
تونس –وكالات:مع بدء فترة الصمت الانتخابي في تونس، وتوقف حملات مرشحي الرئاسة عشية توجه الناخبين داخل تونس لاختيار أحدهما رئيسيا للبلاد، بات الحديث عن تأمين هذه الانتخابات يأخذ مكانه بدلا من تلك الحملات، وسط تهديد بإرباك المشهد الانتخابي من إحدى الجماعات المتطرفة، وإجراءات تقوم بها الأجهزة الأمنية لضمان سيرها بأمان.
وقبل أن تصمت حناجر المرشحين وأنصارهما، اختتم كل منهما حملته الانتخابية بالتوجه إلى الشعب التونسي لاختياره، وقال الباجي قائد السبسي إن «الشعب التونسي ذكي ويميز جيدا بين الغث والسمين» بحسب ما نقلت عنه الوكالة ، وخاطب الشعب قائلا «مستقبلكم بين أيديكم لا تعطوه لغيركم.» أما محمد المنصف المرزوقي منافسه في دورة الانتخابات الثانية، فقد «أكد أنه يشتم رائحه النصر» لأن «الشعب ينتفض ضد عودة الاستبداد» بحسب الوكالة، قال في آخر حديث عن الانتخابات مساء الجمعة بأن «مشروعه يتمثل في إعادة بناء الدولة من خلال إرساء ديمقراطية قائمة على القانون وسلطة الشعب.»
وعلى الصعيد الأمني دعت خلية الأزمة «إلى السهر على احترام القانون وردع كل مخالف يمس سلامة الأمن العام للبلاد ومن العملية الانتخابية» وذلك بعد اجتماع عقدته الخميس برئاسة رئيس الحكومة مهدي جمعة وحضور عدد من الوزراء بينهم وزري الداخلية والدفاع، وقررت خلاله إغلاق المعبرين اللذين يربطان البلاد بليبيا وهما راس جدير والذهيبة، بدءا من يوم الخميس وحتى منتصف ليل الأربعاء 24 ديسمبر/ كانون الثاني، «باستثناء الحالات الاستعجالية والإنسانية» بحسب ما أفادت الإذاعة التونسية.
وتزايدت الاحترازات الأمنية مع حديث وسائل الإعلام في تونس عن تبني تنظيم «أنصار الشريعة» في فيديو نشر على الانترنت لاغتيال السياسيين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي عام 2013، بحسب ما أفادت الإذاعة الرسمية، وقال المختص في الجماعات الإسلامية علية العلاني في حديث للإذاعة بأن التنظيم يحاول إرباك المسار الانتخابي، وأن ما ورد في الشريط وتوقيته ليس جديدا على هذه الجماعة حيث قال زعيما المعروف باسم أبو عياض التونسي عند الاستفتاء على الدستور بأنه «لن يمر إلا على جثتي» وبعدها قال بأن الانتخابات لن تمر ومرت، مؤكدا أن هدف هذا الشريط هو «إرباك المسار لانتخابي لأنهم يحسون بأنه لم يعد هناك وقت، وتونس سوف تستكمل آخر حلقاتها في المرحلة الانتقالية بدورتي الانتخابات الرئاسية.»
وفي شأن متصل يبدو السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي واثقا من إزاحة منافسه العنيد المنصف المرزوقي من رئاسة تونس في الانتخابات المقررة اليوم الأحد ، وهو يرى في الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس، والذي يضع تمثالا كبيرا له في مكتبه، رمزا ملهما لاستعادة هيبة الدولة.
أما المرزوقي فيرى أن هذه الانتخابات ستكون معركة حاسمة للتصدي لعودة النظام السابق ومواجهة بين قوى الثورة وقوى الماضي الفاسد.
المرزوقي اختار أن يرقص مع أنصاره في جزيرة جربة في حفل خطابي على وقع أنغام نشيد يتغنى بالثورة التونسية، في إشارة يسعى من خلالها لتقديم نفسه على أنه «حارس للثورة» ضد عودة فلول النظام القديم.
