بغداد – «وكالات»: يعتزم زعماء الأحزاب العراقية اجراء محادثات حساسة قد تطيح برئيس الوزراء نوري المالكي بعدما دعا المرجع الشيعي الأعلى في البلاد إلى اختيار رئيس وزراء جديد على وجه السرعة لمواجهة متشددين مسلحين يهددون بتفتيت العراق.
وتناشد القوى الكبرى تشكيل حكومة عراقية شاملة لا تهيمن عليها الطائفة الشيعية مثل الحكومة الحالية لمواجهة تقدم المتشددين المسلحين الذين عبروا الحدود من سوريا ويمثلون تهديدا على منطقة الشرق الأوسط.
وفي تدخل سياسي مفاجئ قد يشير إلى نهاية فترة تولي المالكي للمنصب بعد ثماني سنوات حث المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الكتل السياسية على الاتفاق على رئيس للوزراء ورئيس للبلاد ورئيس للبرلمان قبل انعقاد البرلمان المنتخب في بغداد يوم غد الثلاثاء.
وينص نظام الحكم القائم في العراق منذ الاطاحة بالمقبور صدام على أن يكون رئيس الوزراء شيعيا ويكون منصب الرئيس الشرفي إلى حد كبير للأكراد ويكون رئيس البرلمان سنيا. وتمتد المناقشات بشأن المناصب لفترات طويلة فبعد الانتخابات الأخيرة في 2010 ظل المالكي قرابة عشرة أشهر لتشكيل ائتلاف حاكم.
والاتفاق على المناصب الثلاثة في خلال أربعة أيام قبل انعقاد جلسة البرلمان مثلما قال السيستاني سيتطلب التزام المجموعات العرقية والطائفية الثلاث الكبرى بالعملية السياسية وحل مشاكلها السياسية الملحة بسرعة وفي مقدمتها مصير المالكي.
وقال حلفاء المالكي إن دعوة السيستاني لاتخاذ قرار سريع لم يكن الهدف منها تهميش رئيس الوزراء وإنما الضغط على الأحزاب السياسية حتى لا تطول العملية وتشهد الخلافات المعهودة بينما تتعرض البلاد لخطر التقسيم لكنهم أقروا في الوقت نفسه بأن سياسات المالكي لا ترضي السيساني.
وقال مسؤول في قائمة دولة القانون بزعامة المالكي «مجموعات أخرى تقول للسيستاني إنه لا يمكنها ان تطيق المالكي لفترة ثالثة. لا يريد السيستاني التدخل في مسألة من سيكون رئيس الوزراء المقبل لكن ينبغي أن يتحقق تقدم.»
لكن خريطة الطريق وعرة. فلا يزال أمام الأكراد الاتفاق على مرشح للرئاسة كما ينقسم السنة على أنفسهم بشأن من يشغل منصب رئيس البرلمان.
وقال نائب عراقي ومسؤول سابق في الحكومة ينتمي إلى الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم أحزابا شيعية «الأيام المقبلة مهمة للغاية للتوصل إلى اتفاق.. لدفع العملية السياسية إلى الأمام.»
وأضاف النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع إنه يتوقع عقد اجتماعات داخلية للأحزاب المختلفة وجلسة أوسع للائتلاف الوطني تشارك فيها قائمة دولة القانون التي يتزعمها المالكي مطلع الأسبوع. وبالامس بعض الأحزاب السنية أيضا.
وسيجعل دخول السيستاني في المعادلة من الصعب على المالكي أن يستمر كرئيس وزراء مؤقت للعراق كما هو الحال منذ اجراء الانتخابات البرلمانية في ابريل.
وبعث السيستاني برسالته بعدما فشل اجتماع للفصائل الشيعية بما في ذلك ائتلاف دولة القانون في الاتفاق على مرشح لتولي منصب رئيس الوزراء.
ويتهم المالكي خصومه السياسيين بمحاولة منع عقد البرلمان في الوقت المحدد واستغلال العنف للتدخل في العملية السياسية.
وقال المالكي في اجتماع مع قادة نقله التلفزيون إن خصومه سعوا لتأجيل الانتخابات والآن يعملون على تأجيل الجلسة الأولى لمجلس النواب.
وأضاف أنهم إذا فشلوا في الضغط عليه لتأجيلها فإنهم سيلجأون إلى التحريض على أحداث أمنية في بغداد.
