
أكد سفير فرنسا لدى البلاد اوليفييه غوفان ارتباط الكويت بعمق بفرنسا واللغة الفرنسية، مشيدا بالمساهمة البارزة لسمو الشيخ ناصر المحمد، “فهو أب الفرنكوفونية في الكويت، الذي أطلق أولى المبادرات لصالحها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولهذا السبب اختاره مجلس تعزيز الفرنكوفونية في الكويت رئيساً فخرياً بالإجماع ، وقد مكّن التزامه الثابت ودعمه من أن يرى هذا الحفل النور في عام 2023. وبفضل دعمه، نحن قادرون على جمعكم اليوم.”
جاء ذلك في كلمة القاها السفير غوفان في حفل خريجي فرنسا 2025 ، الذي اقيم في معهد الكويت للأبحاث العلمية، مضيفا : نحتفل الليلة بـ «يوم الخريجين»، وهي مبادرة أطلقت في يوليو 2022 من قبل وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية آنذاك، كاثرين كولونا، بدعم من كامبوس فرانس. ومنذ ذلك الحين، يُحتفى سنوياً بخريجي التعليم العالي الفرنسي في جميع أنحاء العالم، مسلطين الضوء على التجارب المشتركة والروابط الدائمة مع فرنسا.
وأشار الى ان موضوع هذا العام «مواهب لتغيير العالم»: موضوع لا يمكن اختيار أفضل منه. فهنا في الكويت، أنتم كثيرون من يمثلون هذا التغيير. نساء ورجال درسوا في فرنسا، يضعون اليوم مهاراتهم وأخلاقياتهم وإبداعهم في خدمة النفع العام. في مجالات الطاقة، المناخ، الصحة، الزراعة المستدامة، القانون أو الرقمنة، أنتم في الصفوف الأمامية.
وتساءل : لكن لماذا نغير العالم؟ لأن الوضع الراهن لم يعد خياراً، ولا نغير العالم لمجرد الرغبة في إثارة الفوضى، بل لأنه لم يعد يلبي حاجات الغد، مضيفا أن الطوارئ المناخية، التحولات الديموغرافية، الاضطرابات التكنولوجية والجيوسياسية تفرض علينا العمل هنا والآن. تغيير العالم يعني الاستجابة لحاجات اليوم مع التنبؤ بتحولات الغد. إنه الابتكار، التفكير المختلف، خلق حلول مستدامة وشاملة ومشتركة. وهذا يتطلب وضوح الرؤية، شجاعة، وإحساساً عميقاً بالمسؤولية. وأنتم، أيها الخريجون، تحملون هذه القدرة الثمينة على ربط الفكر بالفعل، وتحويل المعرفة إلى حلول، وابتكار إمكانيات جديدة.
واضاف: في الكويت، التحديات العالمية كثيرة ويتم التعامل معها بجدية: الأمن الغذائي، الانتقال الطاقي، إصلاح النظام الصحي، الرقمنة، التكيف مع التغير المناخي. في مواجهة هذه القضايا، يأتي التعاون الفرنسي- الكويتي ليكون رافعة قوية. ويمتد إلى قطاعات متنوعة واستراتيجية. في المجال القانوني والقضائي، شراكتنا نشطة، تغذيها روابط قوية مع معهد الدراسات القانونية والقضائية، المعهد الدبلوماسي، والجامعات القانونية مثل جامعة الكويت وكلية القانون الكويتية العالمية.
وأكد أن تبادل الخبرات، التدريب المستمر للمهنيين، الندوات المشتركة تسهم في تعزيز دولة القانون والقدرات الوطنية، مشيرا إلى أنه في مجال الدفاع، تعاوننا عريق وعميق ومبني على ثقة متبادلة. وهو دليل على تضامن نشط بين بلدين يشتركان في رؤية الاستقرار الإقليمي وتعدد الأطراف.
