في اطار الانشطة الثقافية والفعاليات الفنية التي ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وبالتعاون مع المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في الكويت أحيت فرقة آفتاب «الشمس» للفنون والمعزوفات الإيرانية الاصيلة حفلاً موسيقياً رائعاً وسط حفاوة جماهيرية عالية في رحاب مسرح عبدالعزيز حسين الثقافي بمطقة مشرف.
وحضر الحفل نخبة من المثقفين والمهتمين بالموسيقى الشرقية يتقدمهم مجموعة من سفراء الدول العربية والاجنبية واعضاء السلك الدبلوماسي وحشد من المدعوين وابناء الجالية الايرانية المقيمين في دولة الكويت.
في بداية الحفل القى المستشار الثقافي الايراني د.عباس خامه يار كلمة اكد خلالها ان للعلاقات الثقافية الايرانية الكويتية امتدادات طويلة وعميقة وتجمعهما عوامل مشتركة كثيرة والاهتمام الكبير الذي توليه قيادة البلدين بالثقافة والفن وفّرت للحقل الثقافي والفني كل متطلبات تقدمهما وازدهارهما وكذلك وجود مؤسسات ومراكز ثقافية عريقة وفاعلة تحتضن المبدعين وتقدم لهم الدعم المطلوب، مستطردا: في هذا المجال تعتبر الموسيقى اللغة العالمية المشتركة بين البشر في مختلف انحاء المعمورة التي يمكن من خلالها مد الجسور بين الثقافات والمجتمعات على اختلافها وتنوعها.
وأضاف خامه يار بالقول: لقد ابدت الجمهورية الاسلامية الايرانية اهتماماً كبيراً بالفن وخاصةً الموسيقى لما لهذا الفن الشيق والرهيف والمعبر والمؤثر من تاريخ طويل يمتد الى قبل الميلاد، مبينا أن الموسيقى الايرانية تعتبر مجموعة من النغمات والايقاعات التي ظهرت منذ قرون وشهدت تطورات وتكاملت على مر العصور وهي تعكس الخصائص الاخلاقية والاحداث السياسية والاجتماعية والجغرافية لشعب يتمتع بتأريخ قديم وحضارة عريقة، لافتا إلى أن الموسيقى كانت متداولة في ايران منذ العصر الأخميني والساساني وبرز آنذاك موسيقيون كبار اشهرهم بهرام غور، وخسرو پرويز.
وأكد أن السجلات التاريخية القديمة تؤكد وجود موسيقى ذات سمات مختلفة ولكن متكاملة في فارس القديمة واقدم تلك السجلات ختم قديم يعود الى الالفية الخامسة قبل الميلاد عثر عليه عن طريق الحفر في بلدة شوغاميش القريبة من ديزفول ويظهر الختم اقدم ادوات موسيقية في العالم وتتكون من آلتي الهارب والطبل الموسيقيين وان الرسوم والاثار المنحوتة المتبقية من تلك العهود وحتى مجيء الاسلام تبين مدى اهتمام ورغبة الايرانيين بفن الموسيقى وقد استمر الحال فيما بعد، موضحا أن من يزور مدينة اصفهان التاريخية ويتفقد عمارة «عالي قابو» يجد فيها غرفة خاصة للعزف الموسيقى حيث صممت طبقاً لمحاسبات دقيقة بحيث ينعدم فيها انعكاس الصدى نهائياً وقصر «جهل ستون» نموذجاً آخر.
وأوضح خامه يار أن العصر الاسلامي برز فيه أيضا موسيقيون ايرانيون كثر، منهم نشيط الفارسي الاشهر في القرن الاول والرازي الذي الّف كتاباً عن الموسيقى وان المكتبة الايرانية تحتوي على مجموعة كبيرة من المؤلفات والرسائل والشذرات في مجال التنظير الموسيقي بدءاً من بحوث الفارابي في احصاء العلوم ومروراً بمؤلفات صفي الدين الارموي والمراغي وابن سينا وصولاً الى الفيلسوف الايراني صدر الدين الشيرازي والشاعر العرفاني الكبير مولانا جلال الدين الرومي وقصيدته الشهيرة التي يصف بها الناي والشاعر المعاصر الكبير «شهريار» وعالم الرياضيات الايراني بروفيسور «حسابي».
