
بعد جهود مضنية ومشاورات مكثفة قامت بها دولة الكويت بقيادة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد على مدار خمس سنوات توجت تلك الجهود بإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعتبر أنجح تجربة تكاملية في المنطقة وركيزة أساسية للأمن والاستقرار لشعوبها ودولها.
وخلال العقود الأربعة الماضية استطاع المجلس بحكمة قادته وسداد رؤيتهم وتكاتف شعوبه أن يمثل إطارا قويا للأمن الجماعي وسياجا لحماية مكتسبات دوله والتصدي للأخطار والتحديات التي تواجهها.
وتعود فكرة إنشاء مجلس التعاون إلى مايو عام 1976 حين كان أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة حيث عقد محادثات مع رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واقترح خلالها إنشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات تقوم على أسس سليمة ومتينة لمصلحة شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها.
وفي ديسمبر عام 1978 وجه الشيخ جابر الأحمد الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله الذي كان حينها وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء إلى زيارة الدول الخليجية الخمس دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين «وكانت حينها إمارة» والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر لعرض ذلك الاقتراح على قادتها واستشراف آرائهم في هذا الشأن.
ودعت البيانات المشتركة التي صدرت عقب محادثات الشيخ سعد العبدالله في تلك الدول الى تحرك سريع تتضافر فيه جهودها للوصول إلى وحدة تلك الدول التي تحتمها الروابط الدينية والقومية وأماني شعوبها في تحقيق المزيد من التقدم والوقوف في وجه الدول الكبرى التي تتصارع على بسط نفوذها على منطقة الخليج العربي.
وفي مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي عقد في عمان بالأردن في نوفمبر عام 1980 أطلع الشيخ جابر الأحمد الزعماء الخليجيين على التصور الكويتي لاستراتيجية خليجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات.
وكان التصور الكويتي يقوم على تقوية الروابط بين الدول الخليجية العربية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والثقافية والعسكرية في إطار تنسيق مشترك تجمعه استراتيجية شاملة فيما رحبت الدول الخليجية بالأفكار الكويتية بشكل عام.
وفي الرابع من فبراير العام 1981 عقد وزراء خارجية دول الخليج العربية الست اجتماعا أصدروا في ختامه بيانا يدعو إلى إنشاء مجلس يقوم على شكل التعاون بين الدول الأعضاء وليس في شكل وحدة أو اتحاد.
وتنفيذا لبيان وزراء خارجية الدول الست اجتمعت في الرياض يومي 24 و25 فبراير ذلك العام لجنة من الخبراء لوضع نظام متكامل لما اتفق عليه بشأن مجلس التعاون ومناقشة مشروع النظام الأساسي له.
وفي 9 مارس 1981 عقد وزراء خارجية الدول الخليجية الست اجتماعا في مسقط بسلطنة عمان تمت فيه الموافقة على الهيكل التنظيمي لمجلس التعاون والتوقيع بالأحرف الأولى على النظام الأساسي للمجلس.
وتتويجا لكل الجهود السابقة عقدت في أبوظبي في 25 مايو 1981 أول قمة لدول الخليج الست جرى فيها الإعلان عن قيام منظومة متكاملة تجمع هذه الدول باسم «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» والتصديق النهائي على النظام الأساسي للمجلس وعلى اختيار الدبلوماسي الكويتي عبدالله يعقوب بشارة أول أمين عام له.
وجاءت ديباجة النظام الأساسي للمجلس واضحة في منطلقاتها إذ شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية والإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام الأساسي للمجلس.
وحدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتوثيق الروابط بين شعوبها ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية.
وتضمنت الأهداف أيضا دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية في دول المجلس الست وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وركز البيان الختامي لاجتماعات أول قمة لمجلس التعاون على أمن المنطقة واستقرارها ورفض أي تدخل أجنبي في المنطقة وضرورة إبعادها عن الصراعات الدولية وضمان أن الاستقرار في الخليج مرتبط بتحقيق السلام في الشرق الاوسط.
وأكدت القمة في ذلك البيان ضرورة حل القضية الفلسطينية حلا عادلا يؤمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مشيدة بالجهود المبذولة لوقف الحرب العراقية - الإيرانية.