ومنذ مطلع يونيو يسيطر متشددو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية في شمال وغرب العراق كما استولوا على الموصل أكبر المدن الشمالية وعلى مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين. ويسعى التنظيم إلى اقامة خلافة اسلامية تلغي الحدود الاقليمية وتكفر الشيعة. وتباهى المتشددون باعدام العشرات من الجنود العراقيين الشيعة في تكريت.
وتحاول القوات العراقية اليوم التقدم نحو تكريت من ناحية سامراء إلى الجنوب مع تقدم التنظيم جنوبا صوب العاصمة العراقية بغداد.
واستبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ارسال قوات برية إلى العراق مرة أخرى لكن واشنطن أرسلت ما يصل إلى 300 مستشار معظمهم من القوات الخاصة لمساعدة الحكومة في القضاء على الدولة الاسلامية في العراق والشام.
وقال مسؤولو دفاع أمريكيون يوم الجمعة إن إدارة أوباما أرسلت طائرات مسلحة للتحليق فوق العراق لكنها تستهدف جمع معلومات المخابرات وتأمين الجنود الأمريكيين الموجودين على الأرض وليس مهاجمة أهداف.
لكن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية قال إن خيارات واشنطن الأخرى تتضمن ملاحقة «أفراد بارزين يمثلون قيادة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام» والعمل على حماية «البنية التحتية الحيوية» للعراق.
وعلي الارض خاضت القوات الحكومية العراقية، السبت، مواجهات ضد مجموعات مسلحة مناهضة لحكومة نوري المالكي على أطراف مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، في وقت أعلن مصدر عسكري مقتل جنود في اشتباكات جنوب غرب العاصمة بغداد.
وفي محيط ناحية دجلة الواقعة جنوب مدينة تكريت، اشتبكت القوات الحكومية مع المجموعات المسلحة التي تسيطر منذ أكثر من أسبوعين على مناطق واسعة من شمال العراق وغربه وشرقه، تشمل مدنا رئيسية بينها الموصل.
واندلعت الاشتباكات في هذه الناحية إثر إعلان الجيش عن شن ما وصفت بأكبر عملية برية منذ بداية هجوم المسلحين، وتترافق مع غطاء جوي كثيف ودراسة «أهداف مهمة» بالتعاون مع المستشارين العسكريين الأميركيين الذي وصلوا أخيرا للعراق.
وقال قائد عمليات سامراء، الفريق الركن صباح الفتلاوي، لوكالة فرانس برس «انطلقت عملية كبيرة لتطهير مدينة تكريت» من مسلحين تقول الحكومة إنهم ينتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وأكد شهود عيان أن الجيش العراقي وصل إلى ناحية دجلة، واشتبك مع المسلحين، قبل أن يقول شهود آخرون إن القوات الحكومية بلغت أطراف مدينة تكريت من جهة الغرب، حيث تخوض «معارك ضارية» مع المجموعات المسلحة.
من جانبه، قال المتحدث باسم الجيش، قاسم عطا، في مؤتمر صحفي في بغداد، إن تسعة وعشرين مسلحا قتلوا في معارك السبت في تكريت، ووصف الحالة المعنوية للمسلحين بأنها متخبطة وقريبة من الانهيار.
في المقابل، أكد مصدر عسكري عراقي، رفض الكشف عن هويته، مقتل ما لايقل عن واحد وعشرين جنديا وشرطيا في اشتباكات مع مقاتلي التنظيمات بالقرب من بلدة جرف الصخر على بعد خمسين كيلومترا فقط من العاصمة بغداد.
وكانت القوات العراقية تمكنت الخميس من السيطرة على جامعة تكريت الواقعة في شمال المدينة، بعد عملية إنزال قامت بها قوات خاصة أعقبتها اشتباكات مع مسلحين، ما مهد الطريق بحسب مسؤولين عسكريين، لإطلاق العملية البرية السبت.
وبالامس تمكن الجيش العراقي من طرد كافة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام - المعروف باسم «داعش» - من مدينة تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين الشمالية، وفقا لوسائل إعلام حكومية.
وقال التلفزيون الحكومي العراقي إن الجيش استعاد السيطرة على مقر المحافظ، وإنه قتل 60 من قيادات ومسلحي «داعش».
لكن متحدثا باسم «داعش» قال إن مسلحي التنظيم تمكنوا من صد هجوم القوات الحكومية، مؤكدا أنهم يطاردون حاليا ما بقي من قوات الجيش.
كما يسيطر مسلحون مناهضون لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي على مناطق واسعة في شمالي وغربي العراق.