجا على ما وصفوه بفشل الرئيس المعزول في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة التي تعاني منها البلاد بعد نحو عامين ونصف من إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك.
يتوقع مصطفى البالغ من العمر 34 عاما - وهو من كوادر الجماعة - أن يتم القبض عليه في أي وقت.
وعلى الرغم من اعتقال عدد كبير من قيادات الاخوان، فإن مصطفى لا يتوقع أن يفت ذلك في عضد الجماعة أو يقوضها، إذ يقول «اننا نمثل فكرة وأيديولوجية، ولسنا مجرد مجموعة من الأشخاص».
تستند فكرة الجماعة، التي أسسها حسن البنا عام 1928، على إقامة دولة تكون فيها الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للحكم والتشريع، منطلقة من شعارها الشهير «الإسلام هو الحل».
ومنذ عقود عدة، تحديدا من خمسينيات القرن الماضي، تعرضت الجماعة للقمع من الحكومات المتعاقبة، مما اضطرها إلى أن تتحول إلى جماعة سرية، وهناك مخاوف بين أعضائها أن تنتهج النهج ذاته في الفترة المقبلة في ظل دعوات متزايدة من تيارات سياسية متعددة، خاصة الليبرالية واليسارية، إلى تضمين الدستور الجديد بندا يحظر اشتغال الجماعات الدينية في السياسة.
«إذا سلم المصريون بالانقلاب العسكري الكامل وما يتبعه من خطوات، وإن كنت أشك في ذلك، فإن الجماعة قد تتوارى عن الأنظار وتصبح جماعة سرية، لأنها ترتقب تصعيدا من جانب السلطات الأمنية،» يقول مصطفى الذي يؤكد هو والمعتصمون في رابعة العدوية عدم انهاء اعتصامهم حتى إعادة «الرئيس المنتخب الشرعي إلى منصبه».
تقول قيادات الجيش المصري إنها اشتشعرت الخطر على وحدة المصريين في ظل الاستقطاب الحاد في المجتمع ووقوع مواجهات دامية بين مؤيدي مرسي ومعارضيه في الايام الأخيرة، وهو ما أسفر عن وقوع العشرات بين قتيل وجريح، ودفع الأزهر إلى التنبيه، لأول مرة، الى وقوع حرب أهلية، وهو ما دفع الجيش إلى الانحياز الى صفوف الملايين من المصريين الذين طالبوا مرسي بالاستقالة، وتسليم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار منصور عدلي، رئيسا مؤقتا للبلاد.
جبهة الإنقاذ الوطني، الفصيل الرئيس الذي كان يعارض مرسي، والمؤلف من أحزاب سياسية وشخصيات عامة على رأسها محمد البرادعي الذي يقال إنه عين رئيسا للحكومة الانتقالية، بررت حملة الاعتقالات في صفوف الإخوان.
يقول خالد داود، المتحدث باسم الجبهة، إن تلك إجراءات استثنائية نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
«لكنها إجراءات قانونية نظرا لقيام قيادات الجماعة بالتحريض صراحة على قتل المتظاهرين بالدعوة الى الاستشهاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق».
يقول مراقبون للشأن المصري إن شعبية الجماعة انخفضت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، نظرا لسلسلة من الأخطاء الفادحة التي يتحمل وزرها بشكل أساس الرئيس المعزول.
يقول حسام الدين السيد، الكاتب والخبير في الإسلام السياسي، إن تجربة الإخوان في السلطة «متهورة»، ساعية نحو السلطة، على الرغم من تأكيد قيادات الجماعة زهدها في أي منصب سياسي.
كانوا يقولون دوما إنهم يترفعون «عن السلطة وإن قدراتهم لا تسمح بإدارة بلد بحجم مصر» ولكن «فجأة برقت السلطة في عين بعض القيادات فاندفعت بقوة، في طريق بدا سالكا، إلا انه مليء بالتعرجات، ومع افتقارهم الى المهارات، فقد حدث العديد من العثرات والسقطات التي انتهت بالجيش مسيطرا على الوضع ومقصيا إياهم عنوة وسط غضب شعبي كبير ضدهم».
«بالطبع هذا افقدهم تعاطف قطاع كبير كانوا يظنون فيهم أفضل من ذلك، وساعد عليه خطابات لفظية استعلائية وإقصائية وأحيانا ساذجة من بعض انصارهم والقريبين منهم، افزعت قطاعا وسطيا بين الجمهور كان يراهن على إعتدال الإخوان وخطابهم، ففوجئ بخطابات غاية في التشدد والبعد عن الواقع تتردد في حضورهم وهم عنها صامتون، فبدأ الكثيرون يقلقون».
يرى الخبير السياسي أنه يجب على الجماعة إجراء مراجعة داخلية حقيقية ومحاسبة المخطئين من القيادات، وتعديل لهجة الخطاب الجماهيري وطريقته، لكي يقتنع المشككون في أنهم قد تغيروا بالفعل.
وقتها، يضيف حسام، ستستطيع الجماعة من استعادة جزء لا يستهان به من المساندة الشعبية، بل والمشاركة بقوة في أصول اللعبة السياسية. «ذاكرة الجمهور كذاكرة السمك، وهو نفسه الذي كان يهتف ضد العسكر من سنة، واليوم يهتف كثير منهم للعسكر بعد أن أسقطوا الإخوان، وربما يعودون للهتاف ضد العسكر بعد شهر أو اثنين إن ظهرت ملامح الاستبداد العسكري جلية مرة أخرى».
