
تحل اليوم الذكرى السابعة لتولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم في الكويت.
ويعد صاحب السمو أحد رجالات الحكم البارزين في تاريخ الكويت المعاصر الذين امتزجت رؤاهم السياسية والحضارية بمواقفهم الوطنية والقومية، واجتهدوا في سبيل تحقيق الغايات والأهداف التي التقت عليها إرادة الشعب الكويتي، التي انطلق منها ذلك التواصل الحميم بين أبناء الكويت من ناحية والأسرة الحاكمة من ناحية أخرى فأثمرت عمقاً في العلاقات وقوة في التماسك والتلاحم كشفت عنه وأكدته مرة بعد مرة مواقف مشتركة تجاه الكويت وما يتهددها من أطماع أو نوايا عدوانية.
لقد كان صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد طوال فترة عمله الرسمي والسياسي يعمل في تناغم وتوافق مع المغفور له الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه، وولي عهده سمو الشيخ سعد العبدلله رحمه الله، وكذلك مع من سبقهما في القيادة الحكيمة لدولة الكويت، وكانت تجمعهم روح الأسرة الواحدة التي كان مزاجها الحب للوطن وحماية استقلاله، والعمل على تحقيق الأمن والرخاء لشعبه.
وتجلى أثر ذلك واضحاً في النهج الذي اختطه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد مع مساعديه وأعوانه من رجالات الكويت البارزين الذين أسهموا بقسط وافر من محصول ثقافتهم وفكرهم وخبراتهم في ارساء قيم النهضة الحضارية للكويت ودعم مسيرتها نحو التنمية والارتقاء.
نشأته
ولد سمو الشيخ صباح الأحمد في الكويت عام 1928، وتلقى سموه دراسته الأولية في المدرسة المباركية، وهي أولى المدارس النظامية التي تأسست في الكويت في عام 1912، وذلك مع أقرانه الذين آلت اليهم فيما بعد القيادة السياسية للكويت، وكانوا عاملاً من عوامل نهضتها الحديثة، وكان من زملاء دراسته المغفور له الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله طيب الله ثراهما، والشيخ جابر العلي طيب الله ثراه، وغيرهم من قادوا نهضة الكويت الحديثة.
وبعد تخرج سمو الشيخ صباح الأحمد من المدرسة المباركية، عني والده المغفور له الشيخ أحمد الجابر طيب الله ثراه، بتثقيفه ثقافة عالية على أيدي أساتذة خصوصيين استقدمهم لأجله.
وحين بدأ يشب عن الطوق أوفده والده الى العديد من الدول من أجل الدراسة واكتساب بعض الخبرات والمهارات السياسية.وقد استطاع سموه من خلال تلك الزيارات التي قام بها الى العديد من الدول الآسيوية والأوروبية والأميركية، التعرف على أنظمتها والاطلاع على شؤونها. كما منحته تلك الزيارات فرصة التعرف على سير الأمور العامة في البلدان التي زارها.
وحين تولى المغفور له الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في الكويت عام 1950 كان حريصاً على أن يصطحبه معه في العديد من رحلاته وزياراته الرسمية وشبه الرسمية، وقد استطاع كذلك من خلالها اكتساب المزيد من الخبرات التي أهلته لتحمّل المسؤوليات. وبالاضافة الى الرحلات الأجنبية اصطحبه الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه في رحلة بحرية خليجية في عام 1951، زار خلالها العديد من أقطار الخليج العربي منها عمان والبحرين وقطر ولم يكد سموه يتعدى سن العشرين من عمره حتى كان من بين طلائع الجيل الجديد من أبناء الكويت الذين اعتمد عليهم والده المغفور له الشيخ أحمد الجابر طيب الله ثراه، ومن بعده المغفور له الشيخ عبدالله السالم في بناء دولة الكويت الحديثة.