والسبسي (88 عاما) كان وزيرا في عهد بورقيبة وشغل منصب رئيس البرلمان في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد يشكل هذا مصدر قلق لقطاع من التونسيين بعد أربع سنوات من الانتفاضة التي أنهت عقودا من حكم الحزب الواحد.
والسبسي ينافس المرزوقي رئيس الجمهورية الحالي في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية يوم الأحد، والتي يفترض أن تكمل الانتقال الديمقراطي في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي.
وبعد أربعة أعوام من الانتفاضة التي أجبرت بن علي على الفرار وألهمت مصر واليمن وسوريا وليبيا أصبحت تونس الدولة الصغيرة في شمال إفريقيا منارة للتغيير الديمقراطي في المنطقة مع إقرار دستور تقدمي جديد وإجراء أول انتخابات برلمانية حرة في أكتوبر الماضي.
لكن الأسئلة حول عودة الحرس القديم تهيمن على السباق الانتخابي بين السبسي السياسي المخضرم الذي كان ضمن الحزب الواحد السابق والذي يقدم نفسه على أساس القدرة على إدارة شؤون البلاد المتردية، وبين المرزوقي الناشط الحقوقي الذي يعلن نفسه حارسا للثورة.
ولئن تبدو حظوظ المتنافسين قوية فإن السبسي نال تأييد عدة أطراف سياسية، بينما حظي المرزوقي بتأييد قواعد حركة النهضة في الجولة الأولى. ولم يتأكد حتى الآن دعم النهضة له في الدور الثاني مع إصرار رئيسها على التصريح بأن النهضة ستلتزم الحياد تجاه المرشحين.
وتمكن مسؤولون من النظام القديم من العودة للسياسة بقوة من بوابة الانتخابات بعد حصول حزب نداء تونس الذي يتزعمه السبسي على 86 مقعدا في البرلمان، متقدما على خصمه الإسلامي النهضة الذي كان أول حزب يفوز في انتخابات مجلس تأسيسي لصياغة الدستور في 2011.
ويسعى السبسي للنأي بنفسه عن الفساد والتجاوزات والانتهاكات المرتبطة بالنظام السابق، ويتقدم على أنه رجل ذو كفاءة وقدرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والأمنية، وإعادة هيبة الدولة بعد وضع هش وغير مستقر دام سنوات.
وقال السبسي في اجتماع شعبي أثناء حملته الانتخابية «هل تعتقدون أن رجلا في سني سيتغول الآن ويقيد الحريات؟ سأكون رئيسا لكل التونسيين، وأريد أن أعيد هيبة الدولة».
والسبسي الذي تعرض لانتقادات ساخرة من خصومه بسبب سنه غالبا ما يستحضر بورقيبة في دعوة التونسيين للأمل في مستقبل يراه تقدميا وحداثيا وأكثر استقرارا.
وعلى الرغم من أن بورقيبة هو من أسس للحزب الواحد ولرئاسة فردية مدى الحياة وماض غير ديمقراطي يعترف كثير من التونسيين بأن له الفضل في نشر التعليم على نطاق واسع ودعم حقوق المرأة وتنمية الاقتصاد.
ويحرص المرزوقي على الإشارة لفترة حكم بن علي ويقول إن فوز السبسي تقويض لثورة الياسمين وخطر على الديمقراطية من خلال ترسيخ النفوذ من جديد في أيدي الحرس القديم أو ما يعرف في تونس بأزلام النظام السابق.
ولكن نداء تونس لا يضم مسؤولين من النظام السابق فقط في صفوفه، بل هو مزيج من الشرائح السياسية التي تضم نقابيين ويساريين.
ويقول المرزوقي وهو مدافع شرس عن حقوق الإنسان في عهد بن علي وسجن أيضا بسبب مواقفه المعارضة للنظام، إن «السبسي لا يعرف ما هي الديمقراطية، وهو ليس رجلا ديمقراطيا».