
القاهرة – وكالات : حين فر محمد مرسي القيادي بجماعة الأخوان المسلمين من سجن وادي النطرون في الأيام الاخيرة لحكم الرئيس الاسبق حسني مبارك في عام 2011 لم يخطر بخلده أن ينتهي به المطاف مرة اخرى خلف القضبان.
فبعد أقل من ثلاثة أعوام يواجه الرئيس المعزول -الذي بدأت محاكمته امس بتهمة التحريض على العنف -احتمال ان يقضي السنوات الباقية له في السجن وربما ما هو أسوأ.
وفازت جماعة الاخوان المسلمين بعد ان تعرضت للقمع طوال عقود في جميع الانتخابات التي جرت منذ الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بمبارك في عام 2011 وصعد مرسي لقمة السلطة.
وانهى فوز مرسي في أول انتخابات رئاسية حرة في البلاد تقليد هيمنة رجال من القوات المسلحة على السلطة إذ جاء منها جميع الروساء الذين حكموا مصر منذ عام 1952.
ولم تدم طويلا حالة النشوة التي صاحبت انتهاء عهد الرئيس الفرعون.
وتعهد مرسي بتوجه إسلامي معتدل نحو حقبة ديمقراطية تحل فيها حكومة تعمل بشفافية وتحترم حقوق الانسان محل النظام المستبد لتعيد لمصر عنفوانها.
وتعهد مرسي للمواطنين بتحقيق «نهضة مصرية على أساس إسلامي».
لكنه بدلا من ذلك أبعد ملايين المصريين الذين اتهموه بتوسيع سلطاته عن طريق اصدار اعلان دستوري وفرض التيار المحافظ للاخوان المسلمين وأساءة ادارة الاقتصاد وهو ما ينفيه مرسي.
وأصبح مرسي رئيسا بالصدفة فقد دخل السباق في اللحظة الاخيرة خوفا من استبعاد اللجنة الانتخابية العليا مرشح الجماعة الأول رجل الاعمال الثري خيرت الشاطر.
ومرسي مهندس مدني وأستاذ جامعي نال درجة الدكتوراة من جامعة ساذرن كاليفورنيا وقد تحدث عن طفولة متواضعة في قرية بمحافظة الشرقية في الدلتا وروى كيف علمته والدته الصلاة وتلاوة القرآن.
وارتكب مرسي خطأ فادحا في السياسة المصرية هو تهميش الجيش. وفي نهاية المطاف انقلب عليه وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي اختاره مرسي للمنصب لما عرف عنه من تدين.
وحين استشعر السيسي حالة الاستياء العام حث مرسي على إيجاد حلول وسط مع معارضيه السياسيين ولكن الاخير رفض مكتفيا بالتعاون مع جماعته وإسلاميين اخرين بصفة اساسية.
وأطلقت حركة شبابية عرفت باسم تمرد حملة للمطالبة بتنحي مرسي ونزل الملايين للشوارع مطالبين برحيله
وفي الثالث من يوليو ظهر السيسي مدير المخابرات الحربية في عهد مبارك- على شاشة التلفزيون معلنا نهاية رئاسة مرسي المضطربة التي دامت عاما واحدا واعلن خارطة طريق وصولا لانتخابات جديدة.
وشتت حملة امنية قاسية اوصال جماعة الاخوان المسلمين. وفضت قوات الشرطة مدعومة بقناصة من الجيش اعتصامين لانصار مرسي في القاهرة والجيزة للمطالبة بعودته لمنصبه وقتل المئات.
والقي القبض على قيادات الجماعة بما في ذلك المرشد العام ويخشى البعض ان الحكومة المدعومة من الجيش ستلجأ لنفس القبضة الحديدية التي عرفت بها حقبة مبارك ولكن معظم المصريين يدعمون السيسي.
واحتجر مرسي في مكان غير معلوم منذ أربعة اشهر ومثل امس و14 متهما آخرين أمام المحكمة في نفس المكان الذي تجري فيه محاكمة مبارك في اكاديمية الشرطة.
وكان مدير أمن القاهرة أعلن في وقت سابق وصول مرسي وسبعة من المتهمين إلى مقر المحاكمة بينما يحاكم 7 آخرون غيابيا.
وكان الجيش المصري قد اعلن حالة الاستعداد القصوى تزامنا مع بدء محاكمة مرسي.
وكانت السلطات المصرية قد قررت فجأة نقل مقر المحاكمة من مجمع سجون طرة، جنوبي القاهرة، إلى أكاديمية الشرطة، شرقي المدينة.