ولم يكن ذلك القرار الاستراتيجي بإنشاء مجلس التعاون وليد اللحظة بل تجسيدا مؤسسيا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي حيث تتميز تلك الدول بعمق الروابط الدينية والثقافية والتمازج الاسري بين مواطنيها وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية التي تحتضن سكانها وتخلق ترابطا بينهم وتجانسا في هويتهم وقيمهم.
وإذا كان مجلس التعاون لهذه الاعتبارات استمرارا وتطويرا وتنظيما لتفاعلات قديمة وقائمة فإنه من زاوية أخرى يمثل ردا عمليا على تحديات الأمن والتنمية كما يمثل استجابة لتطلعات أبناء المنطقة في العقود الأخيرة لنوع من الوحدة العربية الإقليمية بعد أن تعذر تحقيقها على المستوى العربي الشامل.
ولا يزال مجلس التعاون الذي مر على تأسيسه نحو 43 عاما «أهم كيان إقليمي استطاع أن يحقق الكثير من المكتسبات لصالح دوله وشعوبه» كما وصفه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حينما كان سموه وليا للعهد حيث مثل سمو أمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه في القمة الخليجية الـ43 التي عقدت في الرياض في 9 ديسمبر العام 2022.
وأضاف سموه في كلمة دولة الكويت بتلك القمة «إن مسيرة عملنا الخليجي المشترك حافلة بالإنجازات الكبيرة التي ارتقت بهذا الكيان إلى مصاف الاتحادات الإقليمية الأكثر نجاحا وفعالية وقد استطعنا من خلاله تلبية العديد من آمال أبناء دول المجلس إلى الوصول للمواطنة الخليجية وتحقيق المنافع الاستراتيجية والاقتصادية لدول المجلس».
على صعيد متصل على مدار 43 عاما من مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية استضافت دولة الكويت سبع قمم من أصل 44 قمة استهدفت جميعها تعزيز العمل الخليجي وتحقيق التكامل بين دول المجلس واتخاذ مواقف مشتركة حيال التطورات الإقليمية والدولية.
وخلال القمم السبع التي استضافتها حرصت دولة الكويت على بذل جهود حثيثة وتوفير الأجواء المناسبة من أجل إنجاح تلك القمم والخروج بنتائج تحقق أهداف المجلس وتطلعات قادته وشعوبه في وحدة الهدف والمصير وترسيخ التعاون والترابط الخليجيين في كل المجالات.
ومنذ 25 مايو عام 1981 وحتى اليوم عقد مجلس التعاون لدول الخليج العربية 44 قمة استضافتها جميع الدول الأعضاء بحضور قادتها أو من يمثلهم وخرجت جميعها بنتائج تركز على ضرورة تلاحم شعوبها وتعزيز الاستقرار فيها وتحقيق التنمية في ربوعها.
وفي العام 1984 استضافت الكويت أول قمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وهي الدورة الخامسة للمجلس وكان من أبرز قراراتها الموافقة على الصيغة التي تنظم حق التملك للمواطنين الخليجيين في الدول الأعضاء.
وعقب تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم استضافت الكويت عام 1991 القمة الثانية فيها ممثلة بالدورة الـ12 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي التي تناولت التطورات الإقليمية في المنطقة ومطالبة العراق بالإسراع في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوانه وتعزيز الأمن والاستقرار في الدول الخليجية.
أما القمة الثالثة في الكويت فكانت عام 1997 حين استضافت البلاد القمة الخليجية في دورتها الـ18 التي بحثت مجمل التطورات الإقليمية والعالمية وأقرت ثلاثة أنظمة مهمة هي المحافظة على الحياة الفطرية وإنمائها والتعامل مع المواد المشعة وإدارة النفايات والإجراءات الواجب الالتزام بها في نقل النفايات الخطرة بين دول المجلس.
وفي الجانب الأمني صادق المجلس في تلك القمة على تسهيل إجراءات تنقل المواطنين وانسياب السلع وحركة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء وإصدار الجوازات المقروءة آليا للاستغناء عن تعبئة بطاقات الدخول والخروج لمواطني دول المجلس وتحسين الأداء في المنافذ البرية.
وتأكيدا لأهمية التعاون والترابط بين دول المجلس في مجال المصارف وتعزيزه قرر المجلس في تلك القمة السماح للبنوك الوطنية بفتح فروع لها في الدول الأعضاء وفق ضوابط معدة لذلك والسماح لبنك الخليج الدولي بفتح فروع له في دول المجلس.
