واصل الملتقى الوقفي الجعفري الرابع فعالياته حيث ينعقد حاليا في الفترة من 11 إلى 14 فبراير الجاري في قاعة البركة في فندق كراون بلازا بمنطقة الفروانية والذي جاء تحت رعاية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد تحت عنوان «الوقف.. حضارة وأصالة» بمشاركة كوكبة من العلماء والفقهاء ورجال الدين من مختلف الدول العربية والإسلامية.
وشملت الجلسة الأولى للملتقى التباحث حول عدد من القضايا التي تخص الوقف حيث ألقى د.عبدالهادي الصالح من الكويت محاضرة بعنوان «الوقف حسب المنظور الفقهي والقانوني» وهو من رسالته في الماجستير حول الفلسفة في المشروعات الوقفية والتوسع في تفسير مقاصد الواقفين.
وقال الصالح في محاضرته: إن من شأن تقنين أحكام الوقف أن يتنامى دور التشريع الإسلامي الوقفي في القانون ويكون نموذجا للتطبيق الصحيح لقانون الوقف دون الانحراف التشريعي عن خط الشريعة الإسلامية الحضن الأساسي لشعيرة الوقف التي هي من شعائر الله تعالى ومن ثم يكون ذلك مؤهلا لأن يأخذ طريقه إلى القانون المقارن في آلية متطورة كمظهر من مظاهر الحضارة الإسلامية في تكريس روح التنمية والعطاء عبر شعيرة الوقف.
وأكد الصالح أن الشريعة الإسلامية قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان بسبب مرونته الذاتية وقدرته الطوعية لمواجهة كل الافتراضات التي تطرأ على الواقع الوقفي مشيرا إلى أن شأن التقنين أن يسند الدور التفسيري الشرعي الموضوعي عند البحث عن مقاصد الواقفين مما يشجع ويلزم التقيد بشروطهم ومقاصدهم الوقفية بحذافيرها.
من جهته، تحدث من جامعة العراق من النجف الأشرف الأستاذ في كلية الفقه- قسم الدراسات العليا بجامعة الكوفة أ.د صاحب محمد حسين نصار حيث قدم بحثا بعنوان «تقنين أحكام الوقف في ضوء متطلبات الحياة المعاصرة».
وأوضح نصار في بحثه أن نظام الوقف في الإسلام يمثل مشروعا مهما من مشاريع التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لما له من ثمار عظيمة من خلال المساهمة في رفع المستوى الاقتصادي مشيرا إلى أن العلماء قد بحثوا أحوال الوقف واهتموا بتحديد مفهوم الوقف وأركانه وشرائطه وتعرضوا لجملة من المسائل الابتلائية.
واعتبر نصار أن الوقف يعد نشاطا اجتماعيا اقتصاديا لافتا إلى أن الوقف لا يخلو من مشكلات وعقبات وذلك نتيجة التغيرات الاجتماعية والتطورات الاقتصادية حيث برزت عدة مشاكل كان من الضروري وضعها قيد الدراسة والبحث، ومن هذه المشاكل التردي والتخلف في المشاريع الوقفية علاوة على النزعة الفردية في إدارة ورعاية الوقوفات ومشاكل أخرى تنظيمية وإدارية.
وفي المبحث الثاني من بحثه تحدث نصار عن مشكلات الوقف وآليات العلاج مشيرا إلى أن الأوقاف تعاني جملة من المشاكل التي وقفت عائقا أمام تطور مشاريع الوقف مما جعلت الأوقاف مقطوعة الصلة عن الواقع ومتطلباته ذلك لعوامل قبلية أسرية جعلت من الوقف إرثا أسريا ومعلما يصب في مصلحة الواقف من ناحية الجاه والسمعة.
