
أكدت جهة إحياء التراث الاسلامي ان الخروج في المظاهرات والاعتصامات تؤدي إلى ضياع الامن واثارة الفتن، مبينة ان نصيحة الحاكم يجب ان تكون سراً بعيدا عن التشهير واعتلاء المنابر، لافتة في بيان صحافي إلى ضرورة التزام الظوابط الشرعية في اسداء النصحية، وجاء في نص البيان ما يلي:
إن قضية طاعة ولي الأمر من الأمور المحسومة في الشريعة وخصوصا عند أهل السنة والجماعة بل إن السلف قد استفاضوا في شرح هذه القضية. وجمعية إحياء التراث الإسلامي لها موقف واضح من هذا الأمر أثبتته في منهجها للدعوة والتوجيه الذي أصدرته في بداية التسعينات «1990 م» وقررت فيه موقفها من العديد من القضايا المهمة، حيث جاء في كتابها «منهج الجمعية للدعوة والتوجيه» وتحت عنوان «منهج السلف في تقويم أخطاء الحكام»: « من أوائل الأمور التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين أسلوب تغيير المنكر، فبالرغم من أن هناك اتفاقا عاما، أو إجماعا بين المسلمين جميعا على أن المنكر يجب تغييره بوسيلة من الوسائل الثلاث، اليد، واللسان، والقلب، فإن المسلمين اختلفوا قديما في الأسلوب الذي يجب أن يصحب تغيير المنكر بواسطته، وكذلك اختلفوا أيضا في المواضع التي يجوز استعمال اليد، أي: القوة فيها، ومتى يجوز استخدام اللسان ؟ وما الأوقات التي يُعذَرُ المسلم فيها إن أنكر بقلبه فقط ؟. وبالرغم من أن المسلمين - أيضا - متفقون على وجوب إتباع الحكمة في كل ذلك إلا أن تفسير الحكمة يختلف من طائفة إلى أخرى، ومن فرد إلى فرد. ويظهر هذا الاختلاف واضحا جليا في إنكار مُنكَرِ الإمام المُعلِنِ للإسلامِ، فبينما رأى الخوارج والمعتزلة وجوب إنكار منكرِ الإمامِ بكل صورة من صور الإنكار: اليد، واللسان، والقلب، نجد أن أهل السنة، وعلماء السلف قديما، وحديثا، قالوا بتحريم إنكار منكرِ الإمامِ المُعلِنِ للإسلام باليد، وأنه لا يجوز إنكار منكرِه إلا باللسانِ، والقلبِ فقط.
وقد رد علماء السنة، والسلف على ما قاله الخوارج والمعتزلة في ذلك بقولهم: إِن الرسول -ص-، استثنى الإمام من تغيير منكره بالقوة، بل لم يُجِز أصلا إنكارَ منكرِه إلا باللسان فقط» وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة منها حديث الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه - عن النبي - ص -: « من كَرِهَ من أميره شيئا فليصبر، فإنه مَن خرج من السلطان شِبرا مات ميتة جاهلية «. قال ابن بطال: « في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك مِن حَقنٍ للدماء، وَتَسكِينِ الدَّهمَاء «.
نصح الحاكم سرًّا:
ونرى بأن نصيحة الحاكم المسلم تكون سِرًّا من غير تشهير، ولا تعيير لحديث عياض بن غنم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبدِهِ علانية، وَليأخُذ بيده، فإن سمع منه فذاك، وإلا كان أَدَّى الذى عليه» ولحديثِ عبيد الله بن الخيار قال: أتيت أسامة بن زيد، فقلتُ، ألا تنصح عثمان بن عفان ليقيم الحد على الوليد ؟ فقال أسامة: هل تظن أني لا أُناصِحُه إلاَّ أَمَامَكُم ؟ والله لقد نصحتُه فيما بيني وبينه، ولم أكن لأفتحَ باباً للشر أكونُ أنا أولَ مَن فتحه.