قيادته
ان ما تحلى به سمو الشيخ صباح الأحمد من سمات شخصية متميزة كان لها أثرها الكبير فيما حققه سموه من نجاح حين أسندت اليه العديد من المناصب العامة، كما استطاع حين تولى منصب وزير الخارجية أن يحقق للكويت مكانتها الدولية وأن يبرز شخصيتها خارج حدودها عربياً واقليمياً ودولياً، وساعد على ذلك ما تميز به من دماثة خلق ومن روح فتية طموحة انعكس من خلالها وجه الكويت المشرق، ومن المميزات الشخصية لسموه أنه كان يؤمن أن الحوار هو الأسلوب الأمثل لمعالجة المشكلات، ويحرص دائماً على ابقاء قنوات الاتصال مفتوحة حتى في ظل الظروف التي قد تبدو فيها كافة احتمالات الحوار وكأنها قد نفوت، وقد أثبت سموه في جميع المناصب التي تقلّدها كفاءة ومقدرة كبيرة في معالجة الشؤون الداخلية والخارجية للكويت، وذلك على الرغم من التحديات التي قدر له أن يواجهها.
فكره
وعلى امتداد السنوات التي قضاها سمو الشيخ صباح الأحمد مشاركاً في القيادة السياسية للكويت من خلال وزارة الارشاد والأنباء «الاعلام» كانت الكويت شغله الشاغل فوصل بصوتها المسموع وبكلماتها المقروءة وبصورتها المشرقة الى شرق العالم وغربه، وحقق بذلك ما واكب النقلة الحضارية للكويت من تواصل مع العالم في المجالات الفكرية والثقافية والاعلامية الى جانب ما أرساه في وطنه من دعائم العمل الاجتماعي والاعلامي والعناية بالبيئة وحرصه على نشر التراث واحيائه.
جهوده
ومن خلال السنوات الطويلة التي شغل فيها سموه منصب وزير خارجية دولة الكويت، كان حريصاً في تخطيطه لسياسة الكويت الخارجية على ألا تكون تلك السياسة مرتبطة برغباته أو مزاجه الشخصي، بل بالتقاليد التي درجت عليها الكويت منذ نشأتها من حيث التوازن في علاقاتها الدولية، وبما ينسجم مع القرارات الخليجية والعربية الجماعية من أجل وحدة الصف الخليجي والعربي، دون المساس في الوقت نفسه بخصوصية السياسة الخارجية الكويتية.
ومما هو جدير بالذكر ما تميز به سموالشيخ صباح الأحمد من عقلية اقتصادية الى جانب ما جبل عليه من مقدرة سياسية، حيث الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، اذ يذكر له دوره في انضمام الكويت في عام 1966 م الى الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية، أو ما يطلق عليها اختصاراً باتفاقية «الجات GAT». وبمقتضى انضمام الكويت الى تلك الاتفاقية أصبحت في عام 1994 م عضواً في منظمة التجارة العالمية الحرة WTO، بل صارت واحدة من مؤسسيها. كما كان لسموه دوره في تأسيس المجلس الوزاري المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول المجموعة الأوروبية، الذي يهدف الى توثيق الروابط الاقتصادية المشتركة بين الطرفين.
ومن خلال ذلك المجلس تم ابرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الكثير من دول هذه المجموعة وغيرها من الدول الأخرى. وفي اجتماعات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية التي شارك فيها سموه كانت دعوته الى حتمية انشاء سوق خليجية وعربية مشتركة، وتأييده لاقامة منطقة تجارية عربية حرة. كما عمل على تشجيع اقامة المناطق التجارية الحرة بيت الكويت وغيرها من الدول، وقد افتتحت تحت رعايته المنطقة التجارية الحرة التي تم انشاؤها في ميناء الشويخ في نوفمبر من عام 1999.
