
شهدت العاصمة العراقية، ليل الجمعة، ساعات صاخبة امتدت حتى فجر السبت، حيث بقي آلاف المتظاهرين الذين توافدوا منذ صباح الجمعة في أكبر تظاهرة منذ سقوط صدام حسين، محتشدين في ساحة التحرير، متحدين إطلاق قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط.
وذكرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، بحسب ما نقلت وكالة رويترز، أن امرأة لقيت حتفها إثر إصابتها بعبوة غاز في رأسها، مضيفة أن 155 شخصا على الأقل أصيبوا، الجمعة، مع استخدام الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ضد المحتجين بساحة التحرير في بغداد.
كما لقي خمسة أشخاص حتفهم خلال الليل في حوادث مشابهة.
من جهتهم، أفاد نشطاء ومدونون عراقيون أن ساحة التحرير ستشهد، السبت، تشييع أول متظاهرة، وتدعى نور رحيم علي، لافتين إلى أن الشابة العراقية القتيلة التي درست الطب، كانت تعمل مسعفة للمتظاهرين.
في المقابل، نفى المتحدث باسم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وفاة متظاهرة قرب جسر الجمهورية، قائلاً «لم يتسلمها أي مستشفى».
من جهتهم، أفاد نشطاء ومدونون عراقيون أن ساحة التحرير ستشهد، السبت، تشييع أول متظاهرة، وتدعى نور رحيم علي، لافتين إلى أن الشابة العراقية القتيلة التي درست الطب، كانت تعمل مسعفة للمتظاهرين.
في المقابل، نفى المتحدث باسم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وفاة متظاهرة قرب جسر الجمهورية، قائلاً «لم يتسلمها أي مستشفى».
وكما الأيام الخالية، ظلت الاحتجاجات سلمية نسبيا خلال النهار، لكنها اتخذت طابعا أكثر عنفا بعد حلول الظلام، إذ بدأت الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي للتصدي للشبان الذين يسمون أنفسهم «الثوريين».
وتركزت الاشتباكات عند الأسوار خارج جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء فوق نهر دجلة حيث المباني الحكومية التي يقول المحتجون إن القادة عزلوا أنفسهم فيها بعد أن صارت معقلا للامتيازات تحميه الأسوار. وكتب محتج على جدار قريب «كلما نشتم رائحة الموت بدخانكم نشتاق أكثر لعبور جسر جمهوريتكم».
إلى ذلك، شهدت كربلاء والبصرة تظاهرات ومسيرات.
ونصب الآلاف خياما في ساحة التحرير وانضم إليهم آلاف آخرون كثر أمس الأول الجمعة. واجتذبت صلاة الجمعة أكبر الحشود من المتظاهرين حتى الآن.
وبحلول عصر الجمعة كان عشرات الآلاف قد احتشدوا في الميدان منددين بالنخب التي يرونها فاسدة تأتمر بأمر القوى الأجنبية ويحملونها المسؤولية عن تردي أوضاع المعيشة.
يذكر أنه خلال الأيام الماضية، تسارعت بشكل مذهل وتيرة الاحتجاجات التي راح ضحيتها 250 شخصا على مدار الشهر الماضي، إذ اجتذبت حشودا ضخمة من مختلف الطوائف والأعراق في العراق لرفض الأحزاب السياسية التي تتولى السلطة منذ عام 2003.
من ناحيته أكد رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، أمس السبت، العمل بشكل مكثف ومتواصل من أجل الشعب ومطالبه دون ضغط خارجي، والعمل على إجراء تعديلات دستورية بمشاركة ممثلين عن المتظاهرين.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع)، عن بيان نشره الحلبوسي على موقعه في «فيس بوك»، قاله فيه، إن «المجلس ملتزم بـ»الخارطة التي وضعتها المرجعية (الشيعية) الرشيدة، التي أثبتت مرة بعد أخرى أنها صمام أمان للعراق، وعنوان وحدته».
ولفت الحلبوسي في البيان إلى أن مجلس النواب سيكون في حالة انعقاد دائم، من أجل الإسراع بتنفيذ هذه الخارطة.
وشدد الحلبوسي على ضرورة إجراء كل التعديلات الدستورية «بالشراكة مع ممثلين عن المتظاهرين والنخب و الخبراء والأكاديميين المحترمين ممن يعيشون الواقع العراقي بتفاصيله ليحددوا مكامن الخلل ومواطن الإصلاح».
