الشيخ مسلط بن فالح بن منديل الهذال العنزي الملقب بالرعوجي عاش في القرن الثاني عشر الهجري عاصر الشاعر المشهور محسن الهزاني توفي عام 1185 هجري وفي احدى المعارك التي خاضها ، فاصيب فنقله رفاقه الى بلدة الحريق لمعالجته بها وهناك تقابل مع الشاعر محسن الهزاني وطلب منه ان يرثيه بعد مماته فوعده محسن بذالك واسمعه قصيدته الذي يرثي بها نفسه كما لو التاريخ يعيد نفسه مرة وتعود بصورة مالك بن الريب وصوته حين عاد وهو واضع الحجر الاساس لمحافظة سمنان الإيرانية نسبة إلى مسقط رأسه في قرية سمنان في محافظة الزلفي ، وفي عودته بعد الغزو وبينما هم في طريق العودة إلى «وادي الغضا» في نجد وهو مسكن أهله – وهي نفس المنطقة التي مات بها شاعرنا وفارسنا الشيخ محسن الرعوجي كذلك وتحديدا في منطقة الحريق المجاورة للزلفي - مرض مرضاً شديداً أو يقال أنه لسعته أفعى وهو في القيلولة فسرى السم في عروقه وأحس بالموت فقال قصيدة عظيمة وخالدة ، يرثي فيها نفسه، وصارت تعرف ببكائية مالك بن الريب التميمي :
ألاَ لَيتَ شِعرِي هَـلْ أبيتَنّ ليلةً
بجَنبِ الغَضَا ، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ
وليـتَ الغَضَا مَاشىَ الـركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا
مـزارٌ، ولكـنّ الغضـا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَـرَني بِـعتُ الضّـلالةَ بالهُـدى
وَأَصْبَحْتُ فـي جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي
بِـذِي الطَّبَسَـين ، فالتفـتُّ وَرَائِيا
أَجَبْـتُ الهَـوَى لَمّا دَعَاني بِـزَفْرَةٍ
تَقَنّعْـتُ مِنْـهَا ، أن أُلامَ ، ردائيـا
لَعَمْري لئـن غالتْ خُراسانُ هامَتي
لقـد كُنْـتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّـه درّي يَـوْمَ أَتْـرُكُ طـائعاً
بَنـيَّ بأَعْلـى الـرّقمَتَيـْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّبـاءِ السّـانِحـاتِ عَشِيّةً
يُخَبّـرْنَ أنـي هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيـرَيَّ اللّـذين كِـلاهُمَا
عَلـيّ شَفيـقٌ ، ناصِحٌ ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ
وَدَرُّ لَجـاجـاتي ، ودَرُّ انتِهـائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ ، فلمْ أَجِدْ
سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا
وَأَشْقَـرَ خِنْـذِيذٍ يَـجُرّ عِنـَانَهُ
إلى الماء، لم يتْـرُكْ لَهُ الدهْـرُ ساقيا
ولَكِـنْ بِأَطْـرَافِ السُّمَيْنَة نِسْـوَةٌ
عَـزيزٌ عَلَيْهِـنّ العـشيّةَ ما بيا
صَـرِيعٌ على أيْدِي الـرّجَالِ بِقَفْرَةٍ
يُسَـوُّوْنَ قَبْـري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا
وَلَمّـا تَـرَاءَتْ عِنْـدَ مَـرْوٍ مَنيّتي
وَحَـلَّ بِهَا جِسْـمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقـولُ لأصْـحابي ارْفعـوني لأنّني
يَقِـرّ بِعَيْـني أن سهَيـلٌ بَـدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي ، دنا المَوْتُ، فَانزلا
بـِرابِيَـةٍ ، إنّـي مُـقِيـمٌ لَيـاليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ ، أو بَعْـضَ ليلةٍ
ولا تُعْجِـلاني قـد تبيّـنَ ما بِيا
وَقُوما ، إذا ما استُلّ روحي ، فهيِّئا
ليَ القـبرَ والأكفـانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْـرَافِ الأسِنّةِ مضجعي
ورُدّا علـى عَيْنَـيَّ فضـلَ ردائيا
ولا تحسُـداني ، باركَ اللَّهُ فيكما
من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُـذَاني ، فجُـرّاني بِبُرديْ إليكما
فقـد كُنْتُ ، قبل اليوم ، صَعباً قِياديا
فقد كنتُ عطَّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ
سَـريعاً لـدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى
وعـنْ شَتْـمِ ابن العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى
ثَقِيـلاً على الأعـداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني فـي ظِلالٍ وَمَجْمعٍ
وَطَـوْراً تَـراني ، والعِتَـاقُ ركابيا
وَقُوما علـى بِئْرِ الشُّبَيكِ ، فأسمِعا
بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا
بِأَنَّكُمـا خَلَّفْتُمَـانـي بِقَفـْرَةٍ
تُهيـلُ علـيّ الـرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي ، خَليليّ ، إنّني
تقطَّع وصـالي وَتَـبْلـى عِظـامِيَـا