وأعلنت أسرة الرئيس المعزول عدم حضورها المحاكمة «لعدم شرعيتها.»
وقالت وزارة الدفاع المصرية في بيان رسمي مساء الأحد إن قوات الجيش نشرت عناصرها عند نقاط قريبة من السجون العمومية، من أجل التحرك لتأمينها فى أقرب وقت ممكن حال تعرضها لأى محاولات استهداف.
وأضاف البيان أن القوات المسلحة أعلنت حالة الإستعداد القصوى وشددت الإجراءات الأمنية حول المنشآت والأهداف الحيوية «للتصدي لأي محاولات لتأجيج العنف في ظل الدعوات المطالبة بالتظاهر خلال محاكمة مرسي.»
وكان التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب قد دعا أنصار مرسي إلى تصعيد التظاهر مع بدء المحاكمة.
ونبه البيان العسكري إلى أن القوات المسلحة «سوف تتعامل بمنتهى الحسم والقوة مع أي محاولات تستهدف اقتحام السجون العمومية أومحطات الكهرباء أو البنوك العامة والخاصة، أو السكك الحديدية.»
وفي معرض إعلانه، في تصريحات صحفية، نقل مقر المحاكمة، لم يوضح مدحت إدريس، المستشار الفني لمكتب النائب العام، سبب القرار المفاجئ.
ويذكر أن محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي أطيح في ثورة 25 يناير 2011، تقام في أكاديمية الشرطة.
ويواجه مرسي و14 آخرون من قادة الإخوان المسلمين، اتهامات بالتحريض على قتل المتظاهرين، وهى تهمة تبلغ عقوبتها القصوى، وفق القانون الجنائي المصري، الإعدام.
ونقلت وكالة أسوشيتدبرس عن أسامة مرسي، نجل الرئيس المعزول، قوله إن العائلة لا تعترف بشرعية المحاكمة. وقال أسامة إن والده «مختطف .. ويجرى احتجازه رهينة».
ولا يزال التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب يرى مرسي على أنه الرئيس الشرعي المنتخب لمصر.
وقد منعت السلطات المصرية في وقت سابق الأحد أسامة من السفر إلى ماليزيا رغم أنه ليس مدرجا على قائمة الممنوعين من السفر.
وقالت وسائل إعلام مصرية شبه رسمية إن جهة سيادية، لم يعلن عنها، هى التي طلبت منعه من السفر.
واعتبرت منظمة العفو الدولية محاكمة مرسي «اختبارا» للحكومة التي نصبها الجيش بعد عزل مرسي.
وقالت المنظمة في بيان رسمي الأحد إنه يجب أن تضمن السلطات المصرية حضور مرسي المحاكمة مع ضمان كل حقوقه في الدفاع عن نفسه.
وقال البيان إنه لابد من ضمان محاكمة نزيهة للرئيس المعزول بما في ذلك «حقه في تفنيد الأدلة الموجهة ضده في المحكمة».
وترى المنظمة أن عدم تحقق ذلك «سوف يثير علامات استفهام حول دوافع المحاكمة». وكانت صحيفة الوطن المصرية قد نشرت السبت ما قالت إنها اول صور تظهر مرسي في سجنه. وتظهر الصور، التي لم يتسن التحقق من صحتها وتاريخها من مصدر مستقل، الرئيس المعزول وهو يرتدي بدلة رياضة ويجلس على كرسي مكتب وقد بدت عليه علائم الراحة.
ويقول المراسلون في القاهرة إن المواطنين المصريين يشعرون بالقلق مما قد تأتي به الايام المقبلة، ويتوقعون ان تعمق محاكمة مرسي الخلافات بين المصريين وان تسبب المزيد من التوتر والصدامات.
ونشرت قوات الامن 20 الفا من عناصرها لحفظ الامن مع انطلاق محاكمة مرسي.
ويخضع هؤلاء محطات القطارات والحافلات لرقابة مشددة.
وبالرجوع الى المحاكمة ، شهدت الجلسة العديد من حالات الاحتجاجات حيث اضطر قاضي الجلسة الى رفعها مرتين بسبب هتافات المتهمين وقال شاهد من رويترز إن محمد مرسي تحدى المحكمة وأخذ يهتف «يسقط يسقط حكم العسكر» ووصف نفسه بأنه الرئيس «الشرعي» للبلاد.
ولم تستمر الجلسة طويلا حتى رفعها القاضي واجل نظر القضية الى يوم الثامن من شهر يناير القادم لتمكين المحامين من الاطلاع على أوراق الدعوى وتم نقل مرسي وبقية المتهمين الى سجن مرزعة طرة.