وأضاف رئيس مجلس النواب أن «المجلس سيعمل بشكل مكثف ومتواصل اعتباراً من هذه الليلة، من أجل الشعب ومطالبه، دون ضغط خارجي، إقليمياً كان أو دولياً، ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية، لما فيه مصلحة العراقيين».
ويذكر أن المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، آية الله علي السيستاني، جدد، أمس الجمعة، تأكيده على إدانة التعرض للمتظاهرين السلميين، ودعا ممثل السيستاني في خطبة ألقاها في كربلاء إلى احترام إرادة المتظاهرين ومطالبهم.
كما شدد على أن الإصلاح في العراق يعود لما يختاره الشعب العراقي وليس لجهة معينة، قائلاً: «ليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين أو يفرض رأيه عليهم».
من جهة أخرى طالب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الحكومة العراقية بأن تستمع إلى مطالب المحتجين المشروعة، وتخفف القيود التي فرضت في
الآونة الأخيرة على الإعلام وحرية التعبير.
وأكد بومبيو في بيان له، أن أميركا ترحب بأي جهود جادة من العراق للتصدي للمشكلات التي يعاني منها المجتمع العراقي، وقال أنه يجب على كل الأطراف نبذ العنف.
هذا ووصف وزير الخارجية الأميركي، تحقيق العراق في أعمال العنف التي وقعت في أوائل أكتوبر بأنه «يفتقر للمصداقية الكافية» مؤكدا أن «العراقيين يستحقون العدالة وأن تتم محاسبة المسؤولين فعليا».
وكان بومبيو طلب منذ بداية أكتوبر من الحكومة العراقية أن تحترم مطالب المتظاهرين وتلتزم «أكبر قدر من ضبط النفس».
وكان تقرير حكومي عراقي اتهم الثلاثاء الماضي، قادة أمنيين بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين، مشيراً إلى أن «الضحايا المدنيين العراقيين سقطوا في الاحتجاجات نتيجة القوة المفرطة وإطلاق قوات الأمن الرصاص الحي».
وأوضحت لجنة التحقيق أن 70 في المئة من الإصابات بين المتظاهرين كانت في الرأس والصدر، نافية صدور أي أوامر من الجهات العليا بإطلاق الرصاص الحي عليهم.
من جانبها كشفت منظمة العفو الدولية في تحقيق لها عن وجود إصابات مروعة وقاتلة تعرض لها المحتجون في العراق، بسبب قنابل تشبه القنابل المسيلة للدموع، اخترقت جماجم المتظاهرين بشكل لم يشاهد من قبل. وأكدت في تحقيق لها، أن هذه القنابل يتم إطلاقها على المتظاهرين من أجل قتلهم وليس لتفريقهم.
يذكر أن الحراك الشعبي انطلق في البداية بالمدن العراقية، احتجاجاً على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، ليتحول لاحقاً إلى المطالبة بتغيير الحكومة، ووقف التدخلات الإيرانية.
من ناحية أخرى حوّل متظاهرون مبنى المطعم التركي المهجور، بساحة التحرير وسط بغداد، الذي شيّد إبان عهد صدام حسين، إلى غرفة عمليات وبرج مراقبة لدعم المحتجين الساعين إلى إسقاط النظام.
يقول عز الدين (21 عاماً) من داخل المبنى: «نحن هنا حزام ظهر المتظاهرين».
ويضيف الشاب الذي يدرس الهندسة وطلب فرصة منذ أسبوع للالتحاق بالتظاهرات: «نقدم الدعم اللوجستي لإخوتنا على الأرض، نبلغهم بالانسحابات وعمليات التقدم».
ويبدو جلياً أن غالبية المعتصمين داخل المبنى ولدوا حين كان مهجوراً، وبالتالي فإن أحداً لا يعرف فعلياً تاريخه.
وللمبنى الذي شيد خلال ثمانينيات القرن الماضي تاريخ متضارب.
لكن يشير قدامى البغداديين إلى أن البناء الذي أخذ اسمه من مطعم كان في الطابق الأخير، تعرض لقصف أمريكي خلال حرب الخليج الثانية في العام 1991.