وأوضح نصار أن المشاكل الوقفية أخذت أنماطا عدة أهمها المشكلة التنظيمية والإدارية للوقف، مبينا أن أغلب الأوقاف لاتزال تدار بشكل فردي من قبل الأولياء عليها موضحا أن الولي على الوقف إما أن يكون نفس الواقف أو من يوليه أو أن تصل الولاية له عن طريق الوراثة، مضيفا: فمن المتعارف عليه في مجتمعاتنا أن يتحمل أحد ورثة الولي السابق كولده أو أخيه مسؤولية الأوقاف التي تحت يديه وقد ينص الواقف على تسلسل الولاية من بعده وقد ترجع ولاية الوقف عندما لا يكون له ولي إلى قاضي البلد أو وكيل المرجع الديني ونتيجة هذا الواقع استمرار توزع الأوقاف وبعثرتها وتفرد كل ولي بإدارة الوقف الذي تحت يديه.. وبالطبع فإن المتولين للأوقاف يتفاوتون في مدى أمانتهم ومقدار اجتهادهم ومستوى وعيهم وقدراتهم الإدارية.
وعن آليات علاج المشاكل التي تواجه عمل الوقف أكد نصار أنها تنحصر في ضرورة تفعيل الدور المؤسساتي في تنظيم الوقف، علاوة على ضرورة تفعيل الحماية الشرعية والقانونية للوقف علاوة على تطوير الثقافة الوقفية، فحتى تكون غايات الواقف وفق المصالح العامة لا بد من إثراء الواقف وحثه على التطلع إلى الواقع ومتطلباته لكي يكون الوقف منتجا من جميع النواحي فهناك الناحية العلمية وهناك الاقتصادية والاجتماعية ولا بد من الواقف الإلمام بمتطلبات الواقع والحث من قبل المؤسسات المشرفة على تفعيل غايات وقفية تناسب مستوى العصر المعاش.
وبالنسبة للنظارة على الوقف أوضح نصار أنها الولاية والسلطة على الوقف والتي يمنحها الشارع للأشخاص على الأوقاف من أجل إدارة ورعاية مصالح الأوقاف وحفظ أصولها ويسمى من يتولى هذه الوظيفة «متولي الوقف» أو «الناظر في الوقف».
وحول مسؤوليات الناظر أشار إلى أن على الناظر مجموعة من المهام تنحصر في عمارة الوقف موضحا أنها من صلب مهام الناظر سواء اشترط الواقف أم لم يشترط علاوة على تمويل الوقف حيث يكون تمويل الواقف من غلته فللناظر حق حجز جزء من الغلة سنويا للإعمار وقد تكون الأعيان الموقوفة معدة للانتفاع وليس لها مورد ولا غلة مبينا أن الفقهاء يرون إعمارها على الموقوف عليهم لأن من يغنم من منافعها عليه غرم إعمارها.
واختتم نصار ورقته البحثية داعيا إلى ضرورة وعي المشكلات والمتطلبات المعاصرة والتي تحيط بنظام الوقف، مطالبا في الوقت ذاته بضرورة وضع نظام إداري محكم يتم خلاله رعاية الأوقاف تحت إشراف مؤسساتي، بعيدا عن النزعة الفردية في إدارة الوقف، داعيا كذلك إلى الاهتمام بغايات الوقف وصياغتها صياغة حضارية منسجمة مع الواقع المتطور والمتغير ويتم ذلك عبر مؤسسات تعمل على وضع خطط عمل مستقبلية جاعلة في حسابها مجمل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، مناديا بضرورة تحصين نظام الوقف وخصوصا النظارة على الوقف من خلال تضمين الناظر وتحديد صلاحياته وتقنين مسؤولياته وفق متطلبات الواقع.
من جهته، تحدث الشيخ محمد هادي الموسوي الخرسان عن موضوع «تقنين الوقف: بمعنى صياغة القوانين الوقفية طبقا لأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية» لافتا إلى أن هذا العنوان يمثل حاجة ملحة نظرا لأهمية الوقف في حياة البشر حيث يسهم في الترابط الاجتماعي لما يحمل من البر والإحسان ويخفف من آثار الحرمان، ولكن لا يخلو من مشاكل في إدارته من حيث تنوع أساليب الاستثمار وكيفية التوزيع، ولا سيما أن القوانين الوضعية تلقي بظلالها على شؤون الوقف في مختلف البلاد الإسلامية وغيرها.