قال الإمام الشوكانى - رحمه الله: ولكن ينبغي لمن ظهر له غَلَطُ الإمام في بعض المسائل أن يُناصِحَه، ولا يُظهِرَ الشناعةَ عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد فى الحديث أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله، وأنه لا يجوز الخروج على الأئمة - وإن بَلَغُوا فى الظلم أي مبلغ - ما أقاموا الصلاة، ولم يظهر منهم الكفر البَواح. والأحاديث فى هذا المعنى متواترة، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام فى طاعة الله، ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأخيرا نقول: « إنه لايجوز بحال إنكار منكر الإمام المسلم بالسيف، وإنما يُكتَفَى بإنكار منكره بالقلب، واللسان ؛ وذلك أنَّ الضرر الواقع على جمهور المسلمين من الخروج عليه أشد من انحراف الحاكم وظلمه، فإن السيف إذا وقع بين الأمة وقعت بسببه مفاسد كثيرة، فالإمام لا بد وأن ينحاز له كثيرون معه وخاصة إذا كانت الشوكة بيده، كالسلاح، والجيوش، وهؤلاء حتما سيتعصبون له، ومن ذا يستطيع أن يصل إلى الإمام دون أن يقع القتل فى مسلمين كثيرين يتترس بهم الإمام ؟ « وكذا لا يجوز إقامة المظاهرات، والاعتصامات، والإضرابات، وأعمال الشغب، وما شابهها، والتي لم يَجرِ عليها عمل السلف الصالح، ويترتب عليها ضياع الأمن، وإثارة الفتن.
ولنعلم أن كلمة الحق أقوى من ظلم أي سلطان مهما كان، وصبر أهل الحق على حقهم، وتعرضهم للأذي في سبيله، وانتظارهم لفرج الله، ورحمته عوامل رئيسة لانكسار الباطل، واندحاره مهما كان، كما أن افتراض الشر دائما بالسلاطين من اتباع الظن، ومن الحكم على القلوب التى لا يَطَّلِعُ عليها إلا الله تعالى، ونحن نعتقد أن القلوب بيد الله يُصَرِّفُهَا كيف يشاء.. انتهى.
ولم تعالج جمعية إحياء التراث الإسلامي هذه الأمور في منهجها فقط بل أصدرت جمعية احياء التراث الاسلامي عددا كبيرا من الكتب والرسائل حول هذا الأمر، وسنستعرض وبشكل سريع بعض هذه الاصدارات من أولها: رسالة قيمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله بعنوان «المعلوم من علاقة الحاكم والمحكوم «، وهذه الرسالة عبارة عن عشرة أسئلة طرحت على سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ضمن الضوابط الشرعية التي وضعها أهل العلم مستندين فيها إلى كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم.
وفيها يقول الشيخ ابن باز رحمة الله عليه: قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا»، فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة وهي فريضة في المعروف. والنصوص من السنة تبين المعنى وتفيد بأن المراد طاعتهم بالمعروف فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي فإذا أمروا بمعصية فلا يطاعون في المعصية لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها لقوله عليه الصلاة والسلام: «ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة، ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية» وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
ثم قال: فهذا يدل على أنهم لا يجوز منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما فيختل به الأمن وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم وتختل السبل ولا تأمن.
ويقول رحمه الله «إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم فيه من الله برهان فلا باس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة إما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة».
ويقول رحمه الله: «أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم فهذا لا يجوز بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك، لأن في ذلك مصالح المسلمين عامة ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر».
ويقول رحمه الله « فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعة فيقفون مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل المعصية أو معاص وقعت منه بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة بالطرق الطيبة الحكيمة بالجدل بالتي هي أحسن حتى ينجحوا وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير».
ـ ويقول مبينا رحمه الله الطريق الأمثل في التعامل مع ما يصدر من ولاة الأمر من معاص: «فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب والحكمة والأسلوب الحسن حتى يكثر الخير ويقل الشر».
ـ ويبين رحمه الله طريقة المناصحة بقوله: «ويناصحوا من ولاهم الله بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم في ظهر الغيب أن يهديهم ويوفقهم ويعينهم على الخير وأن يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلوها وعلى إقامة الحق».
ـ ويقول رحمه الله: من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة».