وتعتقد جماعة الاخوان المسلمين في مصر إن حكومات غربية تدعم تماما تدخل الجيش لعزل الرئيس محمد مرسي وهو قرار ترى أنه سيؤجج الكراهية تجاه الولايات المتحدة وأوروبا وستكون له نتائج عكسية في نهاية الأمر على القوى الغربية.
وقال محمد البلتاجي القيادي بجماعة الاخوان المسلمين إن الجميع سيخسر بما في ذلك الغرب بسبب العنف الذي قد ينجم عن عزل مرسي أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة والذي أمضى عاما واحدا فقط من مدة رئاسته.
وتابع في مقابلة مع رويترز «نحن نستشعر أن المجتمع الدولي يتدخل بشكل ما اعترافا ومساندة ودعما لهذا الانقلاب العسكري».
وقال «ولكن هذا يجعل شعوب المنطقة تعيد مرة ثانية النظر إلى أمريكا وأوروبا على أنها داعمة للاستبداد وداعمة للقمع وأنها تقف ضد مصلحة الشعوب وهذا يعيد مرة ثانية حالة الكراهية لتلك الشعوب الأوروبية والأمريكية اللي أنظمتها تقف دائما مع الأنظمة المستبدة».
وتشير تصريحاته إلى الغضب الإسلامي من الدول الغربية لعدم معاقبتها الجيش المصري لعزله مرسي وهي خطوة دفعت إليها احتجاجات حاشدة ضد حكمه.
وأثار البلتاجي أيضا مخاوف من أن عزل مرسي قد يثير أيضا أعمال عنف من جانب إسلاميين يرون أنه لا جدوى من العملية الديمقراطية التي عملت جماعة الاخوان المسلمين جاهدة من أجل ضمهم إليها.
وبالنسبة للإسلاميين فان سياسة الغرب تجاه عزل مرسي تشير إلى عودة إلى المعايير المزدوجة التي كانت سائدة خلال فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وخلال 30 عاما أمضاها مبارك في السلطة تلقت مصر مساعدات تقدر بمليارات الدولارات من أوروبا والولايات المتحدة ولكن لم تحرز تقدما يذكر أو أي تقدم على الاطلاق تجاه إرساء الديمقراطية.
وامتنعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن وصف ما قام به الجيش بالانقلاب وهو وصف من المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات على دولة ذات أهمية استراتيجية إذ تقع عند ملقى ثلاث قارات وعلى الحدود مع إسرائيل.
والولايات المتحدة التي تقدم معونة عسكرية سنوية لمصر حجمها 1.3 مليار دولار أبدت «قلقها البالغ». ودعا الاتحاد الأوروبي أكبر مانح مدني لمصر إلى سرعة العودة للعملية الديمقراطية.
إلا أنه لم تصدر إدانة من الجانبين لعزل مرسي. ويقول الجيش إنه كان يستجيب لارادة شعبية وهو رأي كررته جماعات ليبرالية ويسارية.
وقال البلتاجي إن أوروبا والولايات المتحدة أوضحتا أنهما تدعمان الاستبداد والقمع. وأضاف أن قبول شرعية سيطرة الجيش يعني القبول بقانون الغاب.
وكان يتحدث في احتجاجات مؤيدة لمرسي دعا إليها الاخوان المسلمين أمام مسجد في شمال شرق القاهرة. وقالت جماعة الاخوان المسلمين إنها ستبقى في الشوارع إلى أن يعود مرسي إلى الرئاسة. وتقول إن البديل سيكون مقاومة سلمية حتى الموت.
وأضاف البلتاجي «صدورنا العارية أقوى من الرصاص».
وقال البلتاجي إنه كاد أن يلقى القبض عليه منذ يومين عندما حاول نحو عشرة رجال في ملابس مدنية خطفه من وسط الاحتجاجات مضيفا أن مؤيدي الاخوان المسلمين منعوهم.
وقال «أنا هنا ولن أغادر».
وبعد الاطاحة بمبارك في انتفاضة شعبية عام 2011 تعاملت الدول الغربية مع الاخوان المسلمين التي كانت جماعة محظورة تحت حكم مبارك واعترفت بمرسي كرئيس منتخب ديمقراطيا.
وأغضبت السياسة الأمريكية تجاه الاخوان المسلمين معارضي الجماعة من الليبراليين الذين اتهموا واشنطن بتملق الجماعة.
والآن تحولت الدفة إذ يتهم الإسلاميون واشنطن بالوقوف إلى جانب الليبراليين. ويذهب البعض حتى إلى حد الزعم بأن الولايات المتحدة كان لها دور فيما حدث.
وردا على هذه المزاعم قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم السبت إن الولايات المتحدة لا تقف إلى جانب أي طرف.
وحذر البلتاجي من أنه رغم أن جماعة الاخوان المسلمين لم ولن تلجأ للعنف إلا أن عزل مرسي ينطوي على مخاطرة من أن يلجأ إسلاميون آخرون إلى استخدام القوة مكررا مخاوف من أن ذلك سيدفع شبانا غاضبين من فشل العملية الديمقراطية إلى التشدد.
وأضاف أنه عندما يرون أن التجربة الديمقراطية سحقت خلال عام وأن المؤسسات ليست ذات قيمة فقد يدفع ذلك آخرين لليأس ثم العنف مشيرا إلى أنه يعتقد أن الجميع سيخسر بما في ذلك القوى الغربية.