وجه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح كلمة الى اخوانه وأبنائه المواطنين بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ50 للمصادقة على دستور دولة الكويت.
واستشهد صاحب السمو في مستهل كلمته بقوله تعالى «وأن ليس للانسان إلا ماسعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى» صدق الله العظيم الحمدلله.
وقال سموه اللهم كما زودتنا نعما وفضلا فألهمنا حمدا وشكرا وسعيا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجتمع وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره».
وأضاف سموه «أحبائي أبناء وبنات وطني كلمات خالدة مضيئة عبر بها المغفور له باذن الله تعالى الشيخ عبدالله السالم الصباح -أمير البلاد الأسبق في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاما في ايجاز واف عن الاسباب التي من أجلها صدر دستور البلاد. فلقد جاء الدستور استشرافا لمكانة من كرمهم الله سبحانه في كتابه العزيز بقوله «وأمرهم شورى بينهم» وتكريسا لما كان عليه أهل الكويت على مر الاجيال المتعاقبة أخوة متكاتفين تجمع بينهم وحدة الرؤية ووشائج المصير المشترك في اطار من الايمان الصادق باسلامنا الحنيف وثوابتنا الراسخة متمسكين بقيمهم الاصيلة مجسدين روح الاسرة التي تربط بينهم.
وتابع سموه: وانني اليوم اذ أهنئ وطننا الغالي وأهنئكم جميعا بهذه الذكرى الخالدة فإنني أستذكر معكم أحكام هذا الدستور وقد جاء ترسيخا لما جبل عليه أهل الكويت من مبادئ وقيم وهي الدعامة الرئيسية لأمن الوطن كما انها الضمانة الحقيقية لاستقرار نظام الكويت السياسي وفي ظلها تمارس الحرية والديمقراطية كأداة بناء وانجاز لدعم المجتمع وزيادة قوته وتوحيد صفوفه.
واستدرك سموه: وفي هذا المقام يجدر بنا أن نستذكر بكل الثناء والتقدير هامات خالدة رجالا كان لهم الفضل في اقامة الحياة النيابية المنظمة وتأسيس قواعدها مسترشدين بخطى من سبقهم في تمهيد الارض الصالحة وتهيئة الطريق لانجاز دستور شامل كتبت أحرفه بكثير من الجهد والعرق والفكر الهادف المستنير هو دائما موضع فخرنا واعتزازنا جميعا.
واستطرد سموه: لقد عشنا زهاء خمسة عقود من العمل البرلماني بما حملته من نتائج وممارسات بحلوها ومرها ولكي نقطف ثمار مسيرتنا البرلمانية علينا أن نصون تجربتنا بالتقييم الموضوعي والنقد الذاتي البناء فليس عيبا ان تشوبها بعض المثالب ولكن العيب في تجاهل تلك المثالب والتهاون في اصلاحها والتخلص منها.. نعم نتفهم الاختلاف حول سبل اصلاح أمورنا.. نتقبل النقد والنصح للارتقاء بمؤسساتنا كما نرحب بل ندعو للمساءلة والمحاسبة لأي مسئول عن أي خلل أو قصور أو اعتداء على المال العام أو انتهاك وتجاوز القانون ونتعاون جميعا لخير ومصلحة بلدنا فهذا همنا وهدفنا الوطني المشترك وبصوت العقل نعالج مشاكلنا.
وقال سموه ان تأمين مسيرتنا الديمقراطية يتطلب الاتزان في تعاطي الامور بالحكمة والروية وحسن التقدير والبعد عن الانفعال والتهور وقد شهدنا ما تعرضت له شعوب وأمم أعماها الجهل والتعصب فعصفت بوحدتها الفتن ومزقت شملها وحاق بها الخراب والدمار. لن أكرر ماسبق وإن حذرت منه ولن ننسى أبدا بأن الكويت أمانة غالية في أعناقنا وان ما نعيشه من أمن وطمأنينة وحرية ورغد عيش هي نعمة كبرى لا يدرك قيمتها ومعناها الا من فقدها.. يقول عز من قائل.. «وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها» وكما يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». فلنتبصر هذه المعاني العميقة السامية فالكفر بالنعمة طريق زوالها وشكر النعمة سبيل دوامها.
وأضاف صاحب السمو ان الدول التي تنعم بظلال الحرية والدستور والقوانين والمؤسسات والمجالس المنتخبة وتتمتع بإعلام حر وتمتلك جميع الادوات الدستورية للرقابة والمحاسبة تكون ممارستها محكومة بالروح الوطنية والتمعن بمعاني القسم البرلماني العظيم ومتطلباته وإعادة النظر في الكثير من المفاهيم المغلوطة والاعراف المشوهة التي عمل البعض على ترسيخها عن طريق الامر الواقع كما تستوجب أيضا ايصال نبض الشارع وهمومه الى المؤسسات لا أن تجر المؤسسات الى الشارع.. واذ نؤكد ثقتنا بحسن نوايا الجميع وحقهم في التعبير عن رأيهم غير اننا لسنا وحدنا في الميدان.. وهناك مصالح وأهداف وغايات لأعداء هذا الوطن نربأ بأن يكون أبناؤنا أدوات ووقودا لها دون أن يعلموا.
وتابع سموه: ومن الوعي والحكمة والعقل أن نتباصر حول المستفيد الاكبر من تعريض البلاد للفوضى والقلاقل ونتساءل أين تصب نتائج هذه الفوضى في المحصلة النهائية فلنتق الله في وطننا وأهلنا في حاضرنا.