ـ ويقول رحمه الله: «الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده».
ـ ويقول رحمه الله: «يدعو للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء ومن أهم النصح أن يوفق للحق وأن يعان عليه وأن يصلح له البطانة وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بأسباب التوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل من أهم المهمات ومن أفضل القربات».
ـ ويقول رحمه الله: «ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع».
وهذه الرسالة القيمة قد طبعة اول مرة في نهاية السبعينيات «1970 م» ولا اعرف حقيقة على وجه الدقة سنة طباعتها لاول مرة الا انه قد اعيدت طباعتها مرات عدة كان آخرها منتصف شهر ديسمبر المنصرم «12 / 2010 م» ضمن حملة اعلامية لملتقى ثقافي اقامته جمعية احياء التراث الاسلامي بعنوان «فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» يوم الأربعاء الموافق 29/12/2010م، وشارك فيه شيوخ وعلماء من الكويت والمملكة العربية السعودية، وتضمن محاضرة بعنوان: «أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراتب الناس فيه للشيخ د. عادل المطيرات، ومحاضرة بعنوان: «المصالح والمفاسد المترتبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأحكام المترتبة على ذلك» للشيخ د. محمد الحمود النجدي.
وكذلك محاضرة بعنوان: «مسائل هامة في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للشيخ د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر «المملكة العربية السعودية»، بالإضافة لمشاركة هاتفية لمفتي المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ.
كما قامت الجمعية وفي نفس الوقت بطباعة وتوزيع كتاب «فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الشبهات الواردة عليه»، ومما تضمنه الكتاب في المبحث الأول حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أهل اللغة وفي الشرع، وخلص الى أن الأمر بالمعروف هو: الأمر بكل ما فرضه الشارع، أو ندب إليه، والنهي عن المنكر هو: النهي عن كل محظور والوقوع فيه في الشرع. وفي المبحث الثاني يستدل المؤلف لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويوضح أنه من النصيحة التي هي من الدين، ووجوبه ثابت في بالكتاب والسنة، ومن أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها، ويرتفع سنامها.
فقد ثبت بالتجربة والمشاهدة أن المرض إذا أهمل، ولم يعالج استشرى في الجسم وعسر علاجه بعد تمكنه من الجسم واستشرائه فيه، وكذلك المنكر إذا ترك، فلم يغير.
وفي المبحث الثالث يصف المؤلف القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبين صفاته، فهو إما أن يكون متطوعاً يندب نفسه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يطلب على عمله جزاء ولا شكوراً إلا من الله، وإما منصوباً قد نصبه الإمام، أو نائبه للنظر في أحوال الرعية، وهو ما يطلق عليه «والي الحسبة» أو «المحتسب»، وهو موظف مختص من قبل الدولة يقوم بمهمة الإشراف عن نشاط الأفراد في مجال الدين والأخلاق والاقتصاد، تحقيقاً للعدل والفضيلة، وفقاً للمباديء المقررة في الشريعة والأعراف المألوفة في كل بيئة وزمن.
وفي المبحث الرابع يحدد المؤلف اختصاصات والى الحسبة في الأمر بكل معروف ظهر تركه، والنهي عن كل منكر ظهر فعله، سواء كان ذلك فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، أم بحقوق العباد، أم بالحقوق المشتركة بينهما.
وفي المبحث الخامس: يوضح المؤلف شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإسلام والقدرة، فالعاجز عن تغيير المنكر بيده، أو لسانه أنكره بقلبه، وأن يكون عالماً بأحكام الشريعة عامة، وأن يكون عالماً فيما يأمر، أو ينهى عنه، عفيفاً عن أموال الناس، متورعاً عن قبول الهدية، مأذوناً له من الإمام، أو نائبه إن كان محتسباً.
وفي المبحث السادس: يضع المؤلف آداب من يباشر الأمر والنهي، والتي منها الرفق واللين، فمن شيمة المحتسب الرفق ولين القول والشفقة وسهولة الأخلاق عند أمره للناس ونهيه، وذلك ليكون قوله أبلغ في استمالة القلوب.