وفي عام 2003 استضافت الكويت القمة الرابعة على أراضيها وكانت الدورة الـ24 لمؤتمر القمة الخليجية عقب حرب تحرير العراق حيث أكد المجلس تعاطفه وتضامنه مع الشعب العراقي في محنته وشدد على أهمية ربط الدول الخليجية بمختلف وسائل المواصلات التي تخدم تنقل المواطنين وزيادة حركة النقل التجاري وانسيابها بين دول المجلس وتسهيل تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية.
واعتمد المجلس في تلك القمة الرابعة التي استضافتها الكويت مشروع وثيقة الدوحة للنظام «القانون» الموحد لأعمال كتَّاب العدل لدول مجلس التعاون ومشروع النموذج الاسترشادي لاتفاقيات التعاون القانوني والقضائي ومشروع وثيقة أبوظبي للنظام «القانون» الموحد للتوثيق والمصالحة لدول مجلس التعاون.
أما القمة الخامسة في الكويت فكانت في عام 2009 حين احتضنت البلاد مؤتمر القمة الخليجية الـ30 وتم فيها إقرار المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس بمجال التعليم الفني وإقرار الاستراتيجية الدفاعية للمجلس وتطوير قدرات درع الجزيرة والمشاريع العسكرية المشتركة والاتفاق على البدء بتعزيز التعاون بين دول المجلس والاتحاد الاوروبي بما يخدم مصالح الجانبين.
ودعت تلك القمة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تكثيف تبادل المعلومات وعدم السماح باستغلال أراضي الدول في التحضير والتخطيط والتحريض على ارتكاب أنشطة إرهابية والتعاون في تسليم العناصر المتواجدة في الخارج المتورطة في أنشطة إرهابية.
وبالنسبة للقمة السادسة في الكويت كانت توافق مؤتمر القمة الخليجية الـ34 عام 2013 حيث تم خلالها إقرار إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس وتكليف مجلس الدفاع المشترك اتخاذ مايلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها وأدانت استمرار النظام السوري في شن عملية إبادة جماعية على الشعب السوري.
كما اعتمد المجلس في تلك القمة القواعد الموحدة في مجال تكامل الأسواق المالية بالدول الأعضاء ومتابعة العمل في الاتحاد النقدي لمجلس التعاون واطلع على خطوات تنفيذ السوق الخليجية المشتركة إضافة إلى إصدار قرار يجيز إعارة أعضاء النيابات العامة وهيئات التحقيق والادعاء العام للعمل لدى الأجهزة المماثلة في الدول الأعضاء.
وكلف المجلس في تلك القمة الأمانة العامة للمجلس بدراسة إنشاء صندوق لدعم ريادة الأعمال لمشروعات الشباب الصغيرة والمتوسطة وتأسيس برنامج دائم لشباب دول المجلس بهدف تطوير قدراتهم وتفعيل مساهمتهم في العمل الإنمائي والإنساني وتعزيز روح القيادة والقيم الإيجابية لديهم والتعريف بالهوية الخليجية.
أما القمة السابعة في الكويت فقد استضافتها البلاد عام 2017 ووافقت مؤتمر القمة الخليجية بدورتها الـ 38 وكانت أيضا القمة الأولى التي تعقد بعد الأزمة الخليجية التي شهدتها المنطقة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ودولة قطر من جهة أخرى.
ودان المجلس في تلك القمة استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى معتبرا أي قرارات أو ممارسات تقوم بها إيران على الجزر الثلاث باطلة وملغية ولا تغير شيئا من الحقائق التاريخية والقانونية التي تجمع على حق سيادة الإمارات على جزرها الثلاث مع دعوة ايران إلى الاستجابة لمساعي حل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وستكون القمة التي تستضيفها دولة الكويت في الأول من ديسمبر العام الحالي القمة الثامنة التي تعقد في البلاد وتوافق الدورةالـ45 للمجلس الأعلى لدول التعاون وذلك إيمانا منها بما يجمع دول المجلس من وحدة الهدف والمصير المشترك وضرورة تعزيز مسيرة التعاون واستكمال خطوات وبرامج ومشاريع التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني والعسكري بين دول المجلس من خلال التنفيذ الكامل للخطط التي يقرها المجلس ورؤى الدول الأعضاء لتحقيق المواطنة الخليجية الكاملة.