وقال السفير غوفان أيضا:على الصعيد الثقافي، شراكتنا حيوية أيضاً، يشمل العديد من الشراكات الملموسة مثل التعاون مع شركة فيكتراكوم الفرنسية التي تستثمر في رقمنة التراث السمعي البصري. ويقوم تعاوننا الاقتصادي أيضاً على أسس متينة، مدعومة بحضور نشط للشركات الفرنسية ومشاريع مشتركة في قطاعات مختلفة، لافتا إلى أن هذا الحوار الاقتصادي والقطاعي يقترن بحوار سياسي واثق وواقعي، حيث تشترك دولتانا في مواقف متقاربة تجاه القضايا الدولية والجيوسياسية الكبرى، مع احترام القانون والسيادة وتعدد الأطراف. وزيارة سمو الأمير القادمة إلى فرنسا تأتي في هذا السياق.
وأد أنه في هذا السياق، تؤدي الفرنكوفونية دوراً بنيوياً ومهماً في الكويت. فقد اختُتمت مؤخراً فعاليات شهر الفرنكوفونية، والتي عكست الحيوية التي يضفيها مجلس تعزيز الفرنكوفونية في البلاد. ويُقدَّر عدد الناطقين باللغة الفرنسية في الكويت بنحو 500 ألف شخص، فيما يساهم نحو 1400 أستاذ للغة الفرنسية، يعملون في المدارس الحكومية والخاصة، في الحفاظ على هذه اللغة وتعزيز قيمها، التي تتمثل في الانفتاح العالمي، والدقة، والذكاء الجماعي.
أضاف: وتتجلى العلاقة بين فرنسا والفرنكوفونية أيضاً من خلال المدرسة الكويت الفرنسية، التي أسست عام 1989، وقدّمت التعليم لآلاف الطلاب من مرحلة رياض الأطفال إلى شهادة البكالوريا. ويجدر الإشادة بجهود أوليفييه غوتييه، مدير المدرسة، و فريديريك فونتين، المدير الإداري، لما قدماه من مبادرات رائدة، من بينها اعتماد البكالوريا الفرنسية الدولية، والاستعداد لافتتاح قسم دولي بدءاً من العام الدراسي المقبل، مما يوسّع آفاق الطلاب الأكاديمية والثقافية.
وتابع : اما المعهد الفرنسي في الكويت، فهو يضطلع بدور ثقافي وتربوي محوري، إذ يقدّم دروساً في اللغة الفرنسية، وينظّم فعاليات ثقافية متنوعة تستهدف جميع الناطقين بالفرنسية، كما يوفّر من خلال مكتب “كامبوس فرانس” الإرشاد والتوجيه للراغبين في استكمال دراستهم في فرنسا. وأنتم، أيهاالخريجون، تمثّلون خير سفراء لهذه الروح الفرنكوفونية. لقد اتخذتم قراراً بالغ الأهمية حين اخترتم فرنسا وجهةً لتحصيلكم العلمي. ولم تكن تلك المرحلة مجرّد تجربة أكاديمية، بل كانت رحلة حياة، مليئة بلحظات التعلّم المشترك، وبناء العلاقات، والصداقة التي كثيراً ما تدوم مدى الحياة.
واختتم السفير الفرنسي كلمته بالقول: لقد تعرفتم إلى أسلوب في التفكير، والحوار، والعمل. وكما قال ألبير كامو: “ينبغي أن تكون الجامعة المكان الذي يتعلّم فيه الإنسان كيف يفكر بنفسه”. أنتم اختبرتم معنى البحث الحر والنقد البنّاء، وهذه قيم ينبغي الحفاظ عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى. كما أن العديد منكم نسج علاقات شخصية عميقة — بل وحتى زوجية — ونحن نعتز بأن نكون شهوداً على ذلك. وأدعوكم الليلة إلى مواصلة هذا التواصل والتفاعل. بعد انتهاء هذا اللقاء الرسمي، تفاعلوا وتبادلوا الأفكار والخبرات، فمثل هذه اللقاءات قد تكون شرارة لمشاريع المستقبل. ونحن، في السفارة والمعهد الفرنسي وكامبوس فرانس ومنصة الخريجين، على أتم الاستعداد لدعمكم بكل الإمكانات. أعزائي الخريجين، نشكركم لأنكم تجسّدون أفضل ما تمثّله فرنسا: التعليم، والتفكير، والانفتاح، والالتزام. واصلوا دوركم كجسور للتفاهم، وحاملي معاني، وطاقات لا تتوقف عن الحركة والعطاء.