أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن ما يحدث في بعض بلاد المسلمين يعد جريمة شنعاء، وفعلة نكراء، لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق ولا إنسانية، وهو بكل المقاييس أمر محرم، وفعل مجرم، وتصرف مقبوح، وعمل إرهابي مفضوح، وسابقة خطيرة، ونازلة شر مستطيرة، أين هم من قوله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»
وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في خطبة صلاة الجمعه المعممه : إن الغلو في فهم النصوص يؤدي إلى تفسير النصوص تفسيرا متشددا يتعارض مع السمة العامة للشريعة ومقاصدها الأساسية، فيشدد على نفسه وعلى الآخرين، أو أن يتكلف في التعمق في معاني التنزيل لما لم يكلف به المسلم، أو أن يلزم نفسه والآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل،
وفيما يلي نص الخطبة: الحمد لله الذي أسبغ علينا المنن، وأكرمنا بأقوم كتاب وأهدى سنن، نستغفره سبحانه من الذنوب والخطايا في السر والعلن، وأسأله بقوته وعزته دفع الكروب والمحن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث بالرحمة وأزكى السنن، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته، شموس الضحى، وبدور الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ولتكن التقوى ديدنكم وسبيلكم: تفوزوا في الدارين، وتسعدوا في الحياتين.
معاشر المسلمين: إن الناظر إلى الإسلام يجد بشكل واضح أنه قد نهى عن التطرف والغلو، وحذر المصطفى الكريم صلوات الله وسلامه عليه من التنطع، وانبنت أحكام الإسلام على اليسر ورفع الحرج، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم خير شاهد على ذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه والتحذير منه تلك المحاولات الآثمة التي تزج بالشباب الأغرار في أعمال تخريبية لا تمت إلى الإسلام بأي صلة، ومنشأ ذلك غلو اعتقادي ناشئ عن عدم فهم القرآن، وعدم فهم الدين، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من الناس «يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم». أي انهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون مقاصده.
يقول الإمام النووي رحمه الله «المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلا مروره على لسانهم لا يصل إلى حلوقهم، فضلا عن أن يصل إلى قلوبهم، لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب». وعدم فهمهم للقرآن يجعلهم يأخذون آيات نزلت في الكفار فيحملونها على المسلمين، كما قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في الخوارج «إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين»،
ويؤدي بهم هذا القصور في فهم الدين إلى الخروج عن السنة، وجعل ما ليس بسيئة سيئة، وما ليس بحسنة حسنة، كما صنع عبدالرحمن بن ملجم الخارجي حينما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم، وأزهدهم، وأعلمهم، وأخشاهم لله عز وجل، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، وكان يظن هذا الخارجي أن قتل علي رضي الله عنه من أقرب القربات، وأفضل الصالحات، وهو قد ارتكب جريمة من أعظم الجرائم التي ترتكب في حق الإسلام والمسلمين بقتله لأمير المؤمنين، ولا أدل على هذا الجهل والانتكاس في فهم الدين من جزعه لما جاؤوا ليقطعوا لسانه بعد أن قطعت يداه ورجلاه، وهو مع ذلك يقرأ سورة «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، فقال: إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها.. فهذا المسكين بجهله المطبق يظن أنه حينما قتل عليا قد تقرب إلى الله عز وجل بعمل عظيم، وهو قد أقدم على أعظم جريمة ارتكبت على وجه الأرض في حق مسلم آنذاك. أهل إن الغلو في فهم النصوص يؤدي إلى تفسير النصوص تفسيرا متشددا يتعارض مع السمة العامة للشريعة ومقاصدها الأساسية، فيشدد على نفسه وعلى الآخرين، أو أن يتكلف في التعمق في معاني التنزيل لما لم يكلف به المسلم، أو أن يلزم نفسه والآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل، أو أن يوصم مخالفه بالكفر والمروق من الدين مع أنه من أهل الإسلام. وعلى هذا يكون الجهل من أسباب الغلو في الدين، فأصحاب الغلو يجهلون القرآن والسنة، ويجهلون مقاصد الشريعة، ويجهلون أقوال العلماء وآثارهم، كما يجهلون مآخذ الأدلة وأدوات الاستنباط، ويجهلون اللغة العربية وأساليبها، ويجهلون التاريخ والسنن الكونية، والواقع وظروفه وملابساته، وقد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما وصف هذا الصنف من الناس فقال عنهم «حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام».
