الكثير منّا يعتبر أن الألم هو الدافع الحقيقي وراء كل مبدع...و العامل المشترك بين جميع الموهوبين حين تثور مشاعرهم و تتأجج بفعل الظروف التي يعشونها أو التي تعايشهم ، وسواء أكان الألم جسديا أو نفسيا فإنه يلقي بظلاله الشاحبة على عالم اللاوعي ويمسح بكآبته على سراديب الروح فيحس الفرد بنقصه وربما عدم كفاءته في ممارسة الحياة العادية كعامة الناس. ولأن الإنسان أناني بطبعه، وغريزة البقاء متأصلة فيه تأصل خلاياه ولأن الموت والنسيان هما خصماه اللدودان، فإنه يسعى لاستكمال ذلك النقص المتجلي في المعاناة بالتطلع إلى عوالم لا يرقى إليها الأشخاص العاديون لذلك تبقى حتمية النظرية قائمة بأن المبدع يعاني من نقص نفسي يحاول جاهدا تكملته بطريقة ترضي حاجاته الوجدانية و ربما مهما حاول فلن يبلغ غايته لو أثرى الساحة الفكرية بكل ما تجود به قريحته من إبداع قد ترعرع في رحم المعاناة و مهما سعى بكل ما أوتي من قوة لتكوين العمل الابداعي في حين تتمزق روحه بين أنياب الفاقة و ذل الحياة .
و من خلال الكثير من الحوارات التي أجريتها مع شعراء و كتاب أطرح نفس السؤال الذي يراودني أيضا :
هل أوجاعي الدفينة بداخلي تجعلني أنظم القصيدة بكل ولاء؟! و هل غايتي في تفريغ ثورة الألم التي تجتاحني كل فترة و فترة بسبب نزعة الاغتراب و الحب تنتهي عند آخر بيت شعري ...لأجزم أن ألا غيرها يستوعب درجات الحزن الذي يقيّدني أحيانا و أحيانا أخرى يحررني بين مساحات الورق و القلم ...فقط ...
اذ كان شاعرنا الكبير المتنبي على حق حين قال:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
لذلك أجد أن الابداع وجهان لعملة واحدة ....بلاء و داء يصيب الكاتب أو الشاعر و كثيرون أمنيتهم الشفاء منه بعد ما يواجهونه بالصبر و التضحية و الغرق في عوالمه حتى يستطيع ترجمة معاناته أو معاناة غيره من صرخات مكتومة و أنات تزاحمت في دفات القلوب ....بتقنيات فنية لا يتقنها الا القليلون من أصحاب الملكات الفطرية الغائرة في النفس ...
أما الوجه الجميل فهو إمتاع القارئ و المتلقي بأجناس الفنون الفكرية و التصويرية و قراءة الابداع الممزوج بتربة الألم لربما يقابلونه بنظرات الاعجاب و الاطراء و بعض كلمات الثناء مقابل مخاضه العسير في ولادة نتاجه الإبداعي.
لتنحصر بذلك ثورة المبدع بين ذاته و بين نتاجه لكي نجد أن الكثيرون من يتلذذون لهكذا ألم ...بل و يعتبرونه ثورة فكر و خيال و إلهام تجعلهم بين دروب الأيام أسعد الناس و أشقاها ...فتتزاوج المشاعر لخلق روائع تحارب الاضطهاد و تتشبت بالحياة و الرغبة في مواصلة رحلة الابداع برفقة الألم .
ليبقى بذلك التساؤل قائما حول ماهية إدارك البعض من قراء و نقاد حول الجهد الذهني الذي يبذله المبدع لإيصال أفكاره و ما ينتج عنها من آلام و صراعات قد تجعله حبيسا بين منتوجه و المعنى الخالد الذي يسعى إليه..بلا هدف و لا غاية ...
سناء الحافي