
عواصم – «وكالات»: كشف علماء سويسريون وجود بولونيوم مشع في رفات الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مقتولا بهذا السم. وعثر العلماء المكلفون بفحص عينات من رفات عرفات، على مقادير تصل إلى 18 ضعف المعدل الاعتيادي من مادة البولونيوم المشع، مما يرفع إلى 83 في المئة نسبة الاشتباه بأنه مات مسموما بهذه المادة.
وأفاد تقرير من 108 صفحات صادر عن المركز الجامعي للطب الشرعي في مدينة لوزان السويسرية إن مقادير غير طبيعية من البولونيوم وجدت في حوض عرفات وأضلاعه وفي التربة الموجودة تحت جثمانه.
وتسلمت سهى عرفات أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل نسخة من تقرير الخبراء السويسريين في باريس يوم الثلاثاء الماضي من محاميها سعد جبار بحضور عالم الطب الشرعي البريطاني ديفد باركلي الذي تولى شرح مضمونه.قبل ان يعقد فريق الخبراء السويسري الذي فحص عينات من رفات الزعيم الراحل مؤتمرا صحفيا امس الخميس لعرض نتائج تحليلهم.
وفتح فريق خبراء بينهم خبراء في معهد الفيزياء الاشعاعية بمستشفى جامعة لوزان قبر عرفات بمدينة رام الله بالضفة الغربية وأخذوا عينات من رفاته بحثا عن أدلة عن التسمم المزعوم.
وقالت زوجته سها لرويترز في باريس يوم الاربعاء «نحن نكشف جريمة حقيقية.. اغتيال سياسي.»
ووقع عرفات اتفاقات أوسلو المؤقتة للسلام مع إسرائيل في عام 1993 وتزعم انتفاضة بعد فشل محادثات في عام 2000 حول اتفاق شامل.
وظهرت على الفور مزاعم بوجود شبهة جنائية. فعرفات كان لديه خصوم في الداخل لكن كثيرا من الفلسطينيين أشاروا بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي حاصرته في مقره في رام الله طوال آخر عامين ونصف من حياته.
وقال باركلي إن تلك النتائج تؤكد أن عرفات مات مقتولا عبر تسميمه بالبولونيوم. وأضاف أن «ما تم العثور عليه هو البندقية التي قتلته والدخان يتصاعد منها.. ما لا نعرفه حتى الآن من كان ممسكا بها وقت حصول الجريمة».
وبعد تسليم نتائج التقرير أكد الخبير البريطاني أن «معلوماته قوية» وأن «كافة النتائج أشارت إلى أن البولونيوم الذي عثر عليه في «رفات» عرفات كان أعلى من كل حالات التسمم السابقة « بهذه المادة, مما يعني حسبه «أننا أمام ما يمكن أن يكون اغتيالا».
ومضى باركلي قائلا إن البولونيوم المعروف بأن عمره ينخفض بمعدل النصف كل ستة أشهر «انخفض ليتساوى مع الرصاص» في رفات عرفات، وقال إنه بإمكان التحقيق البحث الآن في «من كان له الدافع وأتيحت له الفرصة» لقتل الزعيم الفلسطيني. سهى تتهم
من جهتها قالت سهى عرفات إن نتائج الفحص السويسري تظهر أن زوجها مات مقتولا، وإن هناك جريمة ارتكبت، مضيفة أن الخطوة التالية بالنسبة للمحققين الفرنسيين هي متابعة التحقيق للكشف عن القاتل.
وأجهشت أرملة الزعيم الفلسطيني بالبكاء تأثرا بعد تسلمها تقرير الخبراء السويسريين الجديد في العاصمة الفرنسية باريس.
وتحدثت سهى باللغة الإنجليزية في موقف مشحون بالعواطف ٍقائلة بعد استماعها لشرح باركلي مضمون التقرير، قائلة إن «مرتكبي الجريمة جبناء لأنهم لا يريدون أن يضعوا بصمتهم عليها، لكن إرادة الله شاءت أن يتم الكشف عنها بعد تسع سنين».
وأضافت «تذكرت وضعه في أيامه الأخيرة بالمستشفى.. أخبرني أنه لا يخاف الموت، لكنه كان يفضل الموت في معركة». وقالت «مات أبو الفلسطينيين جميعا.. لقد أصبحوا أيتاما من بعده»، وأضافت «سأبذل جهدي.. سأعمل على مستوى العالم كي يؤتى بالقاتل»، ودعت السلطة الفلسطينية للذهاب «إلى النهاية لمعرفة الحقيقة، وعليها اتخاذ إجراءات صارمة».
يشار إلى أن البولونيوم مادة مشعة موجودة في الطبيعة، لكن التقرير أشار إلى أن الكميات الزائدة منها تشبه تلك التي يتم إنتاجها في مفاعل نووي.
