تونس – «وكالات»: بدأ الجيش التونسي منذ فجر الجمعة عملية عسكرية «واسعة النطاق» في مرتفعات جبال الشعانبي الحدودية مع الجزائر، ضد مسلحين تصفهم الدولة «بالإرهابيين»، وذلك بعد أيام من مقتل جنود برصاص مسلحين في المنطقة ذاتها، في عملية اعتبرت الأكثر دموية.
وأوضح مصدر عسكري في الميدان لوكالة الصحافة الفرنسية أن طائرات مروحية قصفت صباح الجمعة جبل الشعانبي، عقب اشتباكات الخميس التي توقفت عند الساعة الرابعة صباحا بالتوقيت المحلي».
كما نقل المصدر ذاته عن الناطق باسم الجيش توفيق رحموني لإذاعة «موزاييك أف.أم» الخاصة، قوله إن «اشتباكات بدأت حوالي الساعة العاشرة ليلا بتوقيت تونس من مساء الخميس بين العسكريين ومجموعة إرهابية»، لافتا إلى أن عملية عسكرية جوية وبرية بدأت فجر الجمعة.
وتأتي هذه العملية في أعقاب كمين نصبته مجموعة مسلحة الاثنين الماضي في جبل الشعانبي، مما أدى إلى مقتل ثمانية عسكريين تونسيين، كما استولت المجموعة على أسلحتهم ولباسهم العسكري ومؤونتهم الغذائية بعدما ذبحت خمسة منهم حسب ما نقله التلفزيون الرسمي مساء الثلاثاء عن مصدر قضائي.
وأفاد شهود عِيان بوصول تعزيزات كبيرة من الجيش والحرس الوطني وفرق مكافحة الإرهاب، بعد الاشتباكات التي وقعت مساء الخميس بين وحدات عسكرية وأمنية مشتركة وبين مجموعة مسلحة في منطقة بئر أولاد نصر بسفح جبل الشعانبي، يُرجّح انتماؤها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وقالت مصادر أمنية في وقت سابق إن الوحدات العسكرية تسعى إلى تطويق هذه المجموعة، موضحة أن المواجهات تدور في منطقة تبعد 16 كلم عن القصرين قرب جبل الشعانبي، حيث تتم ملاحقة مجموعة متصلة بتنظيم القاعدة منذ ديسمبر الماضي.
في هذه الأثناء قامت وحدات أمنية مساء الخميس بحملة تفتيش في مسجد يسيطر عليه «متشددون» بمدينة القصرين، واعتقلت أفراداً محسوبين على التيار السلفي «المتشدّد». من جهته قال الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية فيصل الشريف إن ما تعرض له الجنود الاثنين الماضي، غيّر طريقة تعامل السلطات مع المسلحين المتحصنين في الجبل، لافتا إلى أن هذه العملية قد تكون بمثابة «رد الاعتبار للجيش التونسي».
وذكر الشريف أن عملية قتل الجنود كشفت عن «خطر داهم» يشير إلى اختباء المسلحين على تخوم الحدود التونسية الجزائرية في كهوف الجبال، وإلى تحركهم في مجموعات صغيرة داخل المدن التونسية وبين السكان.
وبالتزامن مع هذه التطورات قالت وسائل إعلام جزائرية الخميس إن الجزائر عززت وجودها العسكري قرب الحدود بالتنسيق مع قوات الأمن التونسية بسبب تزايد التوتر في المنطقة. وفي سياق متصل رفضت تونس الخميس اتهامات وجهتها وسائل إعلام وصفحات تواصل اجتماعي تونسية للجزائر بالضلوع في اغتيال النائب التونسي المعارض محمد البراهمي، وقتل ثمانية عسكريين تونسيين على الحدود مع البلدين خلال الشهر الماضي، وذلك بعد تنديد الجزائر بهذه الاتهامات. وقالت وزارة الخارجية التونسية في بيان إن تونس «تنزه الجزائر عن هذه الاتهامات وعن كل ما من شأنه أن يمس من أمن واستقرار بلادنا، باعتبار ترابط أمن البلدين ووحدة مصير الشعبين الشقيقين تاريخا وحاضرا ومستقبلا».
وحذرت الوزارة جميع الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني التونسي من مغبة المس بعلاقات تونس الأخوية والودية مع جميع الدول الشقيقة والصديقة، لا سيما في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد. وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد نددت الخميس بتوجيه أوساط تونسية اتهامات للجزائر بالتسبب في تدهور الوضع الأمني في تونس.
سياسيا واصل الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي الجمعة مشاوراته مع عدد من الاحزاب السياسية والمنظمات الرئيسية للتوصل الى حل توافقي يمكن من الخروج من الوضع الراهن المتأزم وتجاوز الظرف الدقيق الذي تمر به تونس.
وذكر بيان للدائرة الاعلامية للرئاسة التونسية أن المرزوقي التقى الجمعة رئيسي حزب المبادرة كمال مرجان وحزب الامان لزهر بالي مشيرا الى أن هذه المشاورات تهدف الى دفع الطبقة السياسية الى التوافق من أجل اختصار ما تبقى من المرحلة الانتقالية وتغليب المصلحة الوطنية على مصالح الاحزاب.
وأضاف البيان أنه تمت الدعوة خلال هذه اللقاءات الى عدم تجييش الشارع والتعقل وتهدئة الخواطر والكف عن التشدد باعتبار أن البلاد لا تتحمل مزيدا من الاحتقان.
وكان المرزوقي قد التقى الى الان في اطار مشاوراته السياسية مع الاحزاب والاطراف الاجتماعية قيادات اتحاد الشغل العمالي النقابي ومنظمة الاعراف ورابطة حقوق الانسان وهي الاطراف الرئيسية الراعية للحوار الوطني التونسي الذي توقف منذ اندلاع الازمة السياسية الحادة عقب اغتيال النائب محمد البراهمي في ال25 يوليو الماضي والتي ازدادت حدة وتصعيدا بعد المجزرة الارهابية الشنيعة الاخيرة بجبل الشعانبي ضد عناصر من الجيش التونسي.