كذلك الصبر، أي أن يكون المحتسب صبوراً على ما أصابه، موطناً نفسه على لقاء المكروه، ومحتسباً ذلك عند الله.
القدوة الصالحة: فسيكون المحتسب عاملاً بما يأمر به ابتغاء وجه الله بقوله وفعله، وطلب مرضاته واعزاز دينه.
وفي المبحث السابع: يحكم المؤلف كتاباته حين يضع الضوابط الخاصة بالأمر بالمعروف والنهي التي يجب مراعاتها، ولا يجوز تجاهلها، ومن تلك أن يكون الآمر والناهي ذا علم صحيح، وفهم سليم، ورأي سديد بعد التثبت، بعيداً عن الظن القاصر، والتهام القاسي، والهوى الباطل.
وأن يراعي مبدأ اليسر، ويبتعد عن التشدد والغلو، ويلزم جانب الاعتدال والوسطية، فالمطلوب أن يكون المحتسب معتدلاً في أمره ونهيه من غير إفراط ولا تفريط، وأن لا ينكر إلا ما علم أنه منكر.
فالمحتسب إنما يحتسب على تغيير كل منكر موجود في الحال والظاهر بغير تجسس معلوم كونـه منكراً بغير خلاف فيه.
كذلك من الإصدارات المتميزة والتي عالجت قضية طاعة ولي الأمر بشكل مباشر وضمن رؤية عصرية كتاب «المنهج الإسلامي في معاملة الحكام» جمع وتأليف وإعداد أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله التويجري.
وفي مقدمة هذا الكتاب وقف المؤلف على أهمية الموضوع فقال: من أعظم ما يهم الناس خاصتهم وعامتهم والذي هو من أهم مقومات أمنهم في دينهم ودنياهم ما يتعلق بتعاملهم مع ولاة أمرهم وما يجب لهم من حق وقد اشتملت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على التشريع الحكيم لهذا الأمر العظيم فأكدت وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وحذرت من معصيتهم ومفارقة جماعة المسلمين وليس بخاف ما تضمنه هذا التشريع القويم من الخير العظيم للأمة جمعاء إذ باجتماع الكلمة يعم الأمن وتستقيم أمور الناس في شئون حياتهم ويتحقق التعاون على الخير ويتقون أضرار الفرقة والاختلاف وبذلك تقوى الأمة وتكون مهابة الجانب وفي معصية ولاة الأمر الشر المستطير والفساد الكثير وظهور الفتن وتسلط المجرمين لذلك أولى أهل العلم السابقون منهم والمعاصرون هذا الجانب اهتمامهم ونبهوا إلى ما تضمنته النصوص الشرعية من وجوب الطاعة بالمعروف والتحذير من الخروج عن الجماعة لما يترتب علي ذلك من المفاسد العظيمة والأضرار الكبيرة.
وعمل المؤلف تمهيدا لكتابه أورد فيه بعض الآيات والأحاديث التي تحث على طاعة ولاة الأمر.
ثم ذكر بعد ذلك المصادر التي أخذ منها النقولات المتعلقة بالموضوع ومنها:
كتاب أصول السنة للإمام المبجل أحمد بن حنبل وكتاب السنة لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال وكتاب شرح السنة للإمام أبي محمد الحسن بن علي البربهاري وكتاب الشريعة للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للاكائي وغيرها من المصادر العظيمة التي تزخر بها المكتبة الإسلامية.
ثم عقد فصلا جمع فيه متون العقيدة المعتمدة عند أهل السنة والجماعة في مسائل طاعة ولي الأمر وكيف أن مصنفي هذه المتون اعتبروا هذا الأصل العظيم من أهم الأصول إذ يختلف أهل السنة عن أهل البدع من معتزلة وخوارج في هذه المسائل المهمة التي يترتب على الأخذ بها مصالح عظيمة وعلى تركها مفاسد كثيرة، ومن هذه المتون: العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي وكتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة المقدسي وكتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب المسائل التي خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وكتاب أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة للعلامة حافظ الحكمي.