أيها المسلمون: لقد قال رسولكم صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»، وكان ذلك في خطبته في حجة الوداع، فبين صلى الله عليه وسلم أن دم المسلم معصوم ولا يحل هذا الدم إلا بإحدى ثلاث كما قال صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه، أو ارتد بعد إسلام أو قتل نفسا بغير حق فيقتل بها» ـ رواه أحمد. وكما أن دماء المسلمين معصومة لا يجوز بحال أن تهدر، فهناك دماء وأموال معصومة لغير المسلمين من المعاهدين والمستأمنين، وقد رتب الله سبحانه على قتل المعصومين من الكفار وعيدا شديدا، لما فيه من الغدر والخيانة، إذ قال صلى الله عليه وسلم «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة كذا وكذا».
قال الإمام الشوكاني «المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل دار الإسلام بأمان فيحرم قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه»، فكيف إذا كان المستأمن من أهل دار العهد لا الحرب؟ وقال صلى الله عليه وسلم «وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما «أي: غدر بذمته وقتل من أمنه» فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة؟ وذلك لما في قتله من الخيانة والغدر والتنفير عن الإسلام والصد عن سبيل الله، وإذا كان هذا الوعيد العظيم لمن قتل المستأمن والمعاهد لأجل دنيا أو مال أو نحو ذلك، فكيف بمن قتله باسم الدين يتقرب به إلى رب العالمين؟ وقد صدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ـ الكهف: 103 و104».
معاشر الأحبة: لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك الشائن، والفهم السقيم لنصوص الكتاب والسنة من أولئك الجهلة الأغرار، وأمر بقتلهم وقتالهم، لعظيم شرهم وفسادهم، فقد روى أبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ «أي: جلد مدبوغ» فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال ناس من المهاجرين والأنصار: نحن كنا أحق بهذا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه فقال «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء؟»، فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار. فقال: يا رسول الله. اتق الله. وفي رواية: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ويلك: أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟» ثم ولى الرجل. فقام خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: «لا، لعله أن يكون يصلي». فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ قال صلى الله عليه وسلم «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم». يقول الراوي. فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم «أي إلى ذلك الرجل» وهو مقف فقال «إنه يخرج من ضئضئ هذا «أي: من أصله ونسله» قوم يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». فقال عمارة: فحسبت أنه قال «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود» ـ إسناده صحيح. وروى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية: لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة». وذلك لشرهم وفسادهم على الإسلام والمسلمين. أيها المؤمنون: لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الفرقة الخارجة على الإسلام بفكرها الخارجي، وسلوكها المتطرف، متخذين من التكفير سبيلا يستحلون به دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فيكفرون صاحب الكبيرة، ولا يفرقون بين كفر أكبر وكفر أصغر، ويكفرون من خرج عن جماعتهم، كما لا يفرقون في أمر التكفير بين الإطلاق والتعيين، ويكفرون المعين دون مراعاة للضوابط الشرعية، ويكفرون من خالفهم ويقتلونه، ويقولون بجاهلية المجتمعات المسلمة وتكفيرها، كما يقتلون المستأمنين والمعاهدين من أهل الذمة وغيرهم بحجة كفرهم، ضاربين بالأدلة الشرعية والسنة النبوية فلا حول ولا قوة إلا بالله. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وحوب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان غفارا. الخطبة الثانية الحمد الله هادي العباد، الرقيب على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه حمد عبد خافه ورجاه، واشكره والشكر واجب على العبد لمولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له في جلاله وكماله وعلاه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صفوة الخلق، وأفضل الهداة إلى صراط الله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقه واتبع هداه. أما بعد: فيا معاشر المسلمين: لقد عظمت الفتنة في هذه الأمة بسفك الدماء، وقتل الأبرياء، ونحر الأعناق وتعليق الرؤوس، وتناثر الأشلاء، وإثارة الفتن العمياء، وتواصل حلقات الإفساد والتكفير، واستمرار مسلسل التفجير والتدمير، وغور الجراحات النازفة التي طال أمدها فعسر اندمالها، ولا يرتاب العقلاء، ولا يتمارى الشرفاء، أن ما يحدث في بعض بلاد المسلمين يعد جريمة شنعاء، وفعلة نكراء، لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق ولا إنسانية، وهو بكل المقاييس أمر محرم، وفعل مجرم، وتصرف مقبوح، وعمل إرهابي مفضوح، وسابقة خطيرة، ونازلة شر مستطيرة، أين هم من قوله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» وقوله صلى الله عليه وسلم «أول ما يقضى بين الناس ـ أي يوم القيامة ـ في الدماء» وقوله صلى الله عليه وسلم «لايزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» وقوله صلى الله عليه وسلم «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، أين يذهب هؤلاء من شهادة أن لا إله إلا الله إذا جاءت تحاجهم يوم القيامة؟ كما في الصحيح من حديث أسامة رضي الله عنه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له «أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟».