
تحتفل دولة الكويت غدا بمرور 50 عاما على المصادقة على دستور البلاد في مناسبة ربما تختزل تاريخ تلك الدولة في مراحل ما قبل وبعد الاستقلال وحتى هذا اليوم.
ففي الحادي عشر من نوفمبر عام 1962 أصدر الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح دستور الكويت ليبقى شاهدا على ميلاد جديد لدولة وشعب مستعد لمواكبة العوالم المتقدمة بفضل 183 مادة أصبحت منهجا متكاملا لحياة الكويتيين.
ولدستور الكويت قصة طويلة سطرها رجال يشار إليهم بفخر واعتزاز بدأت منذ أن طلب الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم من الوجيه عبدالله ثنيان الغانم الاشراف على وضع مشروع للدستور.
واثر ذلك صدر القانون رقم 1 لسنة 1962 الذي دعا إلى انتخاب مجلس تأسيسي تنطلق مهامه لوضع دستور للبلاد يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها.
وفي الجلسة السادسة للمجلس التأسيسي وتحديدا في الثالث من مارس 1962 تم انتخاب لجنة الدستور حيث ضمت نخبة من رجالات الكويت المشهود لهم بالنزاهة والسيرة الحسنة بين أوساط الكويتيين.
وعقدت هذه اللجنة 23 جلسة تخللها سجال طويل لم يخل من الاختلافات والنقاشات المنصبة على الطبيعة القانونية والاخلاقية التي يجب أن تكون عليه مواد الدستور المزمع إعداده لتلك الدولة المدنية الناشئة.
وفي 27 أكتوبر 1962 كانت اللجنة قد فرغت من إعداد مشروع الدستور وأحالته في ذلك اليوم إلى المجلس التأسيسي لمناقشته واقراره.
ووافق المجلس بالإجماع على مشروع الدستور بعد مناقشته بعناية حيث وجه رئيس المجلس عبداللطيف ثنيان الغانم كلمة قال فيها «يسعدني أن أكرر وأسجل أنه برغم ما احتدم أحيانا كثيرة في لجنة الدستور أو جلسات المجلس من مناقشات واختلاف بالرأي فان ذلك لم ينل في قليل أو كثير من تماسكنا كزملاء وتعاوننا كحملة رسالة وحفاظ أمانة نؤديها لجيلنا والأجيال المقبلة».
وتجدر الاشارة إلى الدور الإيجابي الذي لعبه الوزراء غير المنتخبين من الاسرة الحاكمة حينما قرروا عدم المشاركة في التصويت على الدستور وذلك لضمانة أن يكون هذا الدستور نتاج إرادة أعضاء مجلس الأمة المنتخبين.
ويمثل الدستور الكويتي مكسبا حضاريا مهما لما يحمله من مواد تركز على القيم الانسانية بصورة لافتة فقد وضع الدستور أساسا مستقرا لنظام الحكم الديمقراطي ومكن من كفل الحريات العامة وضمن الحقوق المدنية وحدد أسس النظام والدولة والمجتمع ونظم هيئات الحكم في إطار مبدأ فصل السلطات الثلاث.
ويحوي دستور الكويت 183 مادة متوزعة على خمسة أبواب كان نصيب الباب الأول المتعلق بالدولة ونظام الحكم ست مواد أما الباب الثاني المعنون «المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي» فقد تضمن 20 مادة والباب الثالث «الحقوق والواجبات العامة» 23 مادة.
وضم الباب الرابع المعنون «السلطات» وهو الباب الأكبر في الدستور الكويتي 121 مادة موزعة على خمسة فصول في حين ضم الباب الخامس «أحكام عامة وأحكام مؤقتة» ديباجة دستور الكويت.
وعلى الرغم من أن دستور الكويت نص على الا يجوز تنقيحه إلا بعد خمس سنوات وفقا للمادة 174 فانه يعد من الدساتير الجامدة من جهة أن اي تعديل يتم عليه يحتاج إلى إجراءات معقدة حيث تذكر المادة نفسها أن «للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم من أكثر من أحكامها أو بإضافة أحكام جديدة إليه فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و66 من هذا الدستور، وإذا رفض التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض».
وأخذ الدستور الكويتي طابعا تعاقديا حيث بدا طرفا العقد بصورة جلية في ديباجته وهما الأمير وممثلو الشعب مما خلق من هذه الصيغة مسؤولية مشتركة لخدمة تقدم البلاد والدفع باستمرار الدولة بطابعها الديموقراطي.
وبدا واضحا أن كل من شارك في صياغة وصناعة هذا الدستور كان حريصا على أن لايخرج في مفاهيمه وقيمه عن الطابع العربي والاسلامي المرتبط بعقيدة وجذور المجتمع الكويتي حيث نصت المادة الثانية على أن «دين الدولة الاسلام والشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع» كما نصت المادة الثانية على أن «لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية» في حين حددت المادة الأولى من الدستور أن «الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة».
ولعل روح الدستور وقيمه ومفاهيمه قد انعكست على حياة المواطن الكويتي بما منحه من مساحة واسعة من الحرية وضمان المساواة والعدالة باعتبار أن «العدالة والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين» وفقا للمادة السابعة من الدستور.
ولم يغفل المشرع الكويتي دور الأسرة بوصفها أساس وركيزة المجتمع كما تذكر المادة التاسعة من الدستور وبناء على ذلك تم استصدار قوانين متعددة لضمان حمايتها ودفعها بعيدا عن التفكك معولا على أهمية غرس قيم الدين والأخلاق وحب الوطن.