وفي الفصل الذي يليه بين وجوب البيعة والسمع والطاعة بالمعروف وبدأه بتعريف البيعة بأنها عهد على الطاعة ثم ذكر الدليل على وجوب البيعة للإمام. قال الشوكاني رحمه الله: «من أعظم الأدلة على وجوب نصب الأئمة وبذل البيعة لهم ما أخرجه أحمد والترمذي وابن خزيمه وابن حبان في صحيحه من حديث الحارث الأشعري بلفظ «من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتتة موتة جاهلية».
ثم أورد إجابة الشيخ صالح الفوزان عن البيعة هل هي وأجبة أو مستحبة أو مباحة وما منزلتها من الجماعة والسمع والطاعة ؟ فأجاب فضيلته: تجب البيعة لولي الأمر على السمع والطاعة عند تنصيبه إماما للمسلمين على الكتاب والسنة والذين يبايعون هم أهل الحل والعقد من العلماء والقادة وغيرهم من بقية الرعية تبع لهم تلزمهم الطاعة بمبايعة هولاء فلا تطلب البيعة من كل أفراد الرعية لأن المسلمين جماعة واحدة ينوب عنهم قادتهم وعلماؤهم.
وهذا ما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة.
والبيعة على الطريقة الإسلامية يحصل بها الاجتماع والائتلاف ويتحقق بها الأمن والاستقرار دون مزايدات ومنافسات فوضوية تكلف الأمة مشقة وعنتا وسفك دماء وغير ذلك.
ثم عقد فصلا واختصه بإيراد فتاوى كبار العلماء حول البيعة والوفاء بالعهود أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وفضيلة الشيخ محمد بن الصالح العثيمين وسماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ومن النقولات الواردة في هذه الفتاوى:
سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فأجاب:
هذا من جهله وعدم بصيرته لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ون النصيحة لله ولعباده.
فالمؤمن يدعوا للناس بالخير والسلطان أولى من يدعو له لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء ومن أهم النصح. وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: لو أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان.
ويقول الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في معرض رده عن أحد الأسئلة: من يدعو أي إنسان إلى الخروج عن طاعة الإمام وعدم السمع والطاعة فأسيئوا الظن به بأنه منافق وبأنه فاجر ولا عهد له ولا دين ولا أمانه لأن والعياذ بالله هذه الدعوات تدعوا إلى الفوضى وإلى سفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض.
وفي الفصل الأخير يورد المؤلف عددا من فوائد الدعاء لولاة الأمر وعد من ذلك:
أن المسلم حين يدعو لولي الأمر فإنه يتعبد ربه بهذا الدعاء وذلك لأن سمعه وطاعته لولي الأمر إنما كان بسبب أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
في الدعاء لولي الأمر إبراء للذمة إذ الدعاء من النصيحة والنصيحة واجبة على كل مسلم.
الدعاء لولي الأمر من علامات أهل السنة والجماعة.
إن في الدعاء تصديقا لمبدأ السمع والطاعة وتأكيدا له وإعلانا به.
الدعاء لولي الأمر عائد إلى الرعية نفعه الأكبر إلى الرعية أنفسهم فإذا صلح صلحت الرعية واستقامت أحوالها.
أن ولي الأمر إذا بلغه أن الرعية تدعو له فإنه يسر بذلك غاية السرور ويدعوه ذلك إلى محبتهم ورفع المؤن ونحوها عنهم.
أن في ذلك ترويضا للرعية وتربية لها على الطاعة والانقياد لمن شرع الله طاعته من ولاة الأمور والوالدين والأزواج ونحوهم.
وفي الختام وضح المؤلف سبب كتابته في هذا الموضوع فقال:
لأنه من القواعد المقررة عند السلف زيادة الاعتناء بهذا الموضوع كلما زادت حاجة الأمة إليه سدا لباب الفتن وإيصادا لطريق الخروج على الولاة الذي هو أثل فساد الدين.
فلم نكتب والله تزلفا للسلطان أو رغبة في المال أو ابتغاء وجاهه ولكن بمعرفة هذا الموضوع حق معرفته ورعايته حق رعايته يكون فيه بإذن الله اجتماع الكلمة والائتلاف ودحر الاختلاف.