
بغداد - «وكالات» : تستعد قوات مكافحة الإرهاب، بعد الانتهاء من المرحلة الثانية في معركة الموصل، إلى عبور نهر دجلة إلى الجهة اليمنى من الموصل، بالقرب من مطار المدينة لتشارك في فتح جبهة جديدة مع تنظيم «داعش» عند اقتحام آخر معقل له.
وأفادت مصادر بوصول خمسة جسور عائمة أرسلها التحالف إلى قاعدة القيارة لتشييدها على نهر دجلة وعبور القوات العراقية إلى الجانب الآخر. وتنقل الجسور عبر شاحنات إلى جنوب الموصل.
أما القوات التي أنهت مهامها في جنوب شرق الموصل، وهي الشرطة الاتحادية والرد السريع، فسيهجمون على الساحل الأيمن من جهة البوسيف التي تعرف كذلك بتلال البوسيف، وهي منطقة مرتفعة تطل على مطار الموصل.
من جهته، أعلن قائد المحور الشمالي للموصل، نجم الجبوري، السيطرة بالكامل على حي الكِندي الذي يضم منشأة الكِندي شرق الموصل.
وفي تطور آخر، تمكنت قواتُ مكافحة الإرهاب - الرتل الشمالي من السيطرة على حيّي الأندلس والشرطة المحاذيين لجامعة الموصل، فيما استطاع الرتل الجنوبي من قوات مكافحة الإرهاب من السيطرة على حي النبي يونس وحي الجمّاسة.
من جهة أخرى أفادت مصادر في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي بأن قوات من جهاز مكافحة الإرهاب شرعت في وقت مبكر من صباح أمس الإثنين باقتحام حيي الشرطة والنبي يونس بالساحل الأيسر من مدينة الموصل (400 كلم شمال بغداد) لتطهيرهما من تنظيم داعش.
وقالت المصادر إن «قوات من جهاز مكافحة الإرهاب بدأت في وقت مبكر اقتحام حي الشرطة وحي النبي يونس، وسجلت تقدماً كبيراً خلال الساعات الأولى من العملية وسط فرار لعناصر داعش».
وأوضحت أن القوات العراقية فتحت ممرات للسماح للعوائل بالنزوح إلى الأماكن الآمنة التي تخضع لسيطرة القوات العراقية.
من جانب آخر أصدر رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أوامر عاجلة وفورية تتعلق بإيواء وإغاثة النازحين في الموصل.
وأوضح مكتب الأمين العام للحكومة، أمس الإثنين، أن الأوامر نصت «على تشديد الإجراءات الأمنية في كافة المخيمات المقامة جنوب الموصل، وقيام قيادة العمليات المشتركة بإبلاغ وزارة الهجرة والمهجرين بالأعداد المتوقعة من النازحين، قبل البدء بتحرير الجانب الأيمن لمدينة الموصل، ليتسنى للأخيرة اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتهيئة متطلبات الإيواء والإغاثة، فضلاً عن قيام وزارة التجارة بإرسال مفردات البطاقة التموينية إلى المناطق المحررة في الجانب الأيسر من مدينة الموصل خلال فترة لا تتجاوز 7 أيام».
كما تضمنت الأوامر «قيام وزارة الهجرة والمهجرين تزويد الفريق الاستشاري الأعلى بنتائج التحقيق للحريق الحاصل في إحدى الخيم داخل مخيم الخازر، وبالسرعة الممكنة بالإضافة إلى التنسيق مع محافظة نينوى لإرسال تفاصيل مكتوبة عن الأعمال الجارية في كافة المخيمات القائمة حالياً جنوب الموصل».
وكان أكثر من 150 ألف نازح من مناطق للقتال ضد داعش قد نزحوا وتم إيوائهم في مخيمات للنازحين.
من جهة أخرى أفاد مصدر محلي في محافظة نينوى، أمس الإثنين، بأن زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي، أمر بإغلاق ما يعرف بـ «ديوان الجند والمهاجرين» وخيّر مسلحي التنظيم القادمين من خارج العراق بين العودة إلى بلدانهم أو تفجير أنفسهم والحصول على «72 حورية».
وقال المصدر، إن «البغدادي أصدر أمراً بإغلاق ديوان الجند والمهاجرين، فيما خيّر مقاتليه غير العراقيين بين العودة إلى بلدانهم أو تنفيذ عمليات انتحارية خلال معارك الموصل».
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن «البغدادي أبلغ المقاتلين بأن كل واحد منهم سيحصل على 72 حورية في الجنة إذا قام بتنفيذ عملية انتحارية»، وفقاً لموقع السومرية العراقي.
وكان مصدر محلي في محافظة نينوى أفاد الأحد، بأن البغدادي سحب لقب «الأمير» من قيادات التنظيم في الساحل الأيسر من الموصل، وذلك بعد انهيار التنظيم أمام تقدم القوات الأمنية.
من ناحية أخرى قد لا ترى في بعض أجزاء الموصل ما يذكرك بأن حربا دائرة في المدينة بين القوات العراقية وعناصر من «داعش» ما زالوا يسيطرون على أكثر من نصفها.