وقدمت الدولة بما تضمنه الدستور كفالة تامة للمواطنين «في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل» وفقا لما تضمنته المادة 11 من أحكامه وتبين تطبيق ذلك جليا بما أقامته الدولة من خدمات ورعاية للنشء والشباب وكبار السن وخدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية.
ولا شك أن دستور 1962 الذي تحتفل به البلاد اليوم بمناسبة ما هو إلا قصة طويلة من التطور التاريخي والسياسي للكويت كان قد أنهاها الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح حينما سأل الحضور أثناء التصديق عليه حول ما إذا كان كان هذا مايريده الشعب ووقع على الدستور في اليوم نفسه ودون تردد رغم أنه كان لدية مهلة شهر للمصادقة عليه.
ووسط الأجواء الاحتفالية التي تعيشها الكويت هذه الايام بمناسبة مرور 50 سنة على وضع الدستور فإنه صار يلعب دورا مهما في حياة الكويتيين الذين مارسوا الحياة الديمقراطية منذ التصديق عليه ليشكل بذلك منهجا لحياتهم.
وكان اختيار الكويتيين لآل صباح حكاما لهم منذ اكثر 300 عام وعلى اساس الشورى وتبادل الرأي قد مهد الى افاق دستور عام 1962 الذي يعيش فيه الكويتيون تفاصيل حياتهم اليومية.
وكانت الكويت اول دولة في المنطقة تضع دستورا نقلها الى مرحلة المؤسسات ووضعها على خريطة الدول التي اختطت المسيرة الديمقراطية والحريات.
وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور حامد العبدالله في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية «كونا» ان الدستور الكويتي نجح في تنظيم شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم مستفيدا بذلك من ثراء الكويت التاريخي عندما اختار الشعب الكويتي عام 1756م الشيخ صباح الاول كأول حاكم للكويت علي ان تكون الشورى والمبايعة هما اساس الحكم. ووفقا للمادة رقم 6 في الدستور «فان نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا وتكون ممارسة السيادة علي الوجه المبين بهذا الدستور».
وذكر ان نظام الحكم لا يقوم على مبدأ الاستفراد بالسلطة وإنما يكون للمحكوم دور في صنع القرار السياسي من خلال اختياره في العملية التشريعية انتخابا وترشيحا مضيفا ان اعضاء مجلس الامة هم ممثلو الشعب وهم مسؤولون عن عمليتي التشريع والمراقبة لاعمال السلطة التنفيذية كما ان لمجلس الامة دورا في اختيار ولي العهد.
وأوضح الدكتور العبدالله ان الدستور الكويتي نقل العديد من الحقوق الاقتصادية والسياسية والمدنية والاجتماعية للمواطن بصورة تضاهي ماهو موجود في ارقي البلاد الديمقراطية كحق التعليم والعمل والملكية الخاصة وحرية الاعتقاد والرأي وتكوين الجمعيات والنقابات على الاسس التي كفلتها القوانين بالإضافة الى حرية الصحافة والطباعة والنشر.
وقال ان الامير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه حيث انه هو رئيس السلطة التنفيذية والقائد الاعلى للقوات المسلحة كما انه مشارك في العملية التشريعية من خلال مجلس الوزراء وتصدر الاحكام القضائية باسمه.
واضاف الدكتور العبد الله ان الذات الاميرية مصونة ومحصنة وفقا للمادة 54 من الدستور مبينا ان منصب امير البلاد يسمو فوق كل التناقضات والاختلافات السياسية وان صاحب السمو يعتبر بمثابة الاب القائد الذي يقدم المشورة والتوجيه والنصح لأبنائه الكويتيين اذا المت بهم الازمات.
واوضح ان هذا لا يعني ان الدستور الكويتي لا يعاني من ثغرات افرزتها التجربة السياسية الكويتية علي مدار الخمسين عاما الماضية فقد نصت المادة 174 من الدستور على «انه لايجوز اقتراح تعديل الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به».
واشار الى امكانية تنقيح الدستور بعد مضي هذه الفترة وبناء على معطيات التجربة السياسية المستقبلية دون وجود مخاوف بشأن عملية تنقيح الدستور مستندا بذلك الى نص المادة المذكورة.
من جهتها قالت المتخصصة بالدراسات الاستراتيجية في مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت الدكتورة ندى المطوع في لقاء مماثل ان الدستور الكويتي عبارة عن وثيقة استهدفت تحديد ملامح السلطة السياسية عبر توضيح العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حيث تميز امام غيره من الدساتير بدول العالم النامي بالبنود والمواد الخاصة بالحريات وحقوق المواطنين والاحكام الخاصة.
وأضافت ان الدستور الكويتي رغم احتفاظه بالجمود امام التعديل والتنقيح اتسم بمرونة مواده امام التطوير حيث ان استمرار روح التجديد في التاريخ السياسي سمة من سمات السياسة الكويتية ورغم ذلك لم تخل الحياة السياسية من الخلافات ولم تخل ايضا من الروح القيادية والالتزام بالحوار.
وذكرت الدكتورة المطوع ان عملية صياغة الدستور في الماضي تأثرت بالحراك الثقافي الناتج عن انفتاح الكويت على الدول العربية بمفكريها ووسائل اعلامها من اذاعة ومجلات وكتب وبعثات دراسية.
وقالت ان هناك حدودا للديمقراطية لكن المطلوب هو عدم جرها للحد الادنى وان لا تهبط الممارسة السياسية الى مستوى متدن والا فانها ستفقد صفتها الديمقراطية فكلما كان النهج ديمقراطي في اتخاذ القرارات العامة ازداد معدل الاستقرار السياسي.