فلنْ يَعْـَدم الـوالون بيتاً يَجُنُّني
وَلَـنْ يَعْـدَمَ المـيراثَ منّي الموالِيا
يقولون :لا تَبعُدْ ، وهُم يدفِنونني
وأيْـنَ مَـكانُ البُعْـدِ إلاّ مَـكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ
إذا أَدْلجـوا عـني ، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي ، من طَريفٍ ، وتالدٍ
لِغَيْـري وكان المالُ بالأمـسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرَّحى
رحى الحْرب،أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القـْومُ حلّـوها جميعاً، وأَنْزَلوا
لها بَقـراً حُـمَّ العيـونِ، سواجِيا
وَعِـينٌ وَقَـدْ كان الظّلامُ يَجُنّها
يَسُفْنَ الخُـزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى
تَعَالِيَهَـا تَعلـو المُتـونَ الفيَافِيَا
إذا عَصِـبَ الـرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ
وبُولانَ ، عاجُـوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ
كمـا كُنْـتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ ، وسلّمي
على الرَّيمِ ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه
غُبـارًا كلـونِ القسْطَـلانيّ هَابِيا
رَهِينـة أَحْجَـارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ
قَـرارَتُها منّـي العِظَـامَ البَوالِيا
فيـا راكِباً إمّا عَـرَضتَ فبلّغَنْ
بني مالكٍ والـرَّيْبِ أنْ لا تـلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري
وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تـدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما
وبلِّغ كَثـيراً وابْنَ عمّـي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها
ستُـبرِدُ أكباداً وتُبكـي بَواكِيا
أُقَلِّبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى
بِهِ مـن عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْـوَةٌ لـو شَهِدنَني
بَكَيْنَ وَفَـدّيْنَ الطّـبيبَ المُداويا
فمِنْهـُنّ أُمّـي، وابْنتاها، وخالتي
وباكِيَةٌ أُخـرى تَهِيـجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْـدُ الرّمْل منّي وأهلِه
ذميمًا ، ولا بالـرّمْل ودّعْتُ قَاليا
وكذلك الشيخ الرعوجي الذي رثي نفسه حياً بقصيدة عجيبة فقال :
قال الرعوجي مسلطا واف الاشبار
عصر الخميس وحفرتي جددوها
شدو وخلوني على دمنت الدار
وحسايفي حتى عباتي خذوها
يا حيف نسيو هدتي هي والاذكار
ومواقفٍ صعبه عليهم نسوها
عقب العقاب الصيرمي طفيت النار
ولو جمعو كل الحطب ماوقدوها
ماغبطهم الا غب طيحات الامطار
من قفرةٍ نبت الثريا رعوها
ياحيف يانوضا انخوتي عن الجار
وبنت المويهي بالغنم سرحوها
ما جوعت ضيفٍ ولا زعلت جار
لوا حسايف كانهم زعلوها
لابد ما تذكر افعولي وما صار
الله يغضبهم ان كان اغضبوها
ياما حلا عشب الخزاما بالاقفار
في سهلةٍ وعيال وايل حموها
الخيل تذكرني ابساعات الادبار
ان جفلو صم الرمك واعجلوها
بمصافق الابطال بالموقف الحار
نوضا على كل النس عززوها
وانا ابقبرٍ صفصفوا فوقه احجار
ونصايب الي فوق قبري بنوها
وسوالفي تبقى صعيبات وعسار
تفخر بها وايل الى رددوها
وبعد وفاته رثاه الشاعر محسن الهزاني فقال:
ياراكبن من فوق مثل السبرتات
حمرا فتات عن لقاحا معفات
تلفى الكواعب من بنات العمارات
يبكن اخو نوضا على راس ماطال
يبكن بدمٍ ليس بالدمع يخلط
يبكن زبون العندليات مسلط
والله فلا مثله على الخيل يقلط
ولا نقلن الخيل مثله برجال
يالبيض كبن الحلي والعشارق
وابكن اخو نوضا امروي المطارق
هو حرزها وان جللوها المعارق
ولحق الوسيق ورد الاول على التال
عليه انا موفا ثلاثة عشر يوم
لا لذلي زادا ولا طابلي نوم
من يوم جاني عن حجا كل مضيوم
سهم المنايا مسلط واف الافعال
لكن في كبدي لهب واهج القيض
على الذي مالا اقلوب العدا غيض
يفداه من لبس السراويل والبيض
ليت المنايا تندفع عنه بالمال
من عقب مسلط ياهل الخيل تكفون
لا في العنوز ولابعد في ذوي عون
كم سربةٍ مهيوبةٍ في ضحى الكون
فرق شعبها والغبو عنه ينزال
الى ان قال :
يوم البوادي تشعف البوش تشعيف
عيا عليها مسلط مـاض الافعـال
لواعشيري مسلطا حامي القود
راقي حجـا العليـا ذرا كـل مظهـود
والى اعتلا منفوق ماتقحم العود
عيا على تال الضعن زين الادلال
لـوا عشيـري ليتنـي مـا بكيته
لـو فـي يــدي حـلٍ وعـقـدٍ شريـتـه
وبكل مـا تملـك يمينـي فديته
بالبـوش والغـرس المضاليل والمال