وأشار إلى تقارب الموسيقى الإيرانية والعربية في ابعادها النظرية والعلمية وتأثيرها على الموسيقى الغربية بأغيار الشوق هو مصدر الآلات الموسيقية الغربية المعروفة اليوم حيث اخذ المسلمون معهم الى اوربا معظم تلك الآلات عبر جنوب شرق بيزنطه وشمال افريقيا خلال القرون الوسطى.
وأضاف قائلاً: لقاؤنا في هذه الأمسية وفي اطار المهرجان الثقافي للأطفال والناشئة وبدعوة كريمة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مع فرقة «آفتاب» الشمس الفولكلورية القادمة من مدينة يزد المدينة الواقعة في وسط ايران والقريبة من صحراء لوط وهي المدينة التاريخية الاوسع والاكثر دقة من حيث البناء والتخطيط وهي الاولى المبنية باللبن والثانية تاريخياً في العالم بعد مدينة البندقية، حيث نسيت في الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي تحتضن الكثير من المعالم التراثية والثقافية والمعمارية الفريدة من نوعها في العالم.
وأعرب عن تقديره لجهود سعادة الامين العام والعاملين في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لحرصهم وتعاونهم لانجاح هذه التظاهرة الفنية، مضيفا: لايسعنا إلاّ ان نقدر زملائنا في رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية وكانون مركز التنمية الفكرية للأطفال والناشئة واعضاء الفرقة الفنية الذين حلوا علينا وعلى دولة الكويت الشقيقة ضيوفاً اعزاء، والشكر موصول لكم ايها الحضور الكريم مع الاماني لهذا المهرجان النجاح والتوفيق.
وقال إن الفرقة جاءت من مدينة يزد التاريخية التي قال عنها الرحالة الايطالي الشهير ماركوبولو «ان تجار الطريق الحرير يتوقون اليها وهي حصن للمال والنفس» وهي المدينة الاولى المبنية بالطين واللبن وتحتضن العديد من المعالم التاريخية والمعمارية الفريدة من نوعها في العالم. وتمتاز اعمال فرقة «آفتاب» باختيارها لقصائد من الشيرازيين حافظ وسعدي ومولانا جلال الدين الرومي والمستلهمة من الفكر الاسلامي الاصيل والفنية بنفحات الخلق الرفيع والدعوة للمحبة والتسامح والادب بمعناها ومغزاها وماتحويه من ايقاع ينجذب اليه القلب ويطرب له السمع وتبهج به الروح ويمهد لبناء غد افضل للبشرية.
وانطلقت الأمسية بمعزوفات من النغم الشرقي الاصيل لفرقة «آفتاب» القادمة من مدينة يزد والتي فتحت شهية الجمهور وشنفت آذانه ليطلب المزيد من الروائع الطربية والتراثية المطعمة بألوان المعروفة والفنون الراقية التي تشجع كل الأذواق فكانت انشودة «يا خير من نبدأ باسمه » و« رأيت حبيباً » و« انغام من منطقة دشتي » ومقطوفات موسيقية في اطار مهرجان الاطفال والناشئة الخامس عشر تم تقديمها بواسطة عازفين مبدعين من مركز التنمية الفكرية للاطفال والناشئة في مدينة يزد من خلال المنشدين مصطفى محسن زاده وهمايون خيري اللذين قدما ليلة ممتعة لجمهور يتوق للفن الملتزم والهادف وكان لمديرة الفرقة السيدة مريم سياح زاده بصمتها في حسن اختيار المقطوعات وسلاسة العرض.
وبعد الحفاوة التي واجهتها معزوفات الفرقة من عرضها الاول استجابت لرغبات الجمهور بتقديم عرض الثاني في رحاب مسرح الشامية مساء يوم الأثنين حيث حضره جمهور غفير استمتع خلال اكثر من 60 دقيقه بانغام الموسيقى التراثية وقصائد كبار الشعراء المُلحنة.
وقد صفق الجمهور مطولاً للعازفين على الدف والسيتار وكذلك منشد الحفل صاحب الصوت الشجي. وفي الختام الحفل اعرب مسؤلو الفرقة عن شكرهم لدولة الكويت والترحيب الذي لمسوه من الجمهور الكويتي آملين تعزيز التعاون الفني والشبابي بين البلدين الجارين المسلمين.