دبلوماسيته
أما على مستوى السياسة الخارجية فقد ارتكز نجاح سمو الشيخ صباح الأحمد الى حد كبير – على العلاقات الوثيقة التي أقامها مع نظرائه من وزراء الخارجية في العديد من الدول ومع الكثير من قادة العالم، أثبت دراية فائقة بفن التعامل والدبلوماسية، وساعدته على ذلك الخبرة والفصاحة والمقدرة السياسية التي جبل عليها. كما أهلته سمعته الطيبة على نجاحه في حسم العديد من النزاعات العربية والاقليمية. كما تمكن سموه من خلال مساعيه الحميدة والوساطات الديبلوماسية التي قام بها من التعرف على عدة أجيال من زعماء العالم العربي وقادته بصفة خاصة ودول العالم بصفة عامة.
ولاشك في أن السنوات الطويلة التي شغل فيها سمو الشيخ صباح الأحمد منصب وزير الخارجية والتي امتدت لأكثر من أربعين عاماً، اذ تولى ذلك المنصب في فبراير عام 1963 م قد أهلته لكي يكون بلا جدال رجل السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين على مستوى العالم للمدة الطويلة التي قضاها وزيراً للخارجية وللخبرة المتميزة التي عرف بها سموه بين أقرانه من الدبلوماسيين.
من أعماله في الوزارات التي تولاها
في فبراير 1963 تم تعيينه وزيراً للخارجية ورئيس اللجنة الدائمة لمساعدات الخليج العربي، وبحكم منصبه كوزير أصبح عضواً في مجلس الأمة الكويتي، وكان خلال هذه الفترة يترأس نادي المعلمين الكويتي. وهو أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة بعد قبولها انضمام الكويت في 11 مايو 1963.
اللقاء الذي نظمته الأحزاب المتنافسة في اليمن -الجمهوريون والمملوكيون- مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية، وقد تابع هذا الأمر عندما استؤنفت الاجتماعات في الكويت في أغسطس 1966، وعندما تدهورت العلاقة بين جمهورية اليمن الجنوبي واليمن الشمالي وبدأت الصدامات بينهم في الحدود المشتركة في عام 1972 قام بزيارة الى الدولتين في أكتوبر 1972 وأثمرت الزيارة عن توقيع اتفاقية سلام بينهما واتفاقية أخرى للتبادل التجاري، وفي عام 1980 قام بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية وأثمرت عن توقيعهما لاتفاقية خاصة باعلان المبادئ التي خففت حدة التوتر بينهما الى أن دعا وزيري خارجية الدولتين الى الكويت في عام 1984 لاعلان انتهاء الحرب الاعلامية واحترام حسن الجوار واقامة علاقات ديبلوماسية بينهما.
وكان له دور في تزكية الشيخ سعد العبدالله الصباح وليا للعهد في عام 1978، حيث كان من المرشحين لتولي المنصب مع سعد العبد الله وجابر العلي، ولكنه قام بالتنازل الى سعد العبدالله فقامت أسرة الصباح بتزكيته وليا للعهد على حساب جابر العلي.
أميراً لدولة الكويت
بايع مجلس الامة في جلسته الخاصة بالاجماع صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد وفق المادة الرابعة من الدستور يوم الأحد الموافق 29 يناير 2006م. وقال رئيس المجلس جاسم الخرافي بعد اعلان النتيجة «نبارك لأنفسنا ولسمو الأمير هذه المبايعة الجماعية».
وتنص المادة الرابعة من الدستور على ان «الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح-طيب الله ثراه.. ويعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من توليه الامارة ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الامة تتم في جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس». ثم رفع رئيس المجلس الخرافي ايذانا ببدء جلسة أداء سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح اليمين الدستورية.
أدى صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد اليمين الدستورية في الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الامة لتأدية القسم في يوم الأحد 29 يناير 2006م. وقال سموه في نطق القسم «أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه». يذكر أنه وفقا للمادة «60» من الدستور يؤدي الأمير اليمين الدستورية في جلسة خاصة لمجلس الأمة قبل ممارسة صلاحياته الدستورية.