وزاد سموه ان التحدي الأكبر والاهم هو تحدي الديمقراطية فالديمقراطية التي نريد تعزز الامن ولا تقوضه.. تدفع الانجاز ولا تضعفه.. والحريات التي نرغب تكرس الاستقرار ولا تهدده.. توحد الصف ولا تفرقه.. تثري الحوار ولا تقطعه. ولن يكون الأمن والاستقرار بديلا للحرية والديمقراطية بل هما صنوان متلازمان يمثلان ضمانة أساسية لأمن كل مجتمع واستقراره.. ولنا فيما آلت اليه الدول ذات الانظمة الدكتاتورية خير شاهد ودليل.
واردف سموه أن من أهم الانجازات التي نفخر بها ذلك الحدث التاريخي من تجربتنا الديمقراطية متمثلا بنيل المرأة الكويتية حقها السياسي في الانتخاب والترشيح.. والذي يأتي مكملا لدورها الحيوي المشهود عبر الاجيال في تحمل مسئولية بناء وصناعة المجتمع الكويتي وتدعيم أركانه.
وبين سموه وفي الوقت الذي نفخر بانجازنا الديمقراطي.. فلا بد أن نؤكد اعتزازنا بقضائنا الشامخ المشهود له بالنزاهة والامانة.. فهو الحصن الأمين والسياج المنيع الذي يحفظ لكل حقه بما يحتم على الجميع أن يلتزم بأحكامه وأن يحترم استقلاله وألا يحاول التدخل فيه أو التاثير عليه بأي شكل من الاشكال.
واستطرد سموه اخواني.. أبنائي الاحباء ان الاهتمام بأبنائنا الشباب ليس شعارا نردده أو عنوانا يتصدر خطاباتنا.. وليس فقط مدرسة أو ناديا أو مؤسسة هنا أو هناك.. انهم مادة الحاضر وأمل المستقبل.. فالاهتمام أمر ينبع من الاسرة والبيت ويمتد للمدرسة ثم المجتمع كله.. انها مسؤولية كبرى وأمانة عظمى بأن نزرع فيهم روح الولاء للوطن ومفاهيم التضحية والايثار.. وتعزيز قيم التسامح والألفة والتلاحم ونبذ الانفلات والفوضى وتأكيد مبادئ الالتزام بالقانون وممارسة الحرية المسئولة وبث روح العمل الخلاق والابداع.. فإن لم نحسن رعايتهم فالثمن باهظ ونحن جميعا من يلام إن تخاطفتهم أيدي السوء والدمار.. فهم مادة خصبة ووعاء حاضر تملؤه سموم الوهم والضلال والضياع.. اذا لم تملؤه حوافز الفكر القويم ودوافع الاصلاح والابداع والعمل الجاد. علينا ان ندرك حجم المخاطر المتكاثفة التي تتنامى نذرها على المنطقة بأسرها.. ويتساقط شررها حولنا.. وأن نحسن مراقبة الاحداث التي تحيط بنا بعين واعية وبصيرة ثاقبة حتى نتقي شرورها ونتجنب آثارها واسقاطاتها. أبنائي وبناتي الاعزاء يتزامن احتفالنا بهذه الذكرى المباركة مع بدء فعاليات الانتخابات النيابية للفصل التشريعي الرابع عشر.. واذ أؤكد ان المشاركة في ممارسة الحق الانتخابي هي واجب وطني مستحق.. فإن على الاخوة والأخوات المواطنين تقع مسئولية حسن اختيار ممثليهم القادرين على حمل الامانة وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم ورفعة وطنهم. اننا أمام مرحلة مهمة حافلة بالتحديات.. ولا تحتمل التهاون والتراخي.. وغياب الارادة الفاعلة والقرارات الحاسمة تستوجب حسن الاستفادة من ثمين الوقت ووفرة الامكانات والانصراف عن كل ما يبدد الجهود ويبعثر الطاقات ايذانا بولادة عهد ايجابي جديد ينشده الجميع.. يعيد الثقة بمؤسساتنا الدستورية ويجسد العمل الجماعي المشترك ويحترم الرأي الاخر اساس سيادة القانون وغايته التنمية الشاملة.. محققا للعدالة والمساواة.. مراعيا للتوازن بين أهداف التشريع وجدواه وامكانيات التنفيذ.. فيما يؤدي الى تعزيز أمننا الوطني واصلاح اقتصادنا الوطني والارتقاء بالخدمات العامة. وفي هذا السياق فإن مسيرتنا الوطنية لا تتكامل من غير دور ايجابي مسئول تتلزم به مؤسساتنا الاعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية الى تجسيد الحرية المسئولة التي تصون ثوابتنا الوطنية وتعززها وتنبذ الطروحات المشبوهة وتدفع بكل جهد هادف للاصلاح والتطوير.
وتابع سموه اخواني وأبنائي الاعزاء نعم.. ان المسؤولية جسيمة والعبء ثقيل ولكننا بعون الله وتوفيقه قادرون على تحمل مسئوليتنا بثقة وايمان وعزم واصرار مسترشدين بتعاليم ديننا متمسكين بقيمنا وثوابتنا نعلي صوت القانون والحق والعدالة.. نربأ بأنفسنا عن التحزب والتناحر والمصالح.. نتبصر الدروس والعبر.. نعمل قلبا واحدا لخير ديرتنا الحبيبة وأن تكون مصلحة الكويت هي أعلى المصالح وأغلاها. نسأل الله أن يجعلنا واياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به عن طاعة ربه غفلة.. واجعلنا اللهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وختم صاحب السمو كلمته قائلا: وأخيرا نضرع الى المولى جلت قدرته أن يوفقنا ويعيننا على أداء الأمانة التي حملت شعبنا الغالي على أفضل وجه وأن يهدينا الى ما فيه خير وصلاح وطننا العزيز.. وأن يجنبنا مواطن الزلل وأن يجمعنا على كلمة سواء وأن يديم علينا نعمة الامن والرخاء انه سميع مجيب. «ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا» والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.