وبعيد ذلك، استخدمه النظام مقراً لدائرة «هيئة الرياضة والشباب» التي استحدثت إبان فترة الحصار الاقتصادي على البلاد.
وكانت تلك إحدى المؤسسات التي استفادت من قرار الأمم المتحدة السماح لبعض الوزارات والدوائر الحكومية باستيراد المواد، في إطار اتفاقية «النفط مقابل الغذاء والدواء»، لحرمان بعض المؤسسات من الاستيراد والتصدير، وخصوصاً اللجنة الأولمبية التي كانت برئاسة عدي صدام حسين.
وخلال الاجتياح الأمريكي للعراق في العام 2003، تعرض المبنى حيث كان يتمركز مقاتلون للقصف، لأنه يطل على جسر الجمهورية التي دخلت منه الدبابات الأميركية لتسيطر على بغداد.
الجسر نفسه يراقبه من يسكن المطعم التركي اليوم، إذ أنه الفاصل الوحيد بين المتظاهرين والمنطقة الخضراء التي تضم المقار الحكومية، وتتخوف السلطات من اقتحامها.
يقول حيدر جعفر (28 عاماً)، الذي لم يغادر المبنى منذ ثمانية أيام: «نجلس هنا ونوافي المتظاهرين بالمعلومات، إذا تقدمت القوات أو وصلت الآليات والعتاد. علينا أن نراقبهم، وإلا التفوا علينا».
إلى جانبه، يؤكد ضرغام ابن العشرين ربيعاً أن هذه «معركة سيطرة. فإذا سيطرت القوات الأمنية على المبنى، سيكون المتظاهرون في خطر. لذا، علينا البقاء، ونقسم الواجبات، البعض ينام ليلاً والآخر ينام نهاراً، كي لا تغمض عيوننا».
وتنتشر الفرش والأغطية في معظم الطوابق، حيث تتخذ كل مجموعة زاوية لها للاستراحة بتدخين النرجيلة بعد إشعال الفحم بإضرام النار بالخشب، في حين يلهو آخرون بالدومينو أو بالورق، أو بمجرد الاستلقاء، رغم الضجيج.
أسماء كثير أطلقها المتظاهرون على المبنى، من «جبل أحد» الذي كان موقع المسلمين في المعركة التاريخية التي تحمل الاسم نفسه، إلى «حصن بغداد»، مروراً بـ»الجنائن المعلقة».
لكن الوصول إلى المبنى ليس أمراً يسيراً.
فبعد تجاوز الحشود في ساحة التحرير التي انطلقت منها موجة الاحتجاجات في وسط العاصمة، يبقى الطريق طويلاً.
على واجهة المبنى، علقت مئات اللافتات التي باتت اليوم تروي سيرة الاحتجاجات. من صور القتلى الذين سقطوا في الساحة، إلى شعارات ترفض «المحاصصة والتقسيم»، وصولاً إلى الأعلام العراقية وحتى العلم اللبناني تضامناً مع المتظاهرين في بيروت.
على من يرغب في الوصول إلى أحد الطوابق الـ18 للمبنى، أن يمر أولاً بمرآب السيارات الواسع المساحة، ثم الدخول في نفق السلالم الضيقة، ومحاولة الانسلال بين عشرات الصاعدين في الظلمة، الذين يستخدمون إضاءة هواتفهم الذكية للرؤية.
الضيق على السلالم، إضافة إلى الروائح المنبعثة التي تفاقمت طوال سنوات هجر المبنى وبالقمامة التي تجمعت مؤخراً، يتناساها المعتصمون بإطلاق هتافات ضد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والقيادات السياسية الحاكمة للتخفيف من مشقة رحلة الصعود.
لكن البعض يقررون مساراً خطراً بتسلق السقالة الحديدية على جانب المبنى، وسط تصفيق المتواجدين داخله وإطلاقهم هتافات حماسية.
خلال حركة الاحتجاج ضد حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في العام 2011، كان المبنى أيضاً محط أنظار، بعدما استخدمته القوات الأمنية مركزاً لمراقبة التظاهرات في ساحة التحرير آنذاك.
لكن اليوم، انقلبت الآية، بحسب ما يقول مثنى يوسف (42 عاماً)، مؤكداً أن «هذا المطعم صار الشريان والروح المعنوية والدفاعية للمتظاهرين، واليوم سيدخل التاريخ فعلياً».