وكان الزعيم الفلسطيني قد أصيب بمرض غامض يوم 12 أكتوبر 2004 أثناء حصار مقره في رام الله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على خلفية أحداث الانتفاضة الفلسطينية.
وظهرت على عرفات أعراض غثيان يصحبه قيء وآلام بطن شخّصها طبييه حينها بإنفلونزا أصيب بها قبل مدة. لكن حالة عرفات استمرت بالتدهور ولم ينجح في إيقافه أطباء مصريون وتونسيون، مما استدعى نقله يوم 29 أكتوبر إلى مستشفى بيرسي العسكري في باريس.
وأخفق الأطباء الفرنسيون في تشخيص حالته، فدخل في غيبوبة ما لبث أن توفي بعدها يوم 11 نوفمبر من العام نفسه عن 75 عاما.
ولم يخضع عرفات بعد وفاته في فرنسا للتشريح أو يتحدد سبب وفاته أو يكشف عن سجله الطبي، وهو ما أثار الاشتباه في أوساط الفلسطينيين بأنه مات مسموما.
وفي مطلع العام 2011 بدأت قناة الجزيرة القطرية تحقيقا استقصائيا في وفاة عرفات بعدما أتاحت أرملته لفريقها الاطلاع على سجله الطبي ومتعلقاته الشخصية، ومن ضمنها الملابس التي كان يرتديها في أيامه الأخيرة والتي سلمت لعلماء طب شرعي سويسريين معروفين بحيادهم.
وفي يوليو 2012 بثت الجزيرة تحقيقا استقصائيا تضمن نتائج فحص متعلقات عرفات التي عثر العلماء السويسريون بعد فحصها -وفحص بقايا بوله وبقع دمه وبعض الشعر العالق في قبعته- على مقادير عالية من مادة البولونيوم 210.
وكشف تقرير الخبراء السويسريين الأول وقتها ماهية المادة التي قد تكون أدت إلى وفاة عرفات، دون أن يتم التطرق إلى من قتله وكيف، وهذا ما أكده أيضا التقرير الجديد.
ودفع الشريط الوثائقي السلطات الفرنسية إلى فتح تحقيق جنائي في قضية وفاة عرفات أدت في وقت لاحق إلى سماح السلطة الفلسطينية بنبش قبره واستخراج ستين عينة من رفاته وتسليمها إلى علماء طب شرعي من فرنسا وسويسرا وروسيا.
ويتوقع أن يكشف علماء الطب الشرعي الروس عن نتائج فحصهم قريبا، في حين يستبعد أن يحذو العلماء الفرنسيون حذوهم قبل استكمال التحقيق الجنائي في القضية.
ومعلوم أن أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال فترة مرض عرفات ووفاته، كان يرى في الزعيم الفلسطيني «إرهابيا» و»عدوا» ودعا للتخلص منه، لكن إسرائيل كررت نفيها أن يكون لها دور في مرض عرفات أو وفاته.
من جانبها قالت اسرائيل امس انها لم تسمم الزعيم الفلسطيني
وقال سيلفان شالوم وزير الطاقة الذي شغل عام 2004 منصب وزير الخارجية وكان عضوا في الحكومة الاسرائيلية المصغرة المعنية بشؤون الامن لراديو اسرائيل «لم نتخذ قط قرارا بايذائه بدنيا.»
وأضاف «في رأيي..هذه زوبعة في فنجان. وحتى لو كان «سمم» فلم تكن اسرائيل بالقطع. ربما كان هناك أحد في الداخل لديه أفكار أو مصلحة في ذلك.»
من جانبها اتهمت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسرائيل بالمسؤولية عن وفاة الزعيم الراحل. ودعا المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري السلطة الفلسطينية إلى إعلان وقف المفاوضات مع تل أبيب فوراً وإجراء تحقيق في ملابسات الجريمة.
يأتي ذلك بعد أن اتهم عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» عباس زكي إسرائيل باغتيال عرفات، وقال «نحن نتهم إسرائيل مباشرة باغتيال عرفات فهو منذ تعرضه لأزمة مرضه وكأنها تحدد اليوم الذي سيموت فيه».
ووصف زكي ما حدث بأنه «جريمة سياسية، وهي جريمة القرن الـ21 ولا يمكن أن تمر دون عقاب» مشددا على أن من يفرط بدم عرفات ليس فلسطينيا.
وقال أيضا إن هذه الجريمة تضاف إلى جرائم إسرائيل، واغتيال عرفات سيفتح ملف اغتيال أبو جهاد وكل الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل بحق القادة الفلسطينيين.
من جهته قال سعد جبار منسق هيئة الدفاع بقضية وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل إن الهيئة ستقدم إلى القضاء الفرنسي نسخة من تقرير العلماء السويسريين. كما عبر عن أمله أنْ يطلع القضاء الفرنسي على سجلات المستشفى العسكري الذي توفي فيه عرفات، وهو ما قد يساهم في إقناعه بأن جريمة ارتكبت بحق الزعيم الراحل.