فالسيارات تتكدس في الشوارع ومنصات البيع تزخر بالمنتجات الطازجة والدراجات تشق طريقها وسط زحام السيارات مع خروج المدينة ببطء من القبضة الحديدية لحكم تنظيم «داعش» المستمر منذ عامين ونصف العام.
ومع تقدم القوات العراقية في المزيد والمزيد من مناطق أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم الارهابي، بدأت الحياة تعود لطبيعتها بعض الشيء في الأحياء الشرقية التي استعادتها القوات في المراحل الأولى من الحملة التي بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر.
لكن ما يذكر بالحرب وذكريات حكم المتطرفين ليس ببعيد.
وقال وسام (19 عاما) وهو يقطع اللحم لتقديمه لأحد العملاء في حي الزهور: «نحاول أن ننسى». وأضاف: «نحتاج لوقت.. بعض الأمور حُفرت في قلوبنا».
وكانت السوق حول منصة البيع التي يقف عليها وسام مزدحمة بالناس الذين يتمتعون بالسير بحرية دون إزعاج من أفراد «داعش» الذين كانوا يعاقبون الناس ويفرضون الغرامات ويجلدون بالسياط.
وركض شبان وراء كرة في ملعب لكرة القدم، بعضهم يرتدي السراويل الرياضية القصيرة التي كان من الممنوع ارتدائها في ظل حكم «داعش». لكن لم تكن قمصانهم القطنية الرياضية تحمل أي شارات أو علامات تجارية التي كان التنظيم يطلب إزالتها.
وقال أسامة (22 عاما) الذي يدير الملعب إن عناصر «داعش» أنفسهم كانوا يأتون في بعض الأحيان للعب، الأمر الذي كان يدفع كل الآخرين للفرار خوفا من أن يقعوا في مرمى طائرات قوات التحالف التي تستهدف التنظيم.
وأضاف أسامة أنه في ظل حكم «داعش» كان انتباه اللاعبين مشتت دائما بين النظر بعين إلى الكرة وبالأخرى إلى الشارع تحسبا لمرور دورية من دوريات التنظيم.
وما زالت الآثار ظاهرة لقذيفة مورتر سقطت على أرض الملعب، ولم يتبق في النوافذ سوى قطع صغيرة من الزجاج المهشم بعد انفجار سيارة ملغومة في مكان قريب عندما استعادت القوات العراقية حي الزهور في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
وبقي الكثيرون في منازلهم خلال المعركة مخالفين توقعات بخروج جماعي للسكان من المدينة التي تردد أن نحو 1.5 مليون نسمة يعيشون بها.
وبدأ الذين غادروا، سواء أثناء القتال أو قبل ذلك، في العودة رغم أنه لم يجر بعد إصلاح الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومنشآت الرعاية الصحية والمياه.
واستأنفت البلدية العمل لكن تنظيم «داعش» دمر أغلب معداتها وحوّل بعض سياراتها إلى سيارات ملغومة فاضطرت السلطات إلى استعارة سيارات من محافظات أخرى.
وعند مفترق طرق مزدحم يحفر العمال الطريق لإصلاح أنبوب مياه دمر في غارة جوية. ومرت سيارة أجرة يغني ركابها على موسيقى مرتفعة ويرقصون في مقاعدهم.
وقال رجل في المقعد الأمامي جاء من حي استعادته قوات الأمن لتوها: «إنه شعور لا يوصف.. لا يمكنني التعبير عنه».
وما زالت بعض المركبات ترفع رايات بيضاء لتعريف ركابها بأنهم غير مقاتلين.. وصياح الديوك تقطعه زخات إطلاق نار وضربات مدفعية تُسمع من جبهة القتال القريب.
وما زال الألوف يهربون من القتال في المدينة وبالنسبة لهم ما زالت الحياة أبعد كثيرا من أن تكون عادت إلى طبيعتها.
وعند نقطة تجمع للنازحين على طريق الخروج من الموصل، جلست أم محمد مع قليل من أمتعتها التي حملتها قبل أن تفر من حي سومر هذا الأسبوع والتي لا تزيد عن قليل من الملابس ونسخة من القرآن وقفص يضم ثلاثة عصافير ملونة.
وقالت أم محمد إن زوجها طلقها بعد زواج دام 10 سنوات ليتزوج من أرملة أحد مقاتلي تنظيم «داعش» قُتل في المعركة.
وأضافت أن زوجته الجديدة أصرت على أن يطلقها بدلا من أن يبقي على الزوجتين.
ولا تعترف السلطات العراقية بهذا الطلاق لأن الذي نفذه قاض من تنظيم «داعش» لذلك فهي رسميا ما زالت متزوجة.
وقالت أم محمد التي خلعت على عكس العديد من نساء الموصل النقاب الذي كان يفرضه التنظيم على النساء: «أنا متزوجة ومطلقة.. إنها حياة جديدة حياة غير واضحة».