وقال الخرسان: جاءت مشاركتي ببحث يحمل عنوان «مفهوم التشريع القانوني لدى الفقه الإسلامي» لما لمست من الحاجة لمعالجة إشكالية التشريع القانوني لدى الفقه الإسلامي ولتحديد الموقف من هذه العملية التي قد تدعو الحاجة إليها حسب الظروف، متابعا: كما أنها قد تساهم في التعريف بالفكر الإسلامي وقدرته على وضع الحلول لهذه الإشكالية.
وأضاف: ومنشأ الإشكالية هو ما يتصور من منافاة بين التشريع القانوني والفقه الإسلامي، ومن عدم الحاجة إليه في ظل الفقه الإسلامي الذي احتوى على جميع الأحكام الشرعية، فلا داعي للتشريع القانوني، ولكن حين يحدد مفهوم التشريع القانوني يمكن التعرف على موقف الفكر الإسلامي من هذا الاصطلاح.
وحول سن القوانين وممارسة الوظيفة التشريعية – أشار الخرسان إلى أنه مجموعة من القواعد القانونية التي تسنها السلطة المختصة من سلطات الدولة وهي: السلطة التشريعية وإعلان قواعد عن هذا الطريق وهو الذي يكسبها قوة القانون، ويحمل محاكم الدولة على الاعتراف بها كقانون واجب التطبيق في المستقبل.
وحول موقف الفقه الاسلامي من التشريع القانوني أوضح الخرسان ان هذا الموقف تتباين معالمه من خلال وصف التشريع الصادر من الجهه ذات الصلاحية بأنه قانوني وذلك إما أن يكون الوصف لبيان جهه الاصدار وهي القانون لا الشرع فحينئذ لا شرعية لهذا التشريع لعدم صلاحية الجهه المصدرة له وإما للتأكيد على قانونية هذا التشريع الذي استوفى الضوابط الشرعية من حيث مصدره وجهه الاصدار فحينئذ تكون المسائله فنيه تخص الاصطلاح.
بدوره، ألقى الشيخ عباس الجابر محاضرة بعنوان «تقنين الفقه بين الرفض والقبول» أوضح فيها أن هناك نداءات كانت ولا زالت تطالب بإلحاح تقنين الفقه وخصوصا في المجتمعات التي لازالت تعتمد النصوص الشرعية والتي لا يحيط بها إلا أهل الاختصاص من رجال العلم وفي الغالب هي ليست مصاغة ومدونة بل يتم العلم بها حين صدور فتوى المفتي في الحوادث القائمة، مشيرا إلى أن الأحكام الفقهية وفي مختلف أبوابها قابلة للتقنين.
من جانبه، قدم الشيخ معين الحيدري موجزا حول طرق التوفيق بين أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية قدم فيه إرشادات وتوجيهات في هذا الصدد وذلك بمحاولة إقناع الحاكمين على القوانين الوضعية على موافقة قوانينهم لقانون الشريعة الإسلامية، والأخذ بالتعددية في الاجتهادات الفقهية حسب اختلاف المذاهب واستغلال وسائل الإعلام في هذا الصدد، مضيفا: يجب ألا ننسى الاهتمام بتوجيه المكلفين ترغيبا وترهيبا في الالتزام بالطرق الشرعية، وسد الباب على الذين لا ينفع معهم الحل الشرعي، وتوعية المكلفين للقوانين الوضعية أو الشرعية قبل أن يقوموا بالوقف وذلك من خلال وسائل الإعلام وجعل مستشارين يجمعون بين المعرفة في القوانين الوضعية والإسلامية وهذا هو الأفضل وضرورة حث الناس على الرجوع إليهم ولو من خلال الإحالة عليهم من قبل